في خطوة تُغير المشهد السياسى برمته في الكويت ووُصفت بـ"تصحيح المسار"..أصدر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مساء أمس الجمعة، أمراً أميرياً اشتمل على خمس بنود، كان في صدارتها حل مجلس الأمة للمرة الثالثة عشرة في تاريخ الكويت، وانتقال مهامه للأمير ومجلس الوزراء، ووقف العمل بـ 7 مواد في الدستور، لحين دراستها وما يتعلق بالممارسة الديمقراطية في الدولة.
وشملت المواد التي توقف العمل بها المواد 51 و65 (فقرة اثنان وثلاثة) و71 (فقرة اثنان)، و79 و107 و174 و181 من الدستور.
رُبما لم تكن هذه القرارات مفاجأة لمتابعى الشأن السياسى عن قرب في الكويت، حيث استبقها مؤشرات كان أبرزها التصعيد النيابى من قبل عدد من أعضاء مجلس الأمة بالتزامن مع مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، ما حمل في طياته تدخلات سافرة في صلاحيات يكفلها الدستور الكويتى لأمير البلاد .
تبعات القرارات
وحول التبعات المنتظرة عقب هذه القرارات ، قال الباحث السياسى الكويتى الدكتور عايد المناع، في حديث لـ"اليوم السابع"، أن الفترة القادمة ستشهد العمل على تعديل عدد من مواد الدستور خلال مدة لا تتجاوز الـ6 أشهر ، وسوف يتم طرح التعديلات للاستفتاء عليها .
وتوقع الدكتور عايد أن تؤدى هذه الخطوات إلى تصحيح المسار في الكويت، وأن تتجاوز الدولة الأزمة السياسية التي وصلت لذروتها منذ عامين تقريبا، وتوتر العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، موضحا أن الأمير أراد بقرارته أيضاً أن ينقى أجواء الديمقراطية بالكويت من الشوائب التي علقت بها خلال الفترات الماضية على مدى ستين عاما مضت .
وأكد أن الكويتيين ينتظرون من القيادة السياسية واللجنة التي تنظر فى تنقيح الدستور بإنتاج دستور مواكب للعصر الحديث قادر على الفصل بين السلطات واختصاصات كل منها وهو ما سيتضح خلال النقاشات وآراء خبراء تعديل الدستور .
وحول الأسباب وراء إصدار هذه القرارات وما الذى سيترتب عليها ، يوضح مراقبون كويتى، أن دستور الكويت يُعمل به منذ 60 عاماً ، ولكن تم استغلاله بطريقة سيئة، وقد سبق أن تم وقف العمل ببعض مواده 3 مرات في تاريخ الكويت، والآن كان أمام الأمير خياران إما منح هذا الدستور لمن يحاولون استغلاله بأسوأ الطرق وأعنى هنا أعضاء مجلس الأمة، لكى يقوم بتعديله أو أن يحمل هو على عاتقه هذه المهمة الشاقة .
وأضافوا، إن من الصعب احتساب مدى التطور الذى ستصل إليه الأمور الفترة القادمة أو احتساب التبعات التي ستترتب .
وأشاروا، لـ"اليوم السابع"، إلى أنه بعد توقف العمل بالدستور أصبحت القرارات في الدولة بيد الأمير ومجلس الوزراء فقط، والاعتماد خلال الفترة القادمة سيكون على المراسيم والقرارات والأوامر الأميرية بشكل كلى ، أما بالنسبة للقوانين سوف تصدر بمراسيم قوانين.
مواجهة التلاعب بالديمقراطية
في تفاصيل إعلانه عن قرار حل مجلس الأمة قال الشيخ مشعل، إن اضطراب المشهد السياسي في الكويت وصل إلى مرحلة لا يمكن السكوت عنها والواجب يفرض علينا أن نبادر إلى اتخاذ جميع الوسائل الضرورية لتحقيق المصلحة العليا للبلاد، موضحا أن الجو غير السليم الذي عاشته الكويت في السنوات السابقة شجع على انتشار الفساد ليصل إلى أغلب مرافق الدولة بل ووصل إلى المؤسسات الأمنية والاقتصادية مع الأسف بل ونال حتى من مرفق العدالة الذي هو ملاذ الناس لصون حقوقهم وحرياتهم ليبقى دائماً مشعلاً للنور وحامياً للحقوق وراعياً للحريات.
وأشار أمير الكويت إلى أن الدستور بوصفه وثيقة تقدمية تستجيب لمتطلبات الحياة ومتغيراتها يجد متنفسه بانسجامه مع الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية السائدة في المجتمع لابد له من التوافق مع الظروف المستجدة في قدرته على استيعابها ليكون منفذاً له في الاستمرار كأداة تحكم واقع المجتمع وتكويناته.
وجدد الأمير التأكيد على حرص أهل الكويت المؤسسين للديموقراطية على إيجاد دستور يخدم مصالح الأمة ويرعى حقوق وحريات الشعب ولم نجد منهم في مناقشاتهم في المجلس التأسيسي أو في المجالس التي تلت ذلك إلا قمة الاحترام في الخطاب والرقي في ممارسات الوسائل الدستورية المتاحة لهم في مكانها السليم، مشيرا إلى وجود إساءة بالغة في استخدام هذه الوسائل وفي أسلوب الخطاب الذي لا يتفق مع عادات وتقاليد أهل الكويت الطيبين الأصليين.
وأشار الشيخ مشعل إلى أن الكويت مرت خلال الفترة الماضية بأوقات صعبة كان لها انعكاساتها على جميع الأصعدة مما خلق واقعاً سلبياً وجب علينا كمؤتمنين على هذه الدولة أن نقدم النصح والإرشاد لنخرج بأقل الخسائر الممكنة، وأضاف الشيخ مشعل إن ديموقراطية الحكم كأسلوب حياة وعمل تفرض قدراً واسعاً من تنظيم السلطات العامة وتوزيع أدوارها ضمن رؤية واضحة تحقق الهدف منها وهذه الرؤية تفرض العديد من الضوابط على السلطتين التشريعية والتنفيذية ضمان تقيدها بأحكامه.
لقد لمسنا خلال الفترات السابقة بل وحتى قبل أيام قليلة سلوكا وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستورية الثابتة، وهناك من هدد وتوعد بتقديم الاستجواب لمجرد أن يعود أحد الوزراء إلى حقيبته وآخر اعترض على ترشيح البعض الآخر متناسين جهلاً أو عمداً أن اختيار رئيس الحكومة وأعضائها حق دستوري خالص لرئيس الدولة.
واستطرد الأمير قائلاً: لقد وصل التمادي إلى حدود لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها لما تشكله من هدم للقيم الدستورية وإهدار للمبادئ الديموقراطية التي ارتضيناها جميعا طريقاً هادياً لتحقيق المصلحة العامة، و البعض مع الأسف الشديد وصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير ويتدخل في اختياره لولي عهده متناسياً أن هذا حق دستوري صريح وواضح للأمير، مشدداً على أن مصادر الثروة الوطنية لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يستنزف مواردها ويُعطّل مصالح الأمة عن طريق اقتراحات تهدر المال العام ولا تحقق الصالح العام وإنما يجب أن تعمل هذه الاقتراحات في خدمة الاقتصاد الوطني وفي إطار خطة التنمية.
وأضاف أن على الجميع إدراك ألا أحد فوق القانون وغير مسموح بإهدار المال العام للدولة، أو أن يتم استغلال الديموقراطية لتحطيم الدولة لأن مصالح أهل الكويت التي هي فوق الجميع أمانة في أعناقنا علينا واجب صونها وحمايتها، مشيرا إلى أن بعض الحكومات مررت مخالفات وتجاوزات جسيمة نتيجة للضغط النيابي؛ ما انعكس سلباً على المصلحة العامة حتى وجدنا من أُدين بالخيانة حراً طليقاً نتيجة لهذه الممارسات غير المقبولة.
وشدد الشيخ مشعل على أن الأمن مسألة في غاية الأهمية وسوف نولي جل اهتمامنا لتحقيق هذه الغاية فنعيد النظر في قوانين الأمن الاجتماعي أولاً، وأن من دخل البلاد على حين غفلة وتدثر في عباءة جنسيتها بغير حق ومن انتحل نسباً غير نسبهِ أو من يحمل ازدواجاً في الجنسية أو سولت له نفسه أن يسلك طريق التزوير للحصول عليها واستفاد من خيرات البلاد دون حق وحرم من يستحقها من أهل الكويت
وقال الأمير إن قاعة عبدالله السالم (مجلس الأمة ) بدلاً من أن تكون مكاناً لممارسة ديموقراطية حقيقية سليمة أصبحت مسرحاً لكل ما هو غير مألوف وغير مستحب أو مقبول من الألفاظ والعبارات، والإفراط في استخدام حق الاستجواب في كل صغيرة وكبيرة أهدر القيمة الحقيقية لهذا الحق بوصفه أداة راقية للمساءلة والمحاسبة وليس وسيلة للابتزاز والتهديد أو طريقاً للحصول على مكاسب أو منافع شخصية، مشيرا إلى أن الدستور أقر أداة الاستجواب لتكون وسيلة للإصلاح وتقويم الاعوجاج إن وجد وبغير ذلك تفقد هذه الأداة الراقية قيمتها ودوافع تقريرها.
الاستباق بتصعيد نيابى
كانت هناك ظروف سياسية تحيط بالمشهد في الكويت سبقت إعلان قرارات الأمير؛ بل وتشير إلى حتمية اتخاذها لتصحيح المسار ، فبالتزامن مع المشاورات التي يجريها رئيس مجلس الوزراء الكويتى الشيخ محمد صباح السالم الصباح ، حدث صعيد نيابي، حيث أعلن 9 نواب عقد اجتماع في مجلس الأمة، يستهدف إيصال رسالة إلى الحكومة بالتمسك بالقواعد الدستورية لتشكيل الحكومة، التي توجب على رئيس الوزراء الاستجابة لمخرجات الانتخابات وعناصر المجلس الجديد، مشدداً على التزام المجتمعين باستخدام كل الأدوات الدستورية في حال مخالفة رئيس الحكومة لذلك، حملت اللهجة ما يشبه التهديد لمجلس الوزراء وأيضا تجاوزا لصلاحياته وصلاحيات الأمير.
وشدد النواب على أن الدستور يشير في المادة 57، إلى أنه يجب أن تتشكل حكومة جديدة بعد كل انتخابات، وتشرح المذكرة التفسيرية أن الهدف من ذلك هو لأن تجديد الانتخابات معناه التعرف على الجديد من رأي الأمة، وهذا الجديد لا يصل إلى الحكومة إلا بإعادة تشكيل الوزارة، وفقاً لاتجاهات وعناصر المجلس الجديد، موضحين أنه حال عدم التزام رئيس الوزراء، فالنواب المجتمعون ملتزمون باتخاذ كل صلاحياتهم الدستورية، والعمل على تحقيق هذه الفكرة، متهمين بعض الوزراء بالتعالى وسوء استخدام السلطة، وغيرها من الاتهامات غير المستندة إلى وقائع محددة .
تاريخ حل المجلس
شهد مجلس الأمة الكويتى حالة الحل الثالثة عشرة في تاريخ الحياة النيابية، وكانت البداية فى عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح، صدر الدستور الكويتي الحالي بعد الاستقلال، في 11 نوفمبر عام 1962 وبدأ العمل به رسمياً في 29 يناير 1963، ويتبنى الدستور الكويتي النظام الديمقراطي، حيث تنص المادة السادسة على أن نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً.
ومنذ أول تشكيل لمجلس الأمة في العام 1963 بعد الاستقلال وإعلان الدستور، تعرض مجلس الأمة لنحو 11 حالة حلّ، إما بمرسوم أميري أو بقرارات قضائية، منها حالتا حلّ غير دستوري (1976 و1986) حيث تمّ حل المجلس بشكل غير دستوري، وتوقف العمل ببعض مواد الدستور.
وشهد برلمان عام 1975 أول حالات حل مجلس الأمة (حلاً غير دستوري) بعد أن أصدر أمير البلاد الراحل الشيخ صباح السالم في 29 أغسطس عام 1976 مرسوماً أميرياً بإيقاف العمل ببعض مواد الدستور، نتيجة خلاف بين الحكومة ومجلس الأمة وتبادل الاتهامات بين الطرفين. وتوقفت الحياة البرلمانية في الكويت نحو 4 سنوات، حيث جرت الانتخابات التالية في 23 فبراير 1981.
والحل الثاني للمجلس كان فى عام 1985 ، بسبب المواجهات التي حدثت بين المجلس والحكومة بسبب أزمة المناخ، وشهدت فترة توقف الحياة البرلمانية احتلال العراق للكويت في 1990.
الحل الثالث شهده مجلس 1999 في عهد الشيخ جابر الأحمد بسبب استجواب وزير العدل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد الكليب من قبل النائب عباس الخضاري عن الأخطاء في طباعة المصحف الشريف.
وتمّ حلّ البرلمان للمرة الرابعة في مجلس 2003 في عهد الشيخ صباح الأحمد بسبب ما عرف بأزمة الدوائر، وجاء الحلّ الخامس في مجلس 2006 بتوقيع الشيخ صباح الأحمد بسبب قضايا التجنيس ومصروفات ديوان رئيس الوزراء.
وجاء الحلّ السادس لمجلس 2008 بعد 290 يوماً من عمله (افتتح أعماله في الأول من يونيو 2008 وتمّ حله في 18 مارس 2009)، في عهد الشيخ صباح الأحمد، والمرة السابعة لحالات الحلّ كانت لمجلس 2009. وشهد مجلس 2009 حلاً للمرة الثانية، (الحلّ الثامن) حيث قضت المحكمة الدستورية، في 20 يونيو 2012 ببطلان مجلس فبراير 2012، وذلك نتيجة لخطأ إجرائي في مرسوم حل مجلس 2009، وعليه قضت ببطلان المجلس الجديد، وهو 2012، وإبطال عملية الانتخابات التي جرت في 2 فبراير 2012 بجميع الدوائر.
الحلّ التاسع شهده مجلس 2013 حيث قام الشيخ صباح الأحمد بحلّ مجلس 2013 دستورياً في 16 أكتوبر عام 2016.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة