يعد طه حسين من الكتاب الذين تناولوا العيد كثيرا في كتاباته ويروى في كتاب لغو الصيف بباب أحاديث العيد عن الحكايات المتداولة في الأعياد والتي عايشها بنفسه سواء من الصحف أو غيرها وفي ذلك يقول:
بهذا وأمثاله كنت أتحدث إلى نفسي أيام العيد، فإذا سألتَني عمَّا كنت أتحدث فيه إلى الناس، وعمَّا كان الناس يتحدثون فيه إليَّ حين كنا نلتقي، فيا للبؤس! ويا للفقر! ويا للشقاء! ويا لجدب الحياة وإفلاس الأحياء! كنا نتحدث عن الأزمة المالية، وكنا نتحدث عن السياسة، وكنا نتحدث عن غدوِّ المندوب السامي مع الطير يوم العيد وما يحيط بغدوِّه ذلك من أسرار وأخبار، ومن تأويل وتعليل، ثم كنا نتحدث عن بعض هذه الأشياء الممتازة التي ظفرت بأحاديث الناس وشغل الصحف وعناية رجال الأمن، كنا نتحدث عن ذلك الخاتم الذي اضطرب له رجال الأمن وعطِّلت له دار من دور التجارة، واتصل حوله تحقيق طويل دقيق ولم تُبِح صحيفة مصرية عربية أو غير عربية لنفسها أن تُعرِض عنه أو تطوي أخباره عن قرائها، ثم أصبح الناس يوم العيد فإذا الصحف تنبئهم بأن سيدة التقطته أمام مدرسة من المدارس فظنت جوهره من الزجاج ولم تعلم أنه حجر نفيس، وأن مدينة القاهرة مضطربة له أشد الاضطراب، وأن قيمته تربى على ألف من الجنيهات.
وكنا نتحدث عن هذا الدبوس الذي افتقدته صاحبته فلم تجِدْه، فارتاعت لفقده وهمَّت وهمَّ أصحابها أن يقولوا قصة كقصة الخاتم، ولكن شابًّا لم يلبث أن التقطه فردَّه إلى صاحبته، فلم يضطرب رجال الأمن ولم يحتَجْ رجال التحقيق إلى النشاط، ولم تَزِدِ الصحف على أن روت الخبر رواية يسيرة قصيرة في مكان غير ظاهر ولا ممتاز.
ويضيف: كنا نقارن بين قصة الخاتم وقصة الدبوس، وبين حظ الخاتم وحظ الدبوس، وكنت أقول لأصدقائي وهم يبتسمون ويضحكون ويفلسفون: على رسلكم أيها السادة، فلو سألتم ذلك الخاتم أو هذا الدبوس عمَّا يعرفان من التاريخ، ولو قد أراد الخاتم وأراد الدبوس أن يَقُصَّا عليكم بعض ما يعرفان لما ابتسمتم ولا ضحكتم ولا أغرقتم في الفلسفة هذا الإغراق؛ فليست قيمة الخاتم والدبوس في هذه الجنيهات التي تربى على الألف أو تبلغ المئات فحسب، ولكن قيمتهما فيما يحملان من ذكرى وما يصوِّران من حياة، وفي هذه الصلة التي تصل بينهما وبين القلوب والنفوس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة