خالد محمود يكتب: مليحة يعزز قوة الدراما المصرية

السبت، 06 أبريل 2024 05:00 ص
خالد محمود يكتب: مليحة يعزز قوة الدراما المصرية خالد محمود

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تخشى إسرائيل دائمًا تناول القضية الفلسطينية فى عمل درامى مصرى، لأنها تدرك خطورته والتأثير الكبير الذى يمكن أن يتركه - كإحدى أهم وسائل القوى الناعمة - فى الوعى بمخططاتها الشريرة وتحريك المشاعر وتحفيز الفكر ضد خداعها وتزييف الحقائق وخاصة لدى الأجيال الجديدة التى ربما لا تعرف جيدا تاريخ القضية التى يرويها.

وبدون شك، يجىء ظهور عمل درامى  كبير مثل مسلسل مليحة فى أكثر المواسم مشاهدة وفى هذا التوقيت المهم ليطرح القضية الفلسطينية بكل جوانبها، وكأنه يحكى القصة من البداية إلى اليوم، ويعيد التذكير بالنكبة والمأساة، وتقديمها بشكل إنسانى، بمثابة خطوة مهمة ورؤية ذكية تتماس مع الواقع الراهن، ويكشف تورط منظمات دولية فى الماضى فى فرض حق غير مشروع  للكيان الصهيونى، وتورطها أيضا فى الحاضر، وهو ما شكل صدمة كبيرة للطرف الإسرائيلى، ودفع وسائلها الإعلامية مبكرا لتهاجمه خشية من تفاصيله وتأثيره المحتمل على الرأى العام بسبب تناوله لجوانب من معاناة الفلسطينيين.

المسلسل الذى كتبته رشا عزت الجزار وأخرجه عمرو عرفه اعتمد على أهمية موضوعه وفكرته التى مهد لها برواية الحقيقة لتشعر منذ اللحظة الاولى بالانجذاب إليه، إذ لفت الأنظار بمشاهد مؤثرة حزنت معها القلوب لتهجير الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم، والرؤية التاريخية التى يقدمها عبر لقطات بـ«الأبيض والأسود» للنازحين الفلسطينيين منذ عشرينيات القرن الماضى وحتى الآن والتى استخدم فيها مئات الممثلين الذين توحدت مشاعرهم مع المأساة.

ففى مقدمة كل حلقة يعرض المسلسل جانبا توثيقيا فى شكل حوار بين جدّ «يعلق بصوته الفنان سامى مغاورى» على تساؤلات الحفيد، بينما تنقل الصورة مشاهد بالأبيض والأسود من رحلة الشتات الفلسطينى منذ بدايات القرن الماضى، وقرار عصبة الأمم بوضع فلسطين تحت الانتداب البريطانى، الذى تضمن دعوة العالم للالتزام بوعد بلفور بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين.

يتناول المسلسل قصة الشابة فلسطينية «مليحة»، نزحت مع أسرتها فى طفولتها إلى ليبيا خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 بعد تدمير الاحتلال لمنزلهم، ومع قيام الحرب فى ليبيا يتوجهون لمصر قبل أن تعود لتواجه تحديات كثيرة فى سبيل استعادة أرضها.

وقد ربط المسلسل بين انتفاضة الأقصى فى سبتمبر 2000 وما تبعها من تهجير شهده الشعب الفلسطينى وما زال، وكأنه يعطى رسالة لها مؤشراتها التاريخية عبر صورة درامية موثقة ومؤثرة وكاشفة. 

الحلقة الأولى من المسلسل تطرقت للرمز الفلسطينى الشهير المتمثل فى «مفتاح المنزل»، الذى ظهر فى جدار منزل مليحة، والذى يستخدمه أبناء الشعب الفلسطينى للتعبير عن حقهم فى العودة لبلادهم وبيوتهم، فيما شهدت حلقته الثانية استشهاد والدى مليحة «جنين وعمار»، وذلك بعد أن شنت عصابة مسلحة غارة، ونجح ضباط حرس الحدود بمصر بقيادة المقدم أدهم «دياب» من ضبط إرهابى مسلح زرع قنبلة داخل الشاحنة التى تقل النازحين من ليبيا.

لجأ المخرج وكاتبة السيناريو إلى أسلوب سرد شيق ورشيق لحالة وطنية واحداث اجتماعية متلاحقة بلا مبالغات، وصورة واقعية ترصد وتهمس وتحفز فكرا وتلهب المشاعر، وهما يرويان القصة مشهدا مشهدا، فضابط الجيش أدهم يودع أولا عائلته استعدادًا لسفره إلى العريش التى نقل إليها حديثًا، فيما يقع انفجار مدوٍ فى المنطقة التى تعيش فيها الفتاة الفلسطينية مليحة التى هربت إلى ليبيا مع أهلها منذ الانتفاضة.

يُشرد الأهالى فى الحى بعد وقوع الانفجار الكبير، ويقررون النزوح لمصر، ويصعد إرهابى إلى الحافلة معهم ويضع متفجرات، ويكشفه الضابط أدهم قبل انفجار الحافلة وينقذ الجميع فى مشهد مؤثر تستطيع أن تبنى عليه طرف خيط مهم لكيف تسكن القضية فى قلب مصر ، وينجح أدهم فى إيقاف الهجوم الإرهابى على الحدود، ويُستشهد مجموعة من الجنود، ويُنقل أدهم إلى المستشفى بعد إنقاذه جد مليحة أبو عمار.

يسترد الجد عافيته، ويطلب من زوجته العودة إلى فلسطين، ويخبر أبو عمار، أدهم عن مساعدة الشيخ سالم له بسيناء.
تلك المشاهد ترسم بوضوح التحديات الكبيرة التى تواجهها القضية ومصر انطلاقا من مشهد عام 2012، بين الحدود الغربية وسيناء ووسط العاصمة .

الاستعانة بممثلين عرب، للاشتراك فى بطولة المسلسل بجانب ميرفت أمين، ودياب، وأشرف زكى، وحنان سليمان، وأمير المصرى، ومروة أنور، أضفى مزيدا من المصداقية فى إيصال القضية ومعاناة شعبها للمشاهد، حيث شاهدنا عدد  من الفنانين الفلسطينيين، من بينهم، سيرين خاس «تجسد شخصية مليحة»، وكان اختيارا موفقا، وديانا رحمة، ومروان عايش، ورحاب الشناط، وأنور خليل.

كما أن تقديم المسلسل بلغات متعددة، بما فى ذلك العبرية، يعكس التوجه الرامى إلى تأثير أوسع وأعمق، ما يجسد الدور المؤثر للدراما فى تشكيل الرأى العام وإيصال الرسائل السياسية والاجتماعية .

أن هذه الخطوة تعكس مدى قوة الدراما المصرية  وقدرتها على التأثير فى الرأى العام، وتعزز الحاجة إلى تبنى قضايا إنسانية وسياسية على شاشات التليفزيون، خاصة فى ظل التطورات الراهنة والتى تستمر لأكثر من 150 يوما، وكانت استجابة الجمهور للمسلسل قوية، ما يظهر استعداد الجماهير العربية لاستقبال هذا العمل والتفاعل معه بشكل ملحوظ، فيما يعكس هذا التفاعل الرغبة فى تفهم الجيل الجديد لما حدث وما زال يحدث.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة