تُعد عملية توطين الصناعة المحلية في مصر خطوة استراتيجية مهمة لتعزيز الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على الواردات، وتسعى الحكومة المصرية إلى تحقيق هذا الهدف من خلال سلسلة من الإجراءات والمبادرات التي تشمل تقديم الحوافز الاستثمارية، وتطوير الإطار التشريعي، وتوفير الدعم للقطاعات الصناعية، خاصةً في ظل التحديات العالمية الراهنة مثل ارتفاع معدلات التضخم وأزمات الطاقة.
وأظهرت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن بيانات القيمة المُضافة للقطاع الصناعي في مصر قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال العام المالي 2022/2021، مُسجلةً زيادة بنسبة 21.4% مقارنةً بالعام السابق¹. ويُعزى هذا النمو إلى الجهود المكثفة من قِبَل الدولة لجذب الاستثمار الصناعي المحلي والأجنبي، والتي أدت إلى نمو متوسط إجمالي قيمة الاستثمارات المُنفَذة في قطاع الصناعات التحويلية بنسبة 216.5% في الفترة (2018/2017 – 2022/2021) مُقارنةً بالفترة (2003/2002- 2017/2016).
من الجدير بالذكر أن الصادرات الصناعية تُشكل نسبة كبيرة من إجمالي الصادرات المصرية، حيث بلغت نسبتها 50.6% خلال عام 2022/2021. وتُعد هذه الأرقام دليلًا على الأهمية المتزايدة للصناعة المحلية في الاقتصاد المصري وعلى النجاح المتحقق في توطين الصناعات.
وقدمت الدراسة تحليلا للجهود الحكومية المبذولة لدعم التصنيع المحلي وتعزيز المنتج المحلي، ويأتي في مقدمتها الإعلان عن 152 فرصة استثمارية صناعية لتصنيع منتجات يتم استيرادها حاليًا، في خطوة تهدف إلى تقليل فاتورة الواردات وتحفيز الإنتاج المحلي، مؤكدة أن القطاع الصناعي يمثل قاطرة النمو الحقيقية، وذلك لدوره في خلق فرص العمل ودعم معدلات النمو الاقتصادي، حيث أسهم قطاع الصناعة بنحو 16% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط خلال الفترة (2016/2017-2021/2022)، وقد بلغ إجمالي الناتج الصناعي بالأسعار الثابتة خلال تلك الفترة نحو 3.9 تريليونات جنيه.
وأِشارت الدراسة إلى مساهمة القطاع الصناعي في التشغيل والتوظيف في مصر؛ من خلال استيعاب الصناعات التحويلية لنحو 12.6% من إجمالي المشتغلين عام 2021، علاوة على مساهمته في النشاط التصديري وتعزيز الاحتياطي من النقد الأجنبي بنحو 30.2 مليار دولار (صادرات صناعية) بنسبة تصل الي 85% من اجمالي الصادرات السلعية غير البترولية في عام 2022.
كما رصدت الدراسة جهود توطين وتعميق التصنيع المحلي، حيث اخذت الحكومة المصرية على عاتقها عملية توطين الصناعة المحلية وتعزيز القدرات الإنتاجية للبلاد، مما يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين ميزان المدفوعات من خلال زيادة الصادرات وتقليل الواردات. هذه السياسات لا تُعزز فقط الاقتصاد المصري، بل تُسهم أيضًا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في المنطقة.
كما أعلنت مصر عن قائمة بعدد (152) فرصة استثمارية لمنتجات صناعية لتوطينها في مصر والعمل على إنتاجها محليًا بدلًا من استيرادها، والتي تتمثل فيما يلي: الصناعات الخشبية والأثاث، والصناعات الطبية والدوائية، والصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية، والصناعات النسيجية، وصناعات الطباعة والتغليف، والصناعات الكيماوية، وصناعات مواد البناء والصناعات المعدنية، والصناعات الهندسية. وقد تحركت الدولة المصرية في هذا الملف على عدد من الخطوات نذكر منها:
-حماية الصناعة المحلية؛ فقد خفضت الدولة ضريبة الوارد على 150 صنفًا من مستلزمات ومدخلات الإنتاج. يهدف ذلك إلى تحقيق التوازن بين الضريبة على السلع تامة الصنع والسلع الوسيطة والمواد الخام.
-وضع أطر مؤسسية، حيث تم تأسيس المجلس التنفيذي لإحلال الواردات وتعميق المنتج المحلي برئاسة وزارة التجارة والصناعة. ويختص المجلس بتحديد ومتابعة الخطوات المقترحة لتنفيذ مشروعات الاستثمار الصناعي المستهدفة بمشاركة القطاع الخاص. ويهدف كذلك إلى توحيد الجهود والتنسيق بين الجهات ذات الصلة بملف إحلال الواردات وتعميق المنتج المحلي.
-وضع أطر تنظيمية؛ فقد أطلقت الدولة البرنامج القومي لتعميق التصنيع المحلي من قبل مركز تحديث الصناعة. بهدف زيادة تنافسية المنتجات المحلية ودعم الأنشطة الإنتاجية في القطاعات الصناعية الواعدة، ويعمل البرنامج على محورين أساسيين، هما: التكامل الرأسي: بواسطة تكوين شراكات مستدامة بين المنشآت الصناعية والموردين المحليين، والتكامل الأفقي: بواسطة دعم العمل الجماعي بين الموردين المحليين لتلبية احتياجات المنشآت الصناعية.
-إطلاق أول علامة مصرية مُسجلة باسم “بكل فخر صنع في مصر” في أغسطس 2016 انطلاقًا من استراتيجية الدولة الهادفة إلى مضاعفة معدل النمو الصناعي وتعميق الصناعة المحلية، بهدف تعزيز الاعتماد على المنتج المحلي.
-تدشين الخريطة الاستثمارية الصناعية والتي تستهدف وضع مصر كأحد الدول الرائدة صناعيًا في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتضم الخريطة 1150 فرصة استثمارية حتى 17 مايو 2023.
-التوسع في انشاء وتطوير المصانع والمجمعات والمناطق الصناعية والتي بلغ عددها نحو 17 منطقة صناعية في مختلف مناطق ومحافظات الجمهورية.
أما فيما يتعلق بالصناعات ذات الأولوية، فقد عملت الدولة المصرية خلال الفترة السابقة على الاهتمام بتحفيز عدد من الصناعات التي تمتلك مصر بها ميزة تنافسية عن غيرها من الدول، وتتمثل في صناعات الغزل والنسيج، كما تستهدف توطين الصناعات ذات الفاتورة الاستيرادية المرتفعة مثل صناعات الإلكترونيات، وتوطين صناعة السيارات. بالإضافة إلى استكمال الجهود المصرية في الصناعات التقليدية مثل الأثاث والجلود.
كذلك صناعات الغزل والنسيج؛ والتي حظيت خلال الفترة الأخيرة باهتمام رئاسي غير مسبوق من خلال إنشاء أكبر مصنع للغزل والنسيج في العالم بالمحلة الكبرى، وافتتاح مصنع لتصنيع الإلكترونيات، والبدء في إنشاء قلاع صناعية جديدة للغزل والنسيج بكفر الدوار، وتنفيذ أكبر مدينة صناعية في مصر للغزل والنسيج بالتعاون مع الصين، عام 2019 بمدينة السادات، وإطلاق المشروع القومي للمجمعات الصناعية المتخصصة للصناعات الصغيرة والمتوسطة.
وتوطين صناعة السيارات الكهربائية؛ عبر إطلاق استراتيجية تصنيع السيارات المصرية، مع توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية مع مصنعي السيارات الكهربائية استعدادًا لتوطينها في مصر وأن تصبح مركزًا لتصنيع السيارات، فضلا عن توطين صناعات الإلكترونية؛ وذلك وفي إطار استراتيجية الدولة الرامية إلى جعل مصر مركزًا اقليميًا رائدًا في مجال الصناعات الإلكترونية، أطلقت مصر عدد من المبادرات؛ أبرزها مبادرة “مصر تصنع الإلكترونيات”، ومبادرة “مُجمعات الإبداع”، ومبادرة “Iprenuer” ، وقدمت الدولة مجموعة من الحزم والبرامج والحوافز؛ لتشجيع الشركات على زيادة استثماراتها في مجال الإلكترونيات.
كما اهتمت الدولة بالصناعات الخضراء وتوطين صناعة الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء وذلك عبر التوسع في إنشاء المناطق الصناعية المتخصصة وإطلاق استراتيجية مصر للهيدروجين الأخضر والتي تتضمن عددًا كبيرًا من الحوافز للمستثمرين في هذا المجال، وتطوير ورفع كفاءة الصناعات التقليدية، عبر إطلاق مشروع مجمع الورش الحرفية عام 2020، وإنشاء مدينة الجلود بالروبيكي، عام 2022 لتطوير قطاع دباغة وصناعة الجلود، وإنشاء مدينة الأثاث بدمياط، في مايو 2017 وتضم أكثر من 1545 ورشة صغيرة مدعومة السعر لصغار المُصنعين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة