تناولت دراسة أعدها المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، مستقبل الأحزاب المصرية في ظل الجمهورية الجديدة، حيث أشارت الدراسة إلى أن انتخابات الرئاسة المصرية 2024 شهدت تنافسًا بين 3 رؤساء أحزاب بالإضافة إلى المرشح المستقل الفائز بالانتخابات الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأشارت الدراسة إلى أن هذا التطور في العمل الحزبي لم يبدأ فقط مع الانتخابات الرئاسية وإنما سبقته الدعوة إلى الحوار الوطني والذي يعد خطوة مهمة نحو تعزيز الديمقراطية وتوفير فرص لمشاركة متنوعة وشاملة في العملية السياسية، لافتا إلى أن الدستور المصري نص في مادته الخامسة على “يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة، وهذا النص الدستوري يحتاج إلى منظومة تشريعية تجعل عملية تعزيز العمل الحزبي أكثر سهولة وتقدمية وتتواكب مع التغيرات التي حدثت في العالم وفي شكل وآليات التنظيمات السياسية.
ونوهت الدراسة عن أن قانون الأحزاب المصري لا يزال هو القانون رقم 40 الصادر عام 1977 ولم تطرأ عليه تعديلات جوهرية منذ فترة طويلة، وكان القانون استجابة لمرحلة سياسية مختلفة لانفتاح سياسي في مرحلة جديدة بعد اتحاد قوى الشعب العامل في ثورة ١٩٥٢ لتحرير القرار المصري، وهو ما تطلب وحدة التنظيم في ذلك الوقت والذي بدأ بهيئة التحرير ثم الاتحاد الاشتراكي بهياكله ثم الحرب والوحدة حولها كهدف، ومن بعدها عملية السلام ومعها مرحلة التعددية السياسية المقيدة، واستمر الوضع على ما هو عليه باستثناء حصول بعض الأحزاب على مقاعد سواء بالضغط أو الاتفاق مع الحزب الحاكم في ذلك الوقت.
وأكدت الدراسة على ضرورة صياغة قانون جديد للأحزاب، ليصبح نقلة كبيرة في الحياة الحزبية في مصر، مقترحة أن توضع القواعد والأسس والفلسفة التي تحكم مشروع القانون من جانب خبراء مستقلين، وبعدها يصاغ القانون بالتشاور مع أصحاب المصلحة وفقًا لهذا الإطار الذي يراعي التحول إلى حياة حزبية أكثر تفاعلية ونشاطًا على النحو الذي يحقق المصلحة العامة للدولة الديمقراطية الحديثة، ويعكس تطلعات المجتمع نحو نظام سياسي أكثر شمولية وتمثيلية وتفاعلًا في المجال العام، ويقوي قاعدة الأحزاب السياسية وتمثيلها للمصالح المختلفة.
ورصدت الدراسة عدد من المبادئ التي يجب أن يقوم عليها القانون وهي:
• إن حرية التنظيم ليست هدفًا في حد ذاته ولكنها وسيلة لتجميع المصالح المشتركة والمتقاربة والأهم التفاوض بشأنها وتعبئة المواطنين حولها وصياغة السياسات العامة وتربية الكوادر السياسية على العمل العام والسياسي وتحقيق المصالح العامة، وهو عمل مستمر غير مرتبط فقط بالانتخابات بل هو جزء من الحياة العامة والمجال العام.
• الأصل بين الأحزاب هو المنافسة حول التعبير الأفضل عن المصالح المختلفة والتعاون هو الاستثناء، إذا تقاربت المصالح إلا أن هذه المنافسة محكومة بعدة ضوابط.
• الأصل هو الإخطار في التأسيس مع اقتراح من الحزب بتقليل العدد إلى 3000 (ثلاثة آلاف) توكيل مع الإبقاء على رقم الـ10 محافظات ولضمان عدم التكتل القبلي أو الحدودي.
• أن تكون على أرضية وطنية وأن تضع تفرقة بخط واضح بين ما هو وطني لا يجوز الاختلاف عليه وبين ما هو سياسي يمكن الاختلاف عليه، فالوطن وتهديد استقراره ووجوده أكبر من الأحزاب.
• أن تكون هذه الممارسة حرة ومستقلة، فلا يجب أن تخضع الممارسة الحزبية لأي قيود تعيق أو توجه عملها غير ما تراه في إطار المصلحة الوطنية.
• أن عدم نجاح الحزب في خلال ثلاث دورات انتخابية أي 10 سنوات يحوله تلقائيًا إلى لجنة من لجان العمل السياسي، وذلك للقضاء على التعددية الحزبية السلبية، وجعل التنافس الحزبي هو الأساس للاستمرار. على أن يحدد معيار النجاح هنا بحصول الحزب على تمثيل بمقعد على الأقل في مجلسي النواب أو الشيوخ، أو 10 مقاعد في المجالس المحلية.
وفيما يتعلق بتنظيم عمل التنظيمات غير الحزبية، أوضحت الدراسة أن الأحزاب ليست هي الوسيلة الوحيدة؛ فالكيانات غير الحزبية والتحالفات العابرة للحزبية والائتلافات والتنسيقيات أصبحت أحد أساليب العمل الحزبي الحديثة. ولمّا كانت إحدى الإشكاليات الكبيرة التي يثيرها العمل الحزبي في مصر هو زيادة عدد الأحزاب، فإن البحث في أسبابه يقود إلى أن عدم وجود أشكال أخرى من التنظيمات السياسية في القانون أحد الأسباب الجوهرية له، يضاف إلى ذلك ضرورة تشجيع الأحزاب على الاندماج والتحالف الذي يؤدي في النهاية إلى نضوج التجربة السياسية وممارستها.
وفي هذا السياق، يمكن أن تكون هناك ما يشبه لجنة حكماء فرعية يتم انتخابها من الأحزاب كلها تتكون من عشرة أعضاء تكون بمثابة لجان فض المنازعات الحزبية على رئاسة أي حزب، وتصدر توصياتها التي تكون بمثابة قرار إداري يجوز الطعن عليه أمام القضاء الإداري ولكنها ستمثل أساسًا شرعيًا وأخلاقيًا يستند إليه أطراف أي نزاع حزبي ويحقق الاستقلالية ويمنع التحجج بتدخل الدولة في الشؤون الحزبية ويعزز الديمقراطية الحزبية عبر ممارستها بشكل جماعي.
وشددت الدراسة على ضرورة ألا تقف الدولة على الحياد في العملية السياسية؛ موضحة أن الأحزاب بضعف إمكانيتها وضعف البنية السياسية تحتاج إلى دعم من الدولة، ليس دعمًا ماليًا فقط، وإنما دعم بالتأسيس لبنية أساسية للحياة السياسية تتواكب مع الجمهورية الجديدة بحيث يصبح الحوار السياسي قائمًا على معلومات صحيحة ونقاشات تدير اختلافًا حقيقيًا يأخذ المجتمع إلى الأمام، وهو ما تحتاج العملية السياسية الحالية أن يستمر بمزيد من الدعم الفني والمعلوماتي المقدم في مختلف مجالات الحوار.
وفيما يتعلق بتحديات إدارة عملية الانتقال السياسي وتمثيل المصالح، أكدة على ضرورة وجود تنظيم تشريعي مختلف، خاصة أن الحزب وسيطًا بين الدولة والناس، ومنصة لصياغة وتعبير المصالح المختلفة، ولذلك فإن تحول العمل الحزبي إلى عمل شعبي يتطلب تفاعلًا أكبر مع الجمهور وتمثيلًا اجتماعيًا ملائمًا للمصالح والتفاوض بشأن السياسات والبرامج.
ولفتت الدراسة إلى أن الأحزاب تواجه تحديات عديدة، منها التحديات المالية والديمقراطية الداخلية وظهور كيانات غير حزبية وجدية التأسيس والاستمرار. وهو ما يتطلب تخفيف حدة الصراعات المجتمعية وتوفير مكان للجميع داخل الأحزاب، وهذا يسهم في تقليل الفوضى والتنظيم غير القانوني، ولتخطي هذه التحديات، يمكن اتخاذ العديد من الخطوات، مثل: تطوير آليات تمويل مستدامة وشفافة، وتعزيز الديمقراطية الداخلية من خلال حل النزاعات بشكل سلمي، وتعزيز الشراكة مع الكيانات غير الحزبية لتحقيق أهداف مشتركة، والعمل على تعزيز جدية التأسيس والاستمرار من خلال تنمية رؤية واضحة وتنفيذ استراتيجيات فعالة لتحقيق أهداف الحزب.
وشددت الدراسة على أن تحقيق التحول إلى نظام حزبي متساوٍ يتطلب جهدًا مشتركًا من الأحزاب للتعامل مع التحديات المالية والتنظيمية والسياسية، وتعزيز الديمقراطية الداخلية وتحقيق التمثيل الشامل لمختلف الفئات والمصالح في المجتمع، وهو العمل الذي يليق بالجمهورية الجديدة التي تنطلق نحو المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة