د.إيمان يسرى

رمضان في مصر حاجة تانية.. رمضان.. صوت ورائحة ومشاعر

الخميس، 04 أبريل 2024 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في كل عام يأتي شهر رمضان المعظم، شهر الرحمة والخير والبركات في كل شيء، شهر جبر كسر القلوب والجهر بالخير الذي يكمن في داخل القلوب، وذلك عن طريق زيادة أعمال الخير من صدقات وإطعام وتبرعات وتوزيع وجبات السحور والإفطار على غير القادرين والوافدين، وتجمع شعب مصر الجميل من المسلمين والمسيحيين على موائد إفطار كبير وضخمة في الأحياء المختلفة سوء كانت شعبية أو راقية، بالإضافة لموائد الإفطار التي لا تفرق بين الغني والفقير أو المسلم والمسيحي والتي تجوب في جميع محافظات مصر.

وبكل المشاعر الطيبة والصادقة يفاجئنا رمضان هذا العام ببداية صوم المسلمين والمسيحيين معا في وقت واحد، حيث يبدأ الصيام الكبير لدى المسيحيين في ذات أول يوم صيام رمضان لدى المسلمين. وهو أمر مميز جدا في بلدنا الحبيب الغالي مصر. حيث في سابق الأمر كان غالبية الأخوة المسيحيين في مصر يصومون من الفجر إلى المغرب أسوة بالأخوة المسلمين ومراعاة لشعورهم حتى لا يتناولون وجبة طعام أمام شخص مسلم صائم وهم لا يعرفوه! وهذا لن تجده أبدا إلا في مصر، مما يؤكد المقولة المتعارف عليها والتي تغنى بها الفنان الجميل حسين الجسمي "رمضان في مصر حاجة تانية"
وهي ليست شعارات نرددها ولكنها حقيقة مؤكدة وواضحة لجميع المواطنين المقيمين في مصر بل وللوافدين من بلدان أخرى، فأصبح من المؤكد أن رمضان في مصر له رائحة مميزة وله صوت مميز يختلف على باقي البلدان العربية ويختلف أيضا عن باقي شهور السنة، وربما تقف عند عديد من المشاهد التي لن تراها أبدا إلا في مصر، فيها بنا صديقي القارئ نعيش معا بعض هذه المشاهد المتميزة.

رائحة رمضان
اعتاد أجدادنا على قول لكل زمن رائحة تميزه عن غيره من الأزمنة، وكذلك هو شهر رمضان الكريم، حيث أن شهر رمضان الكريم له دائما رائحة مميزة تفرقه وتميزه عن غيره من باقي شهور السنة.

ولا تتمثل رائحة الشهر الكريم فقط في رائحة الطعام المختلفة التي تتزين بها الموائد بالإضافة للحلويات الشرقية المعدة خصيصا لشهر رمضان مثل الكنافة والقطايف، ولكن رائحة رمضان التي أعنيها هي رائحة بالمعنى الأعمق؛ والتي تتمثل في رائحة الحنين للذين توفاهم الله ونفتقدهم على مائدة أول يوم إفطار أو سحور، رائحة العزومات والتجمعات التي نفتقدها من رمضان إلى رمضان، رائحة الدفء في المنازل والتجمع على وجبتين أساسيتين هما الإفطار والسحور –وهذه الأنواع من التجمعات غالبا لا تحدث في باقي أيام العام لإنشغال جميع أفراد الأسرة والعائلة بالسعي والعمل طول اليوم لمواكبة سرعة هذا العصر.

صوت رمضان
لكل وقت صوت، ولشهر رمضان أصوت تتلألأ في ظلام الليل والتي منها صوت المسحراتي الذي يجوب الشوارع في مختلف المناطق الشعبية والأحياء الراقية بأشكال مختلفة. والمسحراتي هو شخص أو شخصين على الأكثر يقومون بالطبل والزمر في الشوارع مع ترديد عدد من الكلمات مثل "أصحى يا نايم وحد الدايم.. رمضان كريم"، وفي بعض المناطق الشعبية يقوم المسحراتي بنطق أسماء أفراد معينة عند المرور بمنازلهم، ويخرج الناس من الشرفات ويتبادلون الضحك والكلمات الجميلة مع المسحراتي ومع بعضهم البعض، وكل ذلك في الثلث الأخير من الليل. ووظيفة المسحراتي الأساسية هي إيقاظ الناس من نومهم وتذكيرهم بتناول وجبة السحور قبل صلاة الفجر.

في عموم أوقات العام يكون صوت الليل هادئ وصامت، ولا يجفي النوم إلا العاشقين، أما في شهر رمضان الكريم، فالجميع عاشقون ساهرون في ليالي رمضانية سعيدة بين تأدية العبادات أو تجمعات الحفلات بالخيم الرمضانية. كما يصحو كل أفراد الأسرة من أجل تناول وجبة السحور معا على صوت المسحراتي الذي ينادي كل فرد بأسمه! وهذا لن تجده أبدا إلا في مصر.

أجمل المشاهد
من أجمل المشاهد التي قد تراها في شهر رمضان الكريم، هو مشهد أكبر مائدة رحمان لتقديم وجبه الإفطار والسحور في ساحة الأزهر الشريف، الذي هو منبر العلم والدين في الوطن العربي أجمع. بالإضافة لتجمعات الإفطار التي تقيمها الكنائس المصرية ليجتمع عليها كافة أطياف الشعب المصري جنب إلى جنب  مسلم ومسيحي لتناول وجبة الإفطار معا.

وأيضا من المشاهد الرائعة التي قد لا تراها أبدا إلا في مصر؛ مشاهد توزيع العصير والتمر في جميع شوارع مصر على الصائمين في الطرقات والشوارع العامة وفي وسائل المواصلات والسيارات الخاصة. فإذا كنت في طريقك للمنزل وتأخرت قليلا حيث حان وقت أذان المغرب (أي وقت الإفطار) -فلا تقلق أبدا- لأنك مؤكدا ستجد في طريقك الكثير من الشباب المسلمين والمسيحيين معا يتهافتون ويعترضون طريقك لتقديم التمر والعصير والوجبات المختلفة لك مجانا وبدون مقابل! وكل ذلك لكي ينالوا ثواب إفطار صائم ودعوة حلوة مقبولة -بأمر الله- من الصائم وقت إفطاره لكي تفرح قلوبهم وتجبر خاطرهم.

أما بصفة شخصية فإن شهر رمضان الكريم بالنسبة لي هو عبارة عن شهر الراحة النفسية والوحدة الذاتية والتفكر في نعم الله التي لا نحصاها أبدا وربما لم نتمكن من تذوق لذة الشعور بها وشكر الله عليها في أيامنا العادية. أيام ليالي شهر رمضان الكريم ليست بالعادية بالنسبة لي، شهر رمضان ينمي بداخلي مشاعر مختلفة، حيث يزيد الشعور بالصبر ويزيد الشعور بمعية الله ورؤية الله في كل لحظة. فعلى سبيل المثال: يراودنا جميعا التعب من عبادة الصيام وعدم المقدرة على تحمل الجوع والعطش وربما نكون بمفردنا ونفكر في أن نشرب ماء ليروي ظمأنا أو نأكل شيئا خفيفيا ليسد رغبتنا في الجوع، ولكننا لا نفعل ذلك أبدا لأننا نشعر برؤية الله ومراقبته لنا في هذه اللحظة، ونستشعر قيمة الحرام ونستشعر المعنى الحقيق لاطلاع الله علينا في كل أحولنا. وهكذا يكون شعورنا عند التفكير في ارتكاب أي معصية أو خطيئة تغضب الله، فكيف يكون حالنا إذا استمر معنا هذا الشعور طوال الدهر؟! بالطبع عزيز القارئ سيصبح حالنا أمفضل كثيرا مما نحن عليه، فلا نجد من يسرق أو يغش، أو يقبل الحرام، أو يشهد شهادة زور، أو يضيع حقوق العباد أو يأكل ميراث أخوته وإخوانه ... وغيرها من المعاصي والأفعال الحرام التي نهانا عنها الله ورسوله.

لذلك صديقي القارئ تذكر أن شهر رمضان ليس فقط شهر صيام وتعبد -فيمكن لنا أن نصوم ونعبد الله في كل وقت وحين- ولكن شهر رمضان الكريم هو شهر إيقاظ لأرواحنا وضمائرنا التي ربما تاهت في ظل الزمان، فينعم الله علينا بشهر رمضان المعظم ليزيد من رقة قلوبنا ويزيد من شعورنا بمعية الله -سبحانه وتعالى- ويضىء بداخلنا مشاعر تحث أرواحنا على التوبة وزيادة أفعال الطاعات، وتنهانا عن ارتكاب المعاصي مهما كانت صغيرة أو معتادة بالنسبة لنا.
فأتمنى لي ولكم استمرار مشاعر رمضان في قلوبنا طوال العام، ونسأل الله العفو والغفران وصلاح جميع أحوالنا لأفضل حال. صديقي القارئ كل رمضان ومشاعرك الطيبة بخير.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة