منى طه عبد العليم تكتب: بم تقاس عظمة الشعوب؟

الإثنين، 22 أبريل 2024 08:32 م
منى طه عبد العليم تكتب: بم تقاس عظمة الشعوب؟ كتاب قيمنا المعرضة للخطر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تناول الرئيس الأمريكي الأسبق والأشهر جيمي كارتر في كتابه "قيمنا المُعرضة للخطر: أزمة أمريكا الأخلاقية" (2005)، أزمة القيم في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحدث جليًا عن قضايا وإشكاليات أخلاقية للمجتمع الأمريكي المعاصر خاصة صعود الأصولية الدينية، وخطايا الطلاق واللواط، والإجهاض وحكم الإعدام، وتحديات الألفية الجديدة وغيرهم من الموضوعات.

وأكد الرئيس السابق في عموم مناقشاته أن الدين لا يتعارض أبدًا مع العلم، مؤكدًا أن الانقسام الثنائي بين القوتين المتعارضتين، الدين والعلم، لم يكن يمثل له أي مشكلة سياسية أو شخصية، وحين كان طالبًا جامعيًا وواحدًا من أوائل المشاركين في الانتفاع بالطاقة النووية لأغراض سلمية، كان راغبًا في توسيع معرفته بالفيزياء وبالعلوم الأخرى، فكونه لا يؤمن بنظرية "النشوء والارتقاء" لم يقلل إيمانه بالعلم، وإيمانه بالعلم لم يهز معتقداته الدينية، محصنا منذ طفولته، حسب وصفه، بآية من الإنجيل كثيرا ما كان يتلوها: "الإيمان الآن هو مادة الأشياء المأمولة. وهو البنية الدالة على الأشياء المأمولة. وهو البنية الدالة على الأشياء غير المرئية. (العبرانيون 11 : 1).

وتحت عنوان "تشويه سياستنا الخارجية" يشير كارتر إلى أن اتجاه الأصوليين في الحكومة الأمريكية نحو اختيار قضايا عاطفية معينة غوغائية / جماهيرية لتملق الجماهير وكسب ودهم ولتجنب المفاوضات مع المعارضين / الأعداء أدى إلى حدوث تأثير عكسي على السياسة الخارجية الأمريكية، ويؤكد أن السياسة الأمريكية نحو  نصف الكرة الأرضية من جهة أمريكا قد أسيئ تشكيلها بسبب الوسواس المستحوذ على متخذ القرار في واشنطن، ألا وهو وجود عدو خارجي، مهما كان ضعفه أو قلة حيلته، ويضرب هنا مثالين أحدهما قديم ألا وهو أزمة كوبا في ستينات القرن الماضي (1962)، ومثال آخر أحدث زمنيا وهو الأزمة مع كوريا الشمالية في أول الألفية (2002). ففي كلا المثالين يرفض القادة التفاوض أو النقاش مع الخصوم وفرض العقوبات على الشعوب الضعيفة البائسة أصلًا.

قيمنا
 

وما يشوه سياسة الخارجية الأمريكية كذلك فرضها على العالم المحيط ما لا تفرضه على الأمريكان أنفسهم، وهنا يشير كارتر إلى جهود الولايات المتحدة الأمريكية مع زعماء العالم لتطوير المحكمة الجنائية الدولية والمُصممة لمنع ولمعاقبة أعمال إبادة الجنس وجرائم الحروب المروعة مثل تلك التي حدثت في روندا، ويوغوسلافيا، وكمبوديا، وسيراليون، ودارفور في السودان، ووقعت 139 دولة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002، وكان الميثاق مصوغا لمنع معاقبة الأمريكيين عن أعمال إبادة الجنس فيما وراء البحار، شرط أن تقوم المحاكم الأمريكية بتولي النظر في أي جرائم من مثل هذا النوع!.

استوقفني في الكتاب، والذي أهداني الرئيس كارتر نسخة منه في مقابلة معه عام 2012 في جورجيا بولاية أتلانتا بالولايات المتحدة الأمريكية في مركز كارتر بالولاية وذلك عقب سلسلة من التدريبات حول "العدالة والتنمية الدولية، استوقفني سؤاله عن : "ما المقصود بالقوى العظمى؟" وقد جعل إجابته على هذا السؤال خاتمة الكتاب نفسه والنهاية المقصودة.

فأكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية، وفقا له، أصبحت الولايات المتحدة القوى العسكرية الأعظم على وجه البسيطة. وفي الوقت الذي يتراجع فيه حجم الإنفاق العسكري والتسليح عبر العشرين سنة الماضية استمرت الولايات المتحدة في زيادة ميزانيتها العسكرية كل عام، لتصل (وقتها) إلى 400 مليار دولار أمريكي سنويا، لتساوي بذلك إجمالي ميزانيات باقي دول العالم أجمع! ويطرح تساؤله الواعي "من أجل ماذا كل ذلك؟" ويجيب أنه منذ ترك منصبه كرئيس للولايات المتحدة، تدخل رؤساء أمريكا التاليين حوالي 50 مرة في شئون الدول الخارجية. وهو يقصد بالطبع التدخل الفعلي العسكري. وفضلاً عن مد القوات المسلحة الأمريكية، قدم مصنعو السلاح الأمريكيين وشركائهم في حلف الناتو 80% من مبيعات السلاح للسوق العالمي.

لا ينكر أهمية أن تظل الدولة متأهبة لمجابهة أي خطر إرهاب أو تهديد. ولكنه يطرح سؤاله الضمني عن عظمة أي شعب، كمثل حال الكيان الإنساني، بما تقاس؟ ويرد لا تقاس أبدا بحجم القوى المادية؟ فهناك سمات تميز انسان عظيم ليست فقط قدراته المادية، ونفس الشيء لقوى نصفها بأنه عظمى. هناك خصال مثل التمسك التام بالمصداقية، والعدالة، والسلام، والحرية، والإنسانية، وحقوق الإنسان، والكرم وغيرهم من القيم الأخلاقية. وهذه أمور ليست مستعصية على الشعب الأمريكي ليتمسك بها، ولكنه يلقي باللوم والتوجيه على الحكومة نفسها للعمل بهم.

وفي عالمنا المعاصر، حيث الصراعات اللامنطقية غير محددة المدة وغير معروفة الأهداف، يتصاعد أكثر من أي وقت مضى النداء إلى تحكيم ليس العقل وإنما الضمير الإنساني والإعلاء من شأن القيم الانسانية، ليتنا نسمع، ليتنا نتعظ.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة