من له مثل أولياتي.. منيرة المهدية سلطانة الطرب أول ممثلة مصرية وأول سيدة سجلت أسطوانات وأسست فرقة.. شجعت النساء على التمثيل.. قاومت الاحتلال بالفن.. وتحدت الرقابة البريطانية وغنت لسعد زغلول

السبت، 20 أبريل 2024 06:08 م
من له مثل أولياتي.. منيرة المهدية سلطانة الطرب أول ممثلة مصرية وأول سيدة سجلت أسطوانات وأسست فرقة.. شجعت النساء على التمثيل.. قاومت الاحتلال بالفن.. وتحدت الرقابة البريطانية وغنت لسعد زغلول منيرة المهدية
ترويها‭ ‬زينب‭ ‬عبداللاه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

فى هذه المساحة نقدم سيرة النساء الأوليات اللاتى حملن مشاعل النور وسط الظلام، من فتحن أبوابا مغلقة لم يكن مسموحا لبنات جنسهن أن يطرقنها وخضن معارك مع الجهل والظلم ليمهدن لبنات حواء طرق العلم والعمل والنجاح والإبداع فى زمن كان تعليم الفتاة أمرا خارجا عن المألوف مخالفا للعادات والتقاليد، متعارضا مع النظرة السائدة للمرأة ودورها فى الحياة الذى كان مقتصرا على الزواج وخدمة الرجل وتربية الأبناء ورعاية شؤون المنزل، من شققن طرق العلم، واقتحمن مجالات العمل ورسمن مسارات جديدة لأجيال قادمة، هذه المساحة نكشف فيها مسيرة كفاح الأوليات فى كل المجالات.

فى 25 أغسطس عام 1915 أعلنت جريدة «الأخبار» حدثا مهما وفارقا فى تاريخ الفن، وهو وقوف أول فنانة مصرية على خشبة المسرح، جاء الخبر تحت عنوان «أول ممثلة مصرية»، معلنا وقوف منيرة المهدية على خشبة المسرح لأول مرة، وهى الخطوة الجريئة التى قابلها الكثيرون بهجوم واستنكار، فلم تكن العائلات تسمح بعمل أبنائها فى الفن وتراه أمرا خارجا عن العادات والتقاليد، فما بالنا باقتحام النساء لهذا المجال.

قبل هذا التاريخ كان أصحاب الفرق المسرحية يستعينون بشباب الممثلين من ذوى الوسامة للقيام بالأدوار النسائية، كما ذكرت مجلة الكواكب فى عدد صدر بتاريخ 15 مارس عام 1956 تحت عنوان: «أول ممثلة كانت الآنسة حسن»، حيث أوضحت أن مصر عرفت مسارح التمثيل لأول مرة فى منتصف القرن التاسع عشر، وكان أول من أدخل هذا الفن سليم خليل النقاش، من أهل الشام، والذى جاء إلى مصر، وأسس أول فرقة تمثيلية عربية، وقدم عروضه أواخر عام 1876.

فى هذا الوقت كانت العائلات فى مصر تنظر للتمثيل وللممثل نظرة متدنية، ولا تقبل أن يعمل أبناؤها بالفن ويعتبرونه عارا كبيرا، فما بالنا بعمل النساء بالتمثيل الذى كان بمثابة مواجهة قاسية مع تقاليد المجتمع؟! لذلك كان خليل النقاش يختار من فرقته الشباب ذوى الوسامة ويعهد إليهم بتمثيل الأدوار النسائية، وظلت التقاليد عائقا أمام اشتراك النساء فى التمثيل حتى قرر رائد المسرح أبوخليل القبانى، من أعلام سوريا، الاستعانة بالعنصر النسائى فى الأعمال المسرحية، ولما رأى استحالة أن تتحدى أى فتاة مصرية التقاليد السائدة وقتها لتظهر على المسرح، سافر إلى سوريا واستعان بفتيات سوريات، وقلده أصحاب الفرق الأخرى، كما استعانت الفرق باليهوديات للعمل بالتمثيل.

واستمر هذا الوضع حتى قررت منيرة المهدية، أن تكون أول فتاة مصرية تقف على خشبة المسرح، وتفتح المجال للمصريات لدخول مجال التمثيل، فكانت للمهدية دور الريادة وحازت شهرة ومكانة لم يسبقها إليها أحد، وأصبحت سلطانة الطرب التى خضع لعرش نجوميتها رؤساء وملوك ووزراء وأدباء ومفكرون، وانتشرت أغانيها فى كل أنحاء الوطن العربى، وكانت صاحبة كلمة مسموعة ودور وطنى، تعمل لها قوات الاحتلال الانجليزى ألف حساب.
رحلة ومشوار طويل صعدت خلاله تلك الطفلة اليتيمة سلم المجد ووصلت للقمة وتربعت على عرشها لمدة 30 عاما

ميلاد منيرة

اختلف المؤرخون حول مكان ولادة منيرة ونشأتها الأولى، فطبقا لما جاء فى كتاب «السلطانة منيرة المهدية والغناء فى مصر قبلها وفى زمانها» للدكتورة رتيبة الحفنى، فإن منيرة ولدت عام 1885، فى بيت متواضع بقرية «مهدية» التابعة للإبراهيمية بمحافظة الشرقية، واسمها الحقيقى زكية حسن منصور، فى حين جاء فى حديث أدلت به منيرة لمجلة المسرح عام 1927 أنها نشأت فى الإسكندرية حيث كانت تعيش فى كنف أختها، وغير واضح من حديثها ما إذا كان المولد فى الإسكندرية أم لا.

وجاء فى مذكرات منيرة التى صدرت تحت عنوان «ذكريات الطفولة الأولى»: «كنت طفلة لا أدرى من أحوالى شيئا وكنت فى الإسكندرية موطن أهلى ومهد نشأتى الأولى، وأدخلونى المدرسة، ووجدت فيها حبسا لحريتى وإرهاقا لعقليتى الصغيرة، فعملت على إيجاد وسيلة لمغادرتها».

وأشارت منيرة إلى أنها تعلمت مبادئ القراءة والكتابة والحساب ثم اكتفت بهذا القدر من التعليم.
كانت منيرة - بحسب كتاب الدكتورة رتيبة الحفنى - معجبة بصوت المطربة «اللاوندية»، فكانت تندس بين المدعوين فى السرادق لتسمع صوتها وتعلمت منها الكثير، كما ذهبت إلى الحاجة سيدة المطربة المشهورة التى احتضنتها وبدأت تدرس لها سرا، وغنت الصغيرة وأعجب الناس بصوتها العميق الساحر، حتى استمع إليها محمد فرج، أحد أصحاب الملاهى، وأقنعها بالسفر للقاهرة حيث الأضواء والشهرة وكان ذلك عام 1905.

سلم المجد

كان المقهى الذى يملكه محمد فرج، من أصغر المقاهى ويقع بحارة بير الحمص فى باب الشعرية، وكانت المنطقة تعج بمقاه يعمل فيها كبار المطربين والمطربات، وعندما غنت منيرة اشتهر المقهى وأقبل عليه رواد الطرب، ومنهم سلامة حجازى، رائد المسرح فى مصر ومثل «المهدية» الأعلى، وزاد الإقبال على المقهى، وبدأت شركات الاسطوانات تهتم بها وتسجل أغانيها.

وبدأت «المهدية» تحس بضيق المكان، فانتقلت لتعمل بملهى الألدرادو، وذاع صيتها، ثم استأجرت مقهى خاصا بها بحى الأزبكية وأطلقت عليه «نزهة النفوس»، وسرعان ما اشتهر حتى أصبح ملتقى الفنانين والأدباء والمفكرين والسياسيين، والوجهاء والأعيان والعمد وكبار التجار، ولم يعد فى مصر كلها مقهى يتمتع بهذه الشهرة.
وطبقا لكتاب الدكتورة رتيبة الحفنى، فإن السلطات الإنجليزية اعترفت بالمنزلة الخاصة لمقهى منيرة، فعادت إلى السماح له وحده دون سواه بمزاولة عمله، بعد أن كانت قررت إغلاق جميع المقاهى وأماكن التجمع مع نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914.

استغلت منيرة حب الناس لها، وإعجابهم بصوتها، واستسلام الإنجليز أمام شخصيتها القوية، وبدأت تغنى أغانى وطنية تحث الناس فيها على استقلال بلادهم.

حلمت منيرة بالوقوف على المسرح، وكان مثلها الأعلى فى ذلك الشيخ سلامة حجازى، ولم تكن التقاليد تسمح للمرأة المصرية أن تعتلى خشبة المسرح، وتحقق حلمها عندما عرض عليها عزيز عيد أن يقدم مع فرقته وصلة مسرحية على خشبة مسرحها «مقهى نزهة النفوس»، فانتهزت الفرصة وطلبت منه المشاركة فى هذه المسرحيات، فظن أنها تمزح، ولكنها أكدت أن التمثيل أمنيتها وتود أن تكون أول سيدة مصرية تقف على خشبة المسرح.

وكما ذكر كتاب «السلطانة منيرة المهدية والغناء فى مصر قبلها وفى زمانها» فإن عزيز وافق وأسند إلى منيرة المهدية دور حسن فى رواية للشيخ سلامة حجازى، فكانت أول مصرية تشترك بالتمثيل والغناء مع فرقة مسرحية وذلك صيف عام 1915، رغم أنها بدأت التمثيل على المسرح بدور رجل، ودربها عزيز عيد على الإلقاء والتمثيل وزاد الإقبال على المسرحيات.

وطبقا لمجلة الكواكب فإن عزيز عيد ساعد المهدية على الغناء فى لياليه التمثيلية بمسرح برنتانيا، كما مثلت دور وليم فى الفصل الثالث من رواية صلاح الدين الأيوبى، وفى 25 أغسطس 1915 أعلنت جريدة «الأخبار» هذا الحدث الفنى تحت عنوان «أول ممثلة مصرية»، وجاءت التفاصيل لتقول: «ُتحيِى فى مساء يوم الخميس ليلة الجمعة 26 الجارى فى تياتروبرنتانيا ليلة يُحتفل فيها بدخول المغنية المشهورة الست منيرة المهدية التمثيل العربى، فتنشد قصيدة استقبال من تلحين الموسيقى المُبدِع كامل الخلعى، تستمر ثلثى ساعة، ثمَّ تمثل لأول مرة دور وليم فى الفصل الثالث من رواية صلاح الدين الأيوبى».

الممثلة الأولى

وفى الليلة الأولى لعرض المسرحية تدفق الجمهورعلى المسرح لرؤية الممثلة المصرية الأولى والاستماع إلى صوت منيرة، وكان من بين الحاضرين رئيس الحكومة المصرية حسين باشا رشدى، والوزراء وكبار رجال الدولة، وبعد انفصال منيرة المهدية عن فرقة عزيز عيد، قدمت أشهر أعمال سلامة حجازى بعد وفاته، وكانت تقوم بأدواره، لتصبح أول سيدة تمتلك فرقة خاصة، وكان ظهورها على المسرح بمثابة ثورة كبرى، وذكرت مجلة الفن عام 1948
تحت عنوان: «نساء فى أدوار الرجال ورجال فى أدوار النساء» أن سلامة حجازى حين رآها تقوم بأدواره بعد مرضه قال: «إننى سأموت مغتبطا لأن سيدة مصرية ستخلفنى على عرش الغناء المسرحى»، وتلقت منيرة عشرات الخطابات من الفتيات المصريات بين مدرسات وطبيبات يشجعنها ويعرضن عليها رغبتهن فى الظهور إلى جانبها على خشبة المسرح، بل إن بعضهم تطوعن للظهور على المسرح واشتركن فى تأدية بعض الأدوار، وأثار هذا الظهور سخط فئة من المحافظين ونشرت مقالات تنتقد ظهور المرأة المصرية سافرة واشتراكها مع الرجال جنبا إلى جنب فى عالم التمثيل وظهور المرأة المسلمة على خشبة المسرح ، فى حين شجعت أقلام أخرى هذه الخطوة مؤكدين على ضرورة أن تتخلص المرأة المصرية من الجهل والتأخر فى عصر العلم والنور.

منيرة الثورية

وخصصت «الحفنى» فى كتابها فصلا خاصا عن الدور السياسى للمهدية قالت فيه: «كانت منيرة المهدية تتمتع بشخصية قوية قيادية استطاعت أن تؤدى دورا سياسيا مهما طوال فترة ثورة 1919 تارة بأغانيها الوطنية، وتارة بعلاقاتها الشخصية مع كبار رجال السياسة فى مصر، وكانت السلطات الإنجليزية تعمل لها ألف حساب، وكان الناس يجدون الراحة والأمل والسلوى فى مسرحها الذى جمع الوطنيين الأحرار، فكانوا يتنسمون فيه هواء الحرية».

وغنت «منيرة» فى سنوات الثورة العديد من الأغانى الوطنية التى تحث على الانتفاضة وجمع الشمل والوقوف صفا واحدا، ومن بينها أغان خاصة بالزعيم سعد زغلول، الذى أصدر قائد جيوش الاحتلال أمرا عسكريا بسجن كل من يذكر اسمه ستة أشهر مع النفاذ وجلده 20 جلدة، فكان مؤلفو الأغانى يتحايلون على هذا القرار، الذى تحدته منيرة فغنت: «شال الحمام حط الحمام من مصر لما للسودان..زغلول وقلبى مال إليه أنده لما احتاج إليه».

يقول المؤرخ كمال النجمى: «كادت منيرة المهدية تسلب عقول المتفرجين والمستمعين فى مسرحها الكبير المزدحم، فقد كانت تغنى عن ثورة 1919 وزعيمها سعد زغلول وعن مصر السعيدة. هذا المصطلح الذى كان شعارا متدولا فى هذا العصر، وكان الجمهور يطلب منها أن تعيد على مسامعه عبارة مصر السعيدة وكلماتها عن زغلول فتعيد لأكثر من 20 مرة ويعلو صوتها فى وقت لم تكن مصر عرفت الميكرفون ولم يكن مسموحا الهتاف علنا لسعد زغلول واستطاعت أن تنقذ الأغنية الوطنية من قلم الرقابة البريطانية، وانتشرت أغانيها وأصبحت على كل لسان وكأنها أناشيد وطنية.
واشار النجمى إلى أن الإنجليز كانوا ينظرون بعدم ارتياح لصوت ويعتبرونه محرضا للجماهير ولكنهم لم يجرأوا على إغلاقه أو اعتقالها».

وطبقا لكتاب دكتورة رتيبة الحفنى فإن منيرة غنت فى أوبريت الدرجة التالتة أفكارا ثورية لحنها سيد درويش: يا أبويا ادينى عقلك..ا لأجنبى بده ياكلك.. لو شفته فى البورصة وقابلك.. سلم عليه وعد صوابعك.. فى المنشية دولا حرامية.. ويسرقوا الكحل من العين» كما غنت الأغانى التى تعبر عن حال الفلاح و كفاحه ومن هذه الأغانى أغنية «صابحة الزبدة» التى سجلتها على أسطوانات لشركة بيضافون ونجحت نجاحا كبيرا وحققت أسطوانتها مبيعات كثيرة، وحرص الفلاحون على سماعها من أجهزة الفونوغراف الخاصة بالعمد وصغار الأعيان، كما شجعت مسرحياتها على منافسة الأجنبى، وإنشاء المصانع المصرية، وتشجيع الفتاة المصرية على التمسك بصفاتها والمشاركة فى النهضة، وسجلت الكثير من الأغانى التى تعبر عن الشعب المصرى.

كان رئيس الوزراء حسين رشدى باشا من رواد مسرح منيرة وأشد المعجبين بها حتى أنه كان يحضر عرض الرواية أكثر من مرة، وكان يجتمع بوزرائه فى عوامتها، فلم يكن يخطر على بال أحد أن مجلس الوزراء منعقد بمنزل المطربة منيرة المهدية.

وكانت منيرة تستغل نفوذها فى إطلاق سراح الشباب الوطنى الذين تم اعتقالهم خلال أحداث الثورة ومن هؤلاء الشباب شاب يدعى محمود جبر كان يتردد على مقهى نزهة النفوس وكان بينهما استلطاف، واعتقله الانجليز، فذهبت منيرة إلى دار الحماية لتتوسط للإفراج عنه، فقال لها المعتمد البريطانى: لقد علمت أنك سعيت لإطلاق سراح هذا الرجل مرارا وتكرارا فهل تحبيه وتريدين الزواج منه، ولو كان هذا هو السبب سأحقق رغبتك، وبالفعل اشترط أن يتم الزواج قبل الإفراج عن الشاب، فوافقت منيرة وتم عقد القران بشهادة اثنين موظفين من دار الحماية البريطانية، قبل أن يفرج عن الزوج الذى أخذ يرعى شؤون زوجته ويضاعف أرباحها فيما انشغلت منيرة بفنها وبالتمثيل والغناء، واستمر هذا الزواج 4 سنوات.

أمجاد السلطانة

قدمت منيرة المهدية خلال أربعين عاما حوالى 32 عملا مسرحيا، وكانت أكثر أعمالها المسرحية تحمل دروسا أخلاقية مفيدة - بحسب دكتورة رتيبة الحفنى - وقدمت عشرات الأعمال المسرحية الغنائية التى كتبها عمالقة التاليف والتلحين ومنهم سلامة حجازى وكامل الخلعى، فرح أنطون، وسليم نقاش والشيخ محمد يونس القاضى وداود حسنى وبديع خيرى ومحمد القصبجى ومحمد عبدالوهاب ورياض السنباطى وسيد درويش وزكريا أحمد ومن هذه الأعمال: «أوبرا كارمن، صلاح الدين الأيوبى، أبو النوم، كلها يومين، عروس الشرق، كليوباترا ومارك أنطونيو، وغيرها، كما قدمت أعمالا مسرحية غنائية خفيفة وبعض الموضوعات الكوميدية الراقية، وكانت أسطواناتها تملأ أنحاء الشرق، وكان مسرحها السبب فى معرفة الجمهور بالموهبة الجديدة محمد عبدالوهاب، الذى رشحه لها أمير الشعراء أحمد شوقى، ليستكمل تلحين رواية كليوابترا ويشاركها التمثيل فيها بدور أنطونيو.

وعام 1925 كتب لها بديع خيرى رواية الغندورة التى اشتهرت بها ودرت عليها أرباحا كثيرة، ثم كتب لها الفيلم الوحيد الذى مثلت فيه، حيث أرادت أن تدخل عالم السينما بعد مجدها فى المسرح فقدمت فيلم الغندورة، وغنت ورقصت فيه، وعرض الفيلم عام 1927، ولم تكرر المحاولة بعد هذ الفيلم.

سافرت المهدية فى العديد من الرحلات الفنية ومنها عام 1922 فى رحلة استمرت 3 سنوات زارت فيها سوريا ولبنان والعراق وليبيا وفلسطين وتركيا وإيران واحتفت بها هذه البلدان وأطلقت عليها الصحف مطربة الشرق الأولى، ووصل إعجاب السوريين بها أن شركة السجائر الكبرى طبعت صورتها على علب السجائر وأسمتها منيرة، وغنت لسلطان الحج أغنية أسمر ملك روحى، كما غنت فى تركيا فى حضرة مصطفى كمال أتاتورك، واستقبلت استقبالا حافلا، وفى الاحتفال الكبير ألقى رئيس الجمهورية التركية خطابا جاء فيه: «أشكر السيدة منيرة المهدية على تشريفها لنا وأهنئها على أدائها للغناء العربى، لقد جعلتنى أعشق الموسيقى العربية مع إنى دعوت شعبى فى كثير من المناسبات إلى نبذ الموسيقى العربية والتركية وتعلم الموسيقى الأفرنجية».

ولم يكن لقاء منيرة بأتاتورك فى تركيا هو اللقاء الأول بل سبق وجاء إلى مصر وهو ضابط وزار مقهى نزهة النفوس.
كما سافرت إلى بغداد وتم استقبالها استقبالا حافلا من حاكم المدينة ومن الصحف وكان القانون يمنع كل امرأة مسلمة من الظهور على المسرح ممثلة أو مغنية. ورغم ذلك منحوها تصريحا خلال يوم واحد للعمل مع التخت، وسافرت من بغداد إلى البصرة وأقامت لمدة أسبوع فى ضيافة سلطان المحمرة فمنح لكل عازف من فرقتها حفنة من الذهب وملأ حقيبتها بالذهب.

غياب الأضواء

وحصلت منيرة على شهرة فى عصرها حتى بدأت المنافسة بينها بين أم كلثوم فى نهاية العشرينيات، انتهت بانتصار كوكب الشرق.

ومع تقدم سن منيرة ابتعدت عن الفن فى الوقت الذى ازدادت فيه نجومية أم كلثوم، وبعد 20 عاما من انقطاعها عن الغناء وبالتحديد عام 1948 قررت العودة للمسرح لتمارس نشاطها الفنى من جديد فاستأجرت مسرح كازينو الأوبرا وقدمت أعمالها المسرحية القديمة لمدة 3 أشهر، ولم تحقق نجاحا، وهاجمتها الصحف، وطبقا لمقال مصطفى أمين، فإنه بعد هذا الفشل شعرت منيرة بأنه بات عليها أن تترك الساحة لأم كلثوم.

أنجبت منيرة المهدية ابنة واحدة، هى نعمات أباظة، ثمرة زواجها الذى استمر 3 سنوات من عثمان حسين أباظة، أحد أبناء الأسرة الأباظية، وحصلت على عدد من الجوائز منها الجائزة الممتازة فى مسابقة الغناء المسرحى التى أقامتها وزارة الأشغال العمومية عام 1926، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1960، كما منحها الرئيس عبدالناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى تقديرا لخدماتها للفن والمسرح فى عيد العلم عام 1961، ولم تستطع الذهاب لاستلامه لمرضها، فذهب إليها مندوب به، فقالت: «هذا الوسام أحسن تتويج لحياتى»، كما حصلت على أوسمة من ملك مراكش، وباى تونس، ومن أقطار عربية أخرى، ودرج اسمها فى الكتاب الذهبى الخاص بملك إيطاليا وهو سجل العظيمات والعظماء فى العالم أجمع، ومنحت الوسام الخاص بذلك والميداليات الذهبية الملحقة به.

وبعد اعتزالها تفرغت منيرة لهواياتها وهى تربية الحيوانات الأليفة، وتوفيت فى 11 مارس عام 1965 عن عمر ناهز الثمانين، وفى أواخر أيامها انتقلت للعيش مع أولاد شقيقتها، وحققت أمنيتها قبل وفاتها بالحج إلى بيت الله، ولكن خرجت جنازتها دون أن يرافقها أحد من أهل الفن، وسار خلف النعش خمسة أشخاص حسبما ذكرت الكاتبة الصحفية سناء البيسى فى مقالها «منيرة المهدية الغندورة - الأهرام، 26 أبريل 2008»، هم حفيدها وثلاثة من أصدقائه، وأمين صندوق معاشات الفنانين، وبوفاة منيرة انطوت صفحة مهمة فى تاريخ الغناء والمسرح الغنائى.

 

p
زينب عبد

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة