سياسى كبير تولى رئاسة وزراء مصر أربع مرات، كما أسس النظام الدستورى المصرى، هو محمد شريف باشا، الذى تمر ذكرى رحيله خلال هذا الشهر فى أبريل من عام 1887م، ولهذا نستعرض عبر السطور المقبلة أهم أعماله فى مصر خلال فترة عمله السياسى.
استطاع محمد شريف باشا إدخال الكتاتيب في الهيكل التعليمي للوزارة، وجعل معرفة القراءة والكتابة شرطاً أساسيا لتعيين أعضاء مجلس شورى النواب مما شجع على نشر التعليم وشكل “مجلس المعارف” لإعداد المشورة في أمور التعليم ووضع له لائحة خاصة.
كما أنشئ في عهده مدرسة المهندسخانة "الهندسة" 1866، والمدرسة التجهيزية بالقاهرة "المدرسة الخديوية" عام 1868، ومدرسة الحقوق في العام نفسه، كما افتتاح المحاكم الأهلية عام 1883، و يعتبر مؤسس مجلس النواب المصري والنظام الدستوري النيابي الحديث.
ولد محمد شريف في القاهرة في نوفمبر 1823، وهو من عائلة تركية الأصل عريقة، وكان والده محمد شريف أفندي قد جاء إلى مصر في أيام محمد علي باشا، والي مصر، بمنصب قاضي قضاة مصر.
أصبح شريف رئيسًا للنظار (رئيسًا للوزراء) للمرة الأولى في عهد الخديو إسماعيل، خلال الفترة (7 أبريل-5 يولية 1879). وكان هدف إسماعيل من اختيار شريف لتشكيل الوزارة تدور حول رغبة إسماعيل في التخلص من الوجود الأوروبي.
وكان من الطبيعي أن يناصب التدخل الأوروبي وزارة شريف العداء، لأنه تخلص من الوزيرين الأوروبيين، وحاول إنقاذ مصر من الأزمة المالية، ومنع التدخل الأوروبي.
ونتج عن ذلك أن تعدد أوجه الرفض الأوروبي ليس لوزارة شريف فحسب، بل لعهد الخديو إسماعيل برمته، فقدم أعضاء لجنة التحقيق في 10 أبريل استقالة جماعية محتجين على تشكيل وزارة شريف، وقد ذكروا في احتجاجهم أنه لن يتم تنفيذ الإصلاحات المالية إلا على يد وزارة يمثل فيها العنصر الأوروبي. فصدر فرمان من السلطان العثماني بخلع الخديو إسماعيل وتولية ابنه “توفيق” في 26 يونية 1879، وكانت تلك نهاية وزارة شريف الأولى.
وقد تولى شريف رئاسة الوزارة للمرة الثانية في عهد توفيق في الفترة (5 يولية-18 أغسطس 1879)، وقد عكف شريف ووزارته على وصل ما انقطع من أسس الحياة النيابية، التي كان قد بدأ في وضعها خلال وزارته الأولى، والتي تتمثل في لائحتين؛ إحداهما لائحة المجلس الأساسية، وثانيتهما لائحة الانتخاب.
ولكن أخذت ميول توفيق العدائية نحو الحكم النيابي تظهر، هذا من ناحية، كما تعرض توفيق لضغوط إنجلترا وفرنسا اللتين حضتاه على عدم إصدار اللائحتين، من ناحية أخرى.
ولم تقتصر ممارسة الدول الأوروبية في ضغطها على مجرد رفض مشاريع شريف النبيلة، بل أنها سعت للتخلص من وجود شريف نفسه في منصبه.
وترتب على ذلك صدور قرار الخديو توفيق في 18 أغسطس 1879 برفض التوقيع على لائحتي شريف، مما أدى إلى تقديم شريف لاستقالة وزارته الثانية بعد نحو شهر ونصف من تشكيلها.
وعندما قامت الثورة العرابية في عام 1881، أسقطت وزارة “رياض باشا”، وطلبوا من الخديو توفيق إسناد الوزارة إلى شريف باشا، فوافق على طلبهم، وقام شريف بتشكيل وزارته الثالثة (14 سبتمبر 1881-4 فبراير 1882). وقد نفذ شريف أحد المطالب الأساسية للثورة العربية، وهو تشكيل مجلس شورى النواب سنة ١٨٨١، ثم استقال شريف إثر خلاف سياسي.
ثم قام شريف بتشكيل وزارته الرابعة (21 أغسطس 1882-10 يناير 1884)، وقد قدم شريف استقالته من هذه الوزارة احتجاجًا على قرار إنجلترا بضرورة إخلاء مصر للسودان وجلاء الجيش المصري عنه، عقب قيام الثورة المهدية (1881-1899)، وقد أبى قبول هذا الطلب، واستقال محتجًّا، ولا تزال استقالته وصيغتها مرجع الكتّاب الذين يكتبون عن السودان، ومفخرة للوطنيين المصريين، وقد جاءت استقالته تأييدًا لإخلاصه للوطن المصري.
ظل محمد شريف بعد استقالة وزارته الرابعة معتزلًا المناصب والحياة السياسية منقطعًا إلى الدرس والمطالعة حتى أصيب بمرض في الكبد في أوائل سنة 1887 فأشار عليه الأطباء بتغيير الهواء، فسافر إلى أوروبا، ولم يكد يصل النمسا حتى فاجأه المنون في 20 أبريل 1887، ليرحل عن 64 عامًا، وجيء بجثمانه إلى القاهرة في 27 أبريل من تلك السنة، ودُفن بالقاهرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة