عادل السنهورى

مكاسب مسلسل الحشاشين

الأربعاء، 17 أبريل 2024 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مدرسة أصيلة فى مهنة الكتابة الفنية ينتمى إليها كل من شارك فى العمل الدرامى التاريخى الضخم مسلسل الحشاشين، والذى شاهده ملايين المشاهدين داخل مصر وفى الوطن العربى وعدد من البلدان الآخرى. هذه المدرسة شعارها "نكتب لكى نبدع ثم نفكر ونبحث ونناقش.. نكتب حتى نفتش فى العقل ونثرى الوجدان بعناصر جاذبة ومشوقة".

مدرسة المغامرة والتحدى فى الكتابة والإنتاج، لكنها المدرسة الفنية الأم الذى خرج من عباءتها كبار الكتاب والفنانين والمخرجين والمبدعين فى المسرح والسينما والدراما التليفزيونية، لا يقترب منها إلا أصحاب الرسالة الفنية والرؤية الفكرية لقضايا المجتمع المتشابكة فى الماضى والحاضر والمستقبل.

نستطيع أن نقول وبقراءة متعمقة أن جميع عوامل النجاح توافرت لـ"الحشاشين" قبل عرضه وعقب الإعلان عن البدء فى التجهيزات له، وحقق المسلسل مكاسب ضخمة بعد عرضه، وراهن القائمون عليه على مدرسة الكتابة والإبداع والتفكير والنقاش، فقد أثار المسلسل الكثير من الاهتمام والمتابعة والجدل حول القضية والمضمون والهدف والرسالة من وراء إنتاجه.

حقق المسلسل مكاسب كثيرة ليس أهمها فقط تصدره لأعلى المشاهدات داخل وخارج مصر لكنه:
أولا نجح المسلسل فى تقديم قراءة عميقة ومتأملة من وحى التاريخ لأخطر جماعات العنف والإرهاب فى التاريخ الإسلامى، والتى مثلت منعرجا خطيرا فى تاريخ التطرف والعنف والإرهاب على مدار أكثر من 10 قرون، وتوظيف الدين فى تغييب العقول والسيطرة والتحكم على العوام من صغار السن والشباب، وترسيخ فكرة الطاعة العمياء. وكان لابد من كاتب كبير وقارئ متعمق مثل عبد الرحيم كمال لتقديم الأفكار الجوهرية للمسلسل بعمق ورشاقة وبلغة هى الأقرب للعامية المصرية الفصحى الراقية التى يستوعبها كل المشاهدين العرب.

فجماعة الحشاشين بزعامة المؤسس و"المرشد العام" حسن الصباح ظهرت فى القرن الحادى عشر، واتخذت من قلعة آلموت الجبلية فى شمال إيران مقرّاً لها، وكانت عمليات الاغتيال ضد معارضيها منهجاً لها.
واستمر إرهاب "الحشاشين" باسم الدين و"الحور العين" و"مفتاح الجنة" ما يقرب من 200 عام، أى قرنين من الزمان، حتى احتل هولاكو قائد التتار بغداد، وقضى على الخلافة العباسية، واحتل قلعة آلموت، وأحرقها وقضى على شوكتهم فى الشرق، ثم أكمل الظاهر بيبرس مسيرة القضاء عليهم فى الشام فاستأصل شوكتهم سنة 1273م.

الكتابة الرائعة لعبد الرحيم كمال حلقت فى عوالم وأسباب النشأة لمثل هذه الجماعات الإرهابية فى الماضى والحاضر. فمثل هذه الجماعات لا تنبت إلا فى بيئات هشة وإمبراطوريات ودول مترهلة ضعيفة على وشك الانهيار. وهو ما حدث للدولة العباسية التى ترهلت وتفتت إلى دويلات، وغابت عنها فكرة الرابط القومى والوطنى، وانشغل حكامها وخلفاؤها بملذاتهم ومصالحهم الخاصة. فتفتت وتشرذمت إلى دويلات مثل الطولونية والاخشيدية فى مصر، والحمدانية فى الشام، والسلجوقية فى آسيا الوسطى، والفاطمية فى المغرب العربي. فحاول بعض أصحاب الأفكار الشاذة باسم الدين فى تحقيق أوهامهم فى الخلافة والقوة باستخدام العنف والقتل والإرهاب. من هنا ظهر حسن الصباح والحشاشين، ورفع الشعارات الدينية البراقة بذكائه وتكوينه الشخص الاستثنائى، ليصبح بعد ذلك العباءة الضخمة التى خرجت منها كل تيارات العنف والإرهاب الدينى طوال القرون المتعاقبة، وصولا إلى جماعات الإرهاب فى القرن العشرين وما بعده.

ثانيا: قدم مؤلف "الحشاشين" قراءة متأملة فى التاريخ، تحقق لها النجاح عبر إنتاج ضخم للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وبمتعة بصرية بديعة، متمسكا بشعار وأعمدة مدرسة الكتابة الحقيقية والنص الأصيل "نكتب لنبدع حتى نفكر ونبحث ونناقش". وهو ما حدث بالفعل، فقد حفز المسلسل جمهور المشاهدين بمختلف أعمارهم إلى البحث عبر المحركات الإلكترونية على شبكة الإنترنت وتقرأ عن تاريخ الجماعة ومؤسسها، وهنا يظهر الدور الحقيقى للفن، والذى يذهب إلى أبعد من الإمتاع والتسلية، ولكن يقدم للمشاهد فكرة ليبدأ فى البحث عنها والتعمق فيها.
بحث الجمهور عن تاريخ الحشاشين، وحسن الصباح، وعمر الخيام، وحجة الإسلام أبو حامد الغزالى، والدولة العباسية والسلجوقية، ومدن أصفهان وغيرها.

ثالثا: راهنت الشركة على الإنتاج الضخم لمسلسل الحشاشين، وثقتها فى النجاح الدرامى وتحقيق الهدف والرؤية والرسالة، ثم تحقيق المكسب المادى، فالعمل استغرق تصويره والإعداد له حوالى عامين، تم تصويره بين ثلاث قارات هى أفريقيا وأوروبا وآسيا الوسطى، وعدد من الدول منها مصر ولبنان وسوريا والمغرب ومالطا وكازاخستان.
ويعد المسلسل هو الأضخم فى المسلسلات المصرية خلال شهر رمضان، واشترك فيه عدد من النجوم العرب من مصر وسوريا ولبنان. وقام مهندس الديكور أحمد فايز ببناء قلاع وقصور ومدن ضخمة فى مصر من أجل خروج العمل بالشكل الذى يليق به، خاصة لما يناقشه من فترة تاريخية صعبة وشائكة.

وللإنصاف والحقيقة علينا أن نقول وبكل صراحة أن المسلسل حقق وبامتياز النجاح الباهر، وفاق التوقعات تحت إنتاج الشركة المتحدة التى راهنت عليه ولم يخب المسلسل التوقعات، وساهم فى الارتقاء بمستوى الأعمال الدرامية المصرية العام الحالى وتسيدها المشهد الدرامى فى المنطقة العربية وما حولها، إلى جانب عدد آخر من الأعمال الدرامية الممتعة.

رابعا "الحشاشين" بما حققه من إبهار ومتعة وتفكير وتحفيز وبحث وقراءة ونقاش يعتبر نقلة نوعية فى الدراما التاريخية، وخاصة فى قضايا مازال لها ظلال وآثار فى زماننا الحاضر، وهو ما يحمل الشركة المتحدة المسئولية فى البناء على هذا العمل وتقديم أعمال درامية تليق ومكانة الدراما المصرية وإمكاناتها ودورها الريادي. فالمتحدة أعادت الحياة مرة أخرى إلى هذا النوع من الأعمال التاريخية بعد فترة غياب طويلة عن المشاهدين، وهو ما يعيد للأذهان ما قدمته الشركة لإنتاج الفيلم الرائع "الممر" عن بطولات قواتنا المسلحة، وما يتردد حاليا عن إنتاج فيلم جديد بعنوان "السرب".

خامسا: قدم "الحشاشين" صورة ثرية للغاية تعكس مدى ضخامة الإنتاج الفنى للمسلسل، ولم يتوقف إبهار العمل على الصورة فقط، بل تجاوز إلى الكتابة والإخراج، فالعمل كان مليئًا بالإبهار على كل المستويات، التى تنوعت بين نجاح الممثلين والمخرج والسيناريو والتصوير والموسيقى التصويرية.

سادسا: أصبح وجود الثلاثى بيتر ميمى، المخرج الذى قاد فريقا ضخما من كبار الممثلين والشباب مثل المايسترو الذى يقود أوركسترا عالمية ضخمة بدقة واحترافية وإبداع، وعبد الرحيم كمال بما له من كتابات سابقة تؤصل لقيمة النص فى الدراما، ويعيد لمدرسة الكتابة المصرية تألقها ووهجها من جديد، ويكمل عقد الماس لأسامة أنور عكاشة ومحمد صفاء عامر ومحفوظ عبد الرحمن وأحمد جلال عبد القوى ويسرى الجندى ووحيد حامد، إضافة الى الأداء الراقى والاحترافى للفنان كريم عبد العزيز. أصبح هذا الثلاثى علامة مميزة ودليلا مسبقا على النجاح فى أى عمل قادم.

سابعا: شهد المسلسل مباراة ممتعة كبرى بين عدد كبير من كبار النجوم والشباب، وفى مقدمتهم الفنان كريم عبد العزيز صاحب الأداء المبهر فى المسلسل، والذى استطاع من خلاله أن يتفوق على نفسه ويظهر إمكانات فنية كبيرة، ليصبح رقما فنيا صعبا للغاية على قائمة النجوم العرب.
ويتحول مسلسل الحشاشين بعد "الاختيار" نقلة فنية – أو قفزة- كبيرة جدا فى تاريخه الفني. فقد جاء أداؤه ممتعا ومميزا ومؤثرا بصورة مدهشة، حتى أن الصورة البصرية التى قدمها كريم عبد العزيز لحسن الصباح لن تغادر مخيلة المشاهدين ولفترة طويلة من الزمن.
بلغ كريم مستوى عايا فنيا بموهبة رائعة، دراسة كاملة لكافة جوانب شخصية حسن الصباح وحبه لها حتى يقدمها بهذا الاتقان والروعة.

شارك فى المباراة الرائعة والممتعة الفنان أحمد عيد مفاجأة المسلسل فى دور زيد بن سيحون بأداء فنى لم يتوقعه أكثر المحبين له، لأنه يقدم شخصية فنية مركبة ومعقدة للغاية بعيدة تمام عما اشتهر به وتميز فيه من أدوار كوميدية.
أما فتحى عبد الوهاب فحدث ولا حرج عن قدرات هذا الفنان غير المحدودة فى لعب أصعب الأدوار بسهولة ومتعة، تؤكد أن أمثال فتحى يحتاجون إلى نصوص وإنتاج يليق بقدراتهم ومواهبهم الفنية الفذة.
مجموعة رائعة من الفنانين العرب أيضا مثل نيقولا معوض، والنجمة الكبيرة سوزان نجم الدين.
ثامنا المسلسل أثبت أن "مصر ولادة للنجوم والمواهب" فهى أرض للفن والإبداع لا تنضب أبدا، فقدم لنا مجموعة كبيرة من الفنانين الشباب الذى ينتظرهم مستقبل فنى واعد جدا، مع وجود الشركة المتحدة مثل أحمد عبد الوهاب وميرنا نور الدين وسارة الشامى وعمر الشناوى ونور إيهاب وإبراهيم كمال ومحمد منير وقمر السباعى وجيهان الشماشرجى وبسنت أبو باشا وغيرهم، إضافة إلى وجود كبار الفنانين كضيوف شرف مثل محمد رجب وميمى جمال وأمينة خليل وياسر على ماهر ويوسف إسماعيل.
تاسعا: الموسيقى التصويرية للموسيقار التونسى أمين أبو حافة الذى أصبح معروفا فى الدراما المصرية بموسيقاه فى مسلسل ونوس وجراند أوتيل وفيلم كازابلانكا، جاءت هذه المرة فى مسلسل "الحشاشين" موسيقى متفردة ومميزة ومختلفة مع تتر المقدمة بصوت المطرب المبدع وائل الفشنى وبأبيات من رباعيات الخيام، للإيحاء بأجواء الأحداث والفترة الزمنية التى تدور فيها، وتقديم موسيقى تصويرية تناسب أماكن وأبطال المسلسل، وخاصة حسن الصباح وقلعة آلموت وأصفهان وقصر السلطان، وتوظيف آلات موسيقية عربية وتركية وإيرانية.
قدم أبوحافة موسيقى صادقة معبرة لمست الوجدان وانتظرها المشاهدون مع كل مشهد.
أما حسين عسر، مدير التصوير والإضاءة فهو ينحدر من عائلة فنية بداية من والده مدير التصوير محمد عسر، والجد الفنان القدير عبد الوارث، ونشأ وتعلم فن التصوير منذ صغره فى بيئة فنية عريقة. وقدم صورة درامية تفاعلت مع باقى عناصر العمل وليس فقط جماليات الصورة. فالصورة كانت تحاكى دراما الشخصيات، خاصة أن العمل مليء بالشخصيات، ويشهد تحولات كبيرة فى تلك الشخوص فى السياق الدرامي.
وكما قال فقد كان حريصا على أن تكون العوالم مختلفة على المستوى البصرى بالنسبة للحشاشين سواء القلعة أو اصفهان أو قصر ملك شاه، وأن يكون لكل مكان هويته البصرية الخاصة به.

عاشرا : المتابعة من خارج الحدود كانت دليلا على النجاح الباهر للمسلسل فى كافة الدول العربية وإيران، فقد لاقى "الحشاشين" إشادات واسعة من قبل المتابعين والمشاهدين، ليس فى مصر ولا المنطقة العربية وحدها، بل تعدت الآراء الإيجابية للمشاهدين فى دول أخرى بعد ترجمته وعرضه على بعض المنصات.

كل التهنئة والإشادة والتقدير للشركة المتحدة على هذا العمل الدرامى الضخم الذى لا يقل عن أية أعمال درامية عالمية، بما يؤكد أن لدينا القدرة والإمكانات على منافسة الإنتاج العالمى وتحقيق الهدف والرؤية والرسالة والنجاح والمكسب أيضا.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة