شخصية غير عادية يتمتع بذكاء ودهاء ومكر، جعله قادرا على استقطاب عدد كبير من الشباب أو كما أطلق عليهم هو «الفدائيين» حتى يصبحوا تابعين له، ينفذون ما يأمر به دون أن يتفوه لسانهم بكلمة واحدة، وبرغبتهم يحققون حلمه، حتى اعتقد هو أن نفسه صاحب مفتاح الجنة، من هذا الرجل؟ إنه الشيطان بعينه، وهو ما رصده مسلسل «الحشاشين» فى موسم دراما رمضان 2024 بعمل مستوحى من التاريخ.
استخدام الدين كأداة للسيطرة على العقول
كلما زاد جهل الإنسان صعبت مهمته فى إقناع من حوله، ولكن من يتعلم بعض العلوم أو يحفظ عددا من القواعد الدينية من السهل أن يجد اقتناعا من الناس البسيطة بفكرته الشريرة بل وتصديقه، والتسليم له يصبح أمرا محتملا، تلك الصورة النمطية لـ«الشرير» عابس الوجه صاحب النظرات الحادة الغاضبة، الذى يرتدى الثياب الرث، أشعث الشعر، الغاضب، سليط اللسان، كلها صور نمطية قديمة للشرير المكشوف منذ الوهلة الأولى، كلها صفات استبدلها مؤسس حركة الحشاشين «حسن الصباح» بالنقيض، فكان له كل هذا التأثير والسحر على جماعته وأتباعه، فسحر «التدين» المصطنع، والهدوء الكاذب، والعدل المتهتك المستتر، كلها وأكثر جذابة للعامة، تجعل التابع أعمى لا يرى ما وراء قناع الدين والوعظ.
حيل الصباح باكورة الفكر الإرهابى وتكوين الجماعات المتطرفة
بيع الوهم المخلوط بالحقائق باسم الدين
حسن الصباح شيطان بوجه حسن، منافق بوجه حنون، قاتل بوجه الضحية، عرف سياسة «بيع الوهم» باسم الدين، وأقنع جماعته أنها الناجية، ليفوزوا بالجنة، ليجعلهم يفدونه بحياتهم دون كلل أو شعور بالخوف، إيمانا صادقا داخل هؤلاء لفكره أشبه بالخيال وهى أن مفتاح الجنة فى يد إمامهم «الصباح».
الوهم فى معناه هو الفكرة التى تزرعها فى عقل من أمامك بمنتهى الحرفية والخبث والهدوء، تلك الفكرة غير الحقيقية التى تستخدم فيها من الحقيقة القليل، وتضع فيها الكثير من الأكاذيب مع بعض الأوهام لتزرعها فى عقل من أمامك بمنتهى الأريحية، هكذا كان منهج الصباح لتقع فى شباك فكره.
صاحب الكرامات المفبركة.. الإمام المزعوم
وجد «الصباح» ملاذه فى عقول الجهلاء بدينهم، البسطاء غير القادرين على فهم دينهم ودنياهم بشكل سليم، فنفذ لهم من خلال عقيدتهم ودينهم، ففى مشاهد متسلسلة طوال حلقات مسلسل الحشاشين ظهر الصباح وهو يسعى لإظهار كراماته المفبركة، لأن العامة يحبون الإيمان بالمعجزات الخارقة، حتى وإن كانت خيالية.
ظهر وهو يحاول مداواة طفل صغير، وظهر أيضا وهو يوهم أم الخليفة المستنصر بالله بأنها قادرة على الوقوف على قدميها، وأنه شفاها من مرض الشلل، موهما إياها بأن لديه قدرات خاصة، هذه الحيلة والكرامات المزعومة ما هى إلا براهين وأدلة يضعها الصباح فى طريق جماعته كى يزيدهم تعلقا به وشعورا بأنه يختلف عنهم، وله الكثير من الكرامات وصلة مع الله وثيقة ومختلفة.
الشيطان المثقف.. متفقه فى الدين والعلم.. قارئ شره
كلما كان الشرير مثقفا عالما بمداخل ومخارج تابعيه، صفاتهم وعيوبهم، وكلما كان عالما وقارئا، كانت مهمة كشفه بعيدة وتصديقه أقرب وأسهل، فعندما يكون جزء العلم والدين فى يد المنافق كان هناك الخطر الأكبر، فيجعله قادرا على إيصال معلوماته ومزاعمه بسهولة.
ففى مشهد يقف «حسن الصباح» على رأس سفينة متمتما ببعض الكلمات والتعاويذ غير المفهومة، يوهم من حوله بأنه يطلب من الرياح أن تتوقف ومن الإعصار أن يهدأ حتى ينجو الجميع على ظهر السفينة، ليتصور من معه أنه السبب وراء هذه المعجزة، ليكشف لنا المخرج فى نهاية المشهد أن «الصباح» كان يقرأ كتاب علم الرياح وعلامات بدء توقفها، عن هذا المشهد قال الدكتور جمال فراويز، استشارى الطب النفسى: إن البعض لديه الفراسة، مثل حسن الصباح، والقدرة على التحكم فيمن حوله، من خلال بعض السمات الشخصية التى يتسم بها والمهارات فى المراوغة والقدرة على الإقناع، يمكن ببعض السمات، عندما تجتمع جميعها فى شخصية واحدة، أن يصبح مقنعا حتى وإن كان على ضلال.
وأوضح كيف سيطر «الصباح» على أتباعه، حيث تخير لحظات قول الحقيقة وسرد الحقائق العلمية، وتخير أيضا اللحظة التى تتوقف فيها الرياح متمتما تلك الكلمات، فتمتع بالثقة العالية فى النفس والقدرة على الإقناع، استخدام لغة الجسد بنوع من الثقة وعدم الاهتزاز، ورفع يده للسماء متمتما بكلمات، الإلمام بالمعلومات العلمية والحقائق يدعم ثقة الشخص فى نفسه وقدرته على إقناع الآخرين بالمعلومات.
استخدام الحشيش لإيهام جماعته
ما أخطر الخبيث الذكى، فالذكاء نعمة يحولها الخبثاء والأشرار إلى نقمة كبيرة على أنفسهم وعلى من حولهم، يفكرون ويدبرون للشر وبالشر، ويصبحون قادرين على اللعب بالعقول وتسخيرها،
فاشتهر حسن الصباح باستخدامه نباتا يذهب العقل أو نبات السحر كما أطلق عليه، يعطيك شعورا حادا بالنشوة، تصبح بين الواقع والخيال وكأنك فى الحلم، حينها تصل لأقصى درجات ضعفك ووهنك، لتصبح فريسة سهلة لحسن الصباح وتخطيطه.
ففى أحد مشاهد المسلسل، نجد حاشية الصباح يشعلون نبتة الحشيش، ليشم دخانه المتصاعد الشاب «سعد» الحالم بالجنة، يذهبون عقله ويملؤنه بالأوهام، ثم يحملونه ويجروه جرا بعربة ما، وصولا إلى مكان به سيدات فيراهم كالحوريات، ليعتقد أنه فى الجنة، تأكيدا على حلم الجنة الذى يعد به «الصباح» دوما، ويستخدمه لاستمالة عقول تابعيه والسيطرة عليهم وضمان ولائهم التام، كأحد أدوات السيطرة على جماعته وتضليلهم.
آية المدعى ثلاث نرجسى.. سيكوباتى.. مجنون عظمة
كلما شعرت بمميزاتك، زاد ذلك من نسبة غرورك، الذى لا حد له ويعمى العيون والقلوب، هو ذلك النوع الذى أصاب حسن الصباح وجعل لديه اضطرابا يعرف بالبارانويا جنون العظمة، هذا الاضطراب الذى يجعلك تشعر بأنك مرسل، متفرد لا مثيل لك ولا يوجد من هو أفضل منك، يصل بك لحد عشق نفسك، فيعمى بصيرتك، وأنت فى هذه الحالة «مرسل» لا أخطاء لك.
الخطيئة الكبرى التى ارتكبها حسن الصباح تجاه نفسه، هو تركها لجنون العظمة وشعوره الحاد بذاته وتمجيده الدائم فى أفعاله وأقواله، فنجد فى إحدى المشاهد يقول «حسن الصباح عند الله يساوى كل المسلمين»، فهذا الشخص الذى يؤمن من داخله بهذه القناعات المتطرفة، يجعله شخصا غير مدرك لمن حوله، ظالم لجماعته مستخدما إياها لأهدافه الخاصة.
ففى مشهد خطبة حسن الصباح الشهيرة فى أتباعه الذين أطلق عليهم «المؤمنين»، واعدا إياهم بالجنة، لتحفيزهم، قال لهم: «مفتاح الجنة بيدى، أنا صاحبه» تأكيدا على جنونه بذاته.
السيكوباتى عاشق رائحة الدم.. جماعته تحت قدميه
حسن الصباح كان رجلا متعطشا للدماء، لا يبدو عليه ذلك من الوهلة الأولى بسبب حلمه وهدوئه، ولكن فى موقف ما تنقلب الآية ويصبح متعطشا للدماء آمرا بسفكه.
هل يمكن أن ننسى النقطة الفارقة فى حياة السيكوباتى حسن الصباح؟ تلك اللحظة التى أمر فيها بقتل ابنه ليظهر فيها للعامة أنه عادل ويضحى بابنه من أجل تطبيق العدل، ففى أكثر مشاهد المسلسل إبداعا، ظهر وهو يحاسب ولده ويحاكمه فى محاكمة عامة، وكان الجالسون فى القاعة يحاولون تخفيف حكم والده الصباح عليه، من خلال طلب العفو من والده.
ووسط مشاعر الحزن الممزوجة بالقسوة والأنانية والسيكوباتية، وكذا الخوف على مظهره وكيانه، نجد «الصباح» يصدر حكمه فى النهاية، وينتصر لطموحه فى سيادته على عشيرته، ورغبته فى الحفاظ على مظهره القاسى العادل الذى يدعيه، ويقرر قتل ولده قائلا: «ليقضى الله أمرا كان مفعولا».
شخصية دموية تحب ومتعطشة للدم، هذا المشهد يؤكد ذلك، فقد قتل قبل ولده الكثير من الشخصيات، لا فرق بين من ساعده وبين من عاداه، فهو شخص دموى متعطش للدماء وسفكها، يمكنه اكتساب قوته وثقته بنفسه من خلال سفك الدماء والقتل والتخريب، فالسيكوباتى لم يتراجع عن قتل ولده على الرغم من قسوة هذا القرار.
النرجسى الهادئ.. يغلى من الداخل
نرجسية حسن الصباح كانت ظاهرة وواضحة، فالنرجسى لا يشعر بالتعاطف، ولا يمكنه أن يشعر بالحزن العميق أو بالتعاطف مع أحد حتى وإن كان ولده، فحسن الصباح أقنع نفسه بأنه متسلما مفتاح الجنة، وأقنع من حوله بذلك، فرسم شخصية وهوية لا يمكنه خرقها مهما حدث حتى وإن كان فى سبيل ذلك أن يقتل ولده، ليوهمهم ويرهبهم بمظهره العادل القاسى، كان محبا لنفسه مختالا بها، يجد نفسه عظيما متفردا، أقرب للإله، فلا يقف أمام أى موقف محزن أو مربك، لا يشغله إلا نفسه، ويستطيع أن يكمل حياته ولا يشعر بتعاطف مع الآخرين مهما كانت مكانتهم لديه، مشاعره الجامدة الفاترة الغريبة عززت نرجسيته وجموده العاطفى.
مناهج الصباح لتكوين جماعة إرهابية
فرق تسد، التفرقة أساس السيادة وضمان الملك والحكم، هذا هو مناهج الصباح الأول، حسن الصباح ينتهج منهج النرجسيين الأشرار، حيث يعمد إلى حيل نفسية للتفرقة بين تابعيه ومساعديه رغم إخلاصهم جميعا له، إلا أن منهج التفرقة للنرجسى السيكوباتى منهج مميز، يساعده ويمكنه من السيطرة الكاملة على الجميع، ما دامت قد دبت العداوة بينهم.
بعض الحيل التى استخدمها الصباح فى منهج التفرقة، يقول عنها الدكتور جمال فرويز: إنها تعتمد على إلحاق الأذى النفسى بالضحية لإشعاره بحاجته للراغب فى السيطرة وهو حسن الصباح، يضمن ولاءهم بإرهابهم نفسيا وبإفشاء العداوة لكى يلجأ الجميع إليه، يرهق الضحية نفسيا من خلال بث الأفكار الشريرة والعداوة والبغضاء والكره والتنافس غير الشريف، يصنع العراقيل النفسية لهم لضمان ولائهم له، واللعب على مشاعر الكره والبغضاء.
"عايز الرعب يملأ القلوب" منهج الترهيب وتكنيك التخويف
الترهيب سلاح الطغاة، يمكنهم هذا المنهج والتكتيك من إثارة الرعب فى النفوس، وبالتالى السيطرة على الناس من خلال تخويفهم على حياتهم، سياسة التخويف والترهيب هى عبارة عن «تكتيك» يستخدمه الجانى مثل حسن الصباح على أتباعه، لدفعهم لتنفيذ أوامره والوصول إلى أهدافه بطرق عنيفة ضاغطة، فكلما شعر الشخص الذى أمامه بالخوف وضعف الثقة، زاد من ترهيبه أكثر، فيحدث المطلوب لإحكام قبضته على أتباعه وجماعته.
بين الترغيب والترهيب يتأرجح الطاغية للسيطرة على جماعته.. منهج آخر
لا يقف الطاغية عند منهج واحد للسيطرة على أتباعه وجماعته، فهو بين هذا وذاك بين اللين والشدة، بين اللطف والقسوة، فهو يتأرجح كى يحكم قبضته على جماعته.
تغير الأساليب ما بين العنف والقوة وتحولها إلى اللين والتعاطف أحد أهم أساليب الخبثاء، وهو ما يفعله حسن الصباح بأتباعه، فهو بعد ترهيبهم وتخويفهم بسياسته السابقة التى انتهجها من قبل، انتهج نوعا جديدا من الطرق النفسية لاسترضاء تابعيه، ومحاولة استقطابهم بطريقه بسيطة.
جماعة حسن الصباح منبت الجماعات الإرهابية وبذرة شر التطرف
تكوين الجماعات ذات الفكر المتطرف المعادى للمجتمع أمرا فى غاية الصعوبة، ويحتاج لمخططات وممارسات مثل ما كان يفعل «الصباح»، فتنتج لنا أشخاصا مشوهة تفدى روحها بشخص مدع كذاب أشر، مثل ما كان يفعل أتباع مؤسس حركة الحشاشين دون تردد تحت شعار «الروح فداء من يملك مفتاح الجنة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة