فى أواخر التسعينيات، وتحديدا فى عام 1998، وجدت الدراما المصرية نفسها فى مفترق طرق، حيث أطلقت الصحافة الفنية مصطلح "دراما الطرابيش"، كانت الأعمال الدرامية تغوص فى أعماق الأربعينيات والخمسينيات، مستعرضة أحداثا تاريخية مثل الحرب العالمية الثانية والمقاومة ضد الاحتلال البريطانى، وكان الطربوش على رؤوس الأبطال فى معظم الحلقات.
المتهم الأول فى هذه الظاهرة كان كتاب الدراما التليفزيونية الذين اختاروا تلك الفترة الزمنية لسرد قصصهم، وتكرر هذا النمط مرة أخرى فى العام 2000، ما أثار جدلاً واسعًا بين الصحافة الفنية والنقاد من جهة، وكتاب الدراما من جهة أخرى.
فى رمضان 2024، كان واضحًا أن مسلسلات الطرابيش أصبحت جزءا من الماضى، فقد تجاوزت الدراما المصرية تلك الفترة بتقديم محتوى يعكس الواقع المعاصر ويتناول قضايا تلامس الإنسانية والمجتمع بأسلوب يجمع بين الأصالة والتجديد.
الكاتب عبد الرحيم كمال بمسلسل "الحشاشين"، قدم أفقًا جديدًا من الدراما التاريخية التى أثارت الجدل داخل وخارج مصر، فهو من الكتاب أصحاب المشروعات الفكرية، ليس مجرد كاتب لمسلسل منفصل عن الآخر، بل هو منشغل فى كتاباته بتقديم قضايا فكرية، يقارع الحجة بالحجة وينتصر للوسطية فى مقابل التطرف.
أما محمد سليمان عبد المالك، فهو من الكتاب الذين يمتلكون القدرة على كتابة دراما اجتماعية تجذب المشاهد، وفى "إمبراطورية ميم"، استطاع أن يضع خطوطًا درامية فرعية تلامس الحاضر وتحافظ على الفكرة الرئيسية لقصة "إمبراطورية ميم" من تأليف الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس، وهى ميزة تحسب لسليمان القادر على فهم طبيعة النص والحفاظ على روحه مع إضافة لمساته الخاصة التى تعطيه الحيوية.
"جودر" للمؤلف أنور عبد المغيث، تخطى خيال المشاهدين الذين كانوا ينتظرون الجديد الذى سيقدمه هذا العمل عن السابق، يلاحظ أن المؤلف اعتمد لغة عامية بيضاء وابتعد عن السجع اللفظى الذى اقتبسته الإذاعة والتليفزيون من السامر الشعبى، ورغم أن العمل من وحى الخيال، فإنه تمت مراعاة رسم الشخصيات بدقة.
وفى "حق عرب" أبدع المؤلف محمود حمدان فى صياغة دراما شعبية متماسكة تتدافع الأحداث فيها بسلاسة، لتصل بنا إلى صراع مؤثر بين أب وابنه، فى بداية الحلقات، لاحظ البعض استلهاما من أسطورة الملك أوديب، ولكن المؤلف استطاع بمهارة تمصير القصة ليقدم لنا أبعادًا واقعية لشخصية البطل عرب السويركى.
وأخيرا "صيد العقارب" الذى نسج فيه المؤلف باهر دويدار صراعًا بين عائلتين بسبب جريمة قتل غير متعمدة، من الشخصيات البارزة التى رسمها دويدار، شخصية الشيخ مصطفى ضرغام التى أداها محمد على رزق ببراعة، والتى جاءت مختلفة وفريدة بين شخصيات مسلسلات رمضان.
لم تعد الدراما المصرية ترتدى طرابيش الماضى، بل تزينت بثوب التجديد والإبداع، محتفية بالتنوع والتعددية فى الطرح والمعالجة، فمن "الحشاشين" إلى "إمبراطورية ميم"، ومن "جودر" إلى "حق عرب" و"صيد العقارب"، وغيرها من الأعمال المتميزة، كل عمل يقف بذاته، متفردا بأسلوبه ورؤيته.
معتمد عبد الغنى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة