حسين حمودة

استعادة حسن فتحى

الإثنين، 01 أبريل 2024 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قابلته في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، جلست إليه لساعات طويلة، وأجريت معه حوارا طويلا، نشرته بعنوان "أربعون عاما من الجوائز.. والحزن". . تطرّق الحوار إلى كتبه ودراساته ونظريته حول "العمارة والبيئة"، وأيضا إلى تقديره في جامعات العالم، وليس في مصر (قال لي، وقتها، إن أفكاره ونظريته المعمارية تدرّس في 42 جامعة عالمية، ليس من بينها جامعة مصرية واحدة.. ولكن بعد ذلك بسنوات، كما علمت، أصبحت أفكاره ونظريته يتم تدريسها في عدد كبير من الجامعات المصرية).. وفي وسط الحوار قال لي: "دقيقة واحدة".. وقام ودخل لحجرة أخرى وأتى بكومة من الكتب والمجلات التي بها دراسات عنه، مكتوبة بلغات متعددة.. وقال لي: "كل دا عن أفكاري، وفيه غيره كتير، وممكن تقوم تشوف بنفسك، وكمان تشوف الجوايز الكبيرة اللي أخدتها.. بس أعمل إيه بكل دا وبلدي عمرها ما قدّرتني؟".. وبكى.. نعم بكى أمامي بالصوت والدموع!

وحكى لي، بالتفصيل، بعد أن هدأ قليلا، كيف تآمرت عليه شركات المقاولات الكبرى، لأن تصميماته ومشروعاته تهدّد اقتصادها، وأنهم قد اتهموه اتهامات باطلة في ذمته المالية، فهاجر إلى اليونان وعاش في شقة صغيرة لعدة سنوات.. وحكى لي، بلسانه: "وفي يوم لقيت جرس باب الشقة بيرنّ.. فتحت الباب لقيت جمال عبد الناصر ومعاه محمد عودة.. وعبد الناصر قال لي: "يا حسن إنت قاعد هنا وبلدك محتاجك؟".. تأثرت جدا وورحبت بهما.. وبعد أسبوع واحد كنت في مصر..واتصورت إن الموقف ها يتغيّر مع حروب شركات المقاولات والموظفين اللي بيرشوهم.. لكن ما حصلش.. ما قدرتش أعمل أي مشروع كبير.. الموظفين كانوا بيعطّلوا لي أي شغل.." .. وهكذا ظلت مشروعاته التي يتم الاحتفاء بها في بلدان عدة، معطلة في مصر..


بعد هذا اللقاء والحوار بسنوات طويلة، وكان قد توفي عام 1989، وفي "مدخل" كتبته عنه في "قاموس الأدب العربي" الذي أشرف عليه الدكتور حمدى السكوت، توقفت عند معالم تجربته ببعض التفصيل.. تخرجه في مدرسة المهندسخانة بجامعة فؤاد الأول عام 1925، عمله مهندسا بالإدارة العامة للبلديات والمجالس المحلية لسنوات أربع، التحاقه بهيئة التدريس بكلية الفنون الجميلة عام 1930، سفره إلى باريس للحصول على الدكتوراه وعودته وتوليه رئاسة قسم العمارة بالكلية نفسها، وانتدابه عام 1946 ليتولى تصميم وتنفيذ مشروع قرية "القرنة" (الجرنة) بالأقصر.. ثم توقفت وقفة أطول عند مؤلفاته، ومنها: "عمارة الفقراء"، والعمارة والبيئة" و"العمارة العربية الحضرية بالشرق الأوسط" و"العمارة الإسلامية المعاصرة"، كما توقفت عند نظريته الخاصة في العمارة البيئية، والبناء للفقراء، والسعي إلى التناغم بين الإنسان والمبنى والمناخ والطبيعة... وفي هذه النظرية طرح حسن فتحي تصوراته حول أن العمارة الأفضل والأقل تكلفة هي التي ترتبط باستخدام المادة الخام المتاحة القريبة، وفي هذه الوجهة قال قولته الشهيرة: "انظر تحت قدميك وابن"..أي  انظر إلى المادة الخام المتاحة لك واستخدمها في البناء.. وله تصميمات مشهودة تقوم على هذا التصور.. كما كان له مشروعات عديدة بجانب الجرنة، منها قرية "باريس الجديدة" بالواحات الخارجة في صحراء مصر الغربية، وعدد من المباني في العراق والكويت والجزائر ومالي وباكستان، ونيو مكسيكو بالولايات المتحدة الامريكية.. وهذه المشروعات، وقبلها هذه النظرية المتميزة في العمارة، جعلت حسن فتحي يحصل على جوائز كثيرة، منها جائزة الدولة التقديرية، وجائزة أغاخان في العمارة، والميدالية الذهبية من الاتحاد الدولي للمعماريين كأفضل مهندس في العالم.. ولكن هذا كله لم يجعله سعيدا أبدا..

لماذا أستعيد تجربة حسن فتحي الآن؟

أستعيدها لأننا كنا ولا زلنا نفكر في تعمير مناطق عدة بحاجة إلى تعمير، منها سيناء والصحراء الغربية (والأمر نفسه في مناطق كثيرة ببلدان عربية عدة)... وكنا ولا زلنا نفكر في التوسع الأفقي الذي يخرجنا من التزاجم الذي نعانيه في المدن المكدسة.. وأتصور أن تصميمات حسن فتحي، قليلة التكلفة، والمتصالحة مع البيئة، مع بعض التعديلات البسيطة الني يستطيع أن يقوم بها مهندسون نابهون، يمكن أن تفيدنا كل الإفادة في إنجاز هذا التعمير وهذا التوسع المأمولين.. ولعل هذا، إذا ارتبط بتخطيط وتنظيم مناسب لخلق فرص عمل للشباب في المناطق التي يتم تعميرها، وإذا اقترن بمشروعات اقتصادية في وجهة الزراعة أو التعدين أو الصناعات البسيطة أو المتوسطة.. لعل هذا يحقق لنا فرصا حقيقية على سبيل حل مشكلات كثيرة جدا.. وبهذا نكون قد استعدنا حسن فتحي، ونكون قد حوّلنا أحلامه الكبيرة إلى حقائق عظيمة القيمة !










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة