مها عبد القادر

فضائل شهر رمضان المبارك

الجمعة، 29 مارس 2024 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يأتي الشهر الفضيل بأعظم القربات؛ ففيه تتهذب وتصفو النفوس وتنضبط السلوكيات ويرقى الوجدان، وهذا التغير مرهون بصدق النوايا التي يبلغ بها الإنسان مراده؛ فيتحصل المثوبة ويعتق من النار ويفوز في الدارين ويحافظ على مقومات الدين ويحقق ركنًا أصيلًا من أركان الدين الحنيف؛ فالأمر لا يتوقف عند مشقة الامتناع عن المأكل والمشرب وسائر الشهوات؛ لكنه يتعلق بقيمٍ نبيلةٍ تعمق لدى الفرد ويضحي أثرها في سلوكه المعتاد فيسير على الدرب وتستقيم له الدنيا فلا يتغير ولا ينحرف عن صراط الله المستقيم.

وندرك أن جُنَّة الصيام تعني وقاية وستر الإنسان من عذاب النار؛ لذا أعد الله لعباده الصائمين بابًا من أبواب الجنة لا يدخل منه إلا هم؛ فقد أخبر المصطفى ﷺ، أن في الجنة باباً خاصاً بالصائمين لا يدخل منه غيرهم، ففي الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال ( إن في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا؛ أغلق، فلم يدخل منه أحد.)

ومن ثم نؤكد على عظم صدق النوايا التي يجازى فيها العبد عن عمله؛ فيأتي الصيام شافعًا لصاحبه يوم القيامة، فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي ﷺ، (قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربٍ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيُشَفَّعان.)

وهذه الفريضة العظيمة الشأن الباعثة على التقوى وزهد الشهوات لها منزلةٌ عند رب العباد؛ لذا كانت سببًا لمغفرة الآثام التي وقع فيها الإنسان؛ فقد روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ (قال: قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني أمرؤٌ صائمٌ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه.)

وفي الصيام فرصةٌ لإصلاح القلوب وما تعرضت له من مآخذٍ، كما أن القلوب تتسع لبعضها البعض؛ فنرى التراحم والتعاطف والمحبة شائعة بين العباد؛ فتعد الموائد الرمضانية حسبة لله، وتنال الأبدان هدنة لتقوى وتتعافي وترتفع مناعتها لتواصل استمراريتها بعافية وتجدد لا يحدث إلا بفضل هذا الشهر الكريم.

وفي رمضان شهر المغفرة تقوى النفس التي تستطيع أن تكسر إقبال الفرد على الشهوات، وترتاح القلوب وتقوى بمكارم الأخلاق والبعد عن كل سلوكٍ غير حميدٍ يقلل من مثوبة الصيام؛ فلا مكان للكذب والغيبة والنميمة ولا وجود للباطل واللغو والحلف المكذوب؛ فالصدق والأمانة والإخلاص والعطاء وأوجه البر ما يتحلى به الصائم لينال رضا الله تعالى.

ومن فضائله التي نعيشها كثرة أعمال البر ومنها الإخلاص والاجتهاد في العبادة، بغية الحصول على المغفرة المنشودة، والخروج من حالة الضعف والتكالب على الدنيا إلى حالة من استعادة النفس الذكية؛ حيث يتمكن الإنسان من أن يحاصر نقاط ضعفه ويستبدلها بقوة العزيمة ويقوي من علاقته مع الآخرين، أو يعيد هندسة علاقاته لتصبح أكثر إيجابيةً.
وشعيرة الصيام لا تدرب الفرد على الصبر فقط، بل تتعداها لمستوى التربية الإيمانية والتي تبدو جلية في حالة الانضباط التام في السلوك والأقوال، ومن ثم يعد الصيام مدرسة التقوى التي تتجلى فيها كل مظاهر الإحسان والتكافل بين العباد وتزداد الروابط والتآلف والوحدة والاصطفاف والتعاون والمحبة بين المجتمعات الأسرية الصغيرة منها والكبيرة على حدٍ سواءٍ، وهذا ما يحقق حالة السمو في بعده المادي والمعنوي، ومن ثم نتمنى أن تكون السنة كلها رمضان.
"اللهم تقبّل منا شهر رمضان، وتسلّم منا قراءة القرآن، واجعل من بعد رمضان ربيعًا لقلوبنا، ونوراً لصدورنا، وجلاءً لهمومنا، وغمومنا، وأحزاننا، ونوّر به أبصارنا، وأطلق به ألسنتنا، واستعمل به أجسادنا، اللهم تسلّم منا شهرًا وجدنا فيه متنفساً لنا من ألم وصخب الحياة، وبلّغنا بعده الراحة، والطمأنينة، والحياة الكريمة، ونحن سالمون معافون وفي سترٍ ونعمةٍ، وغيّر حالنا بعده إلى أحسن حالٍ وبلغنا فيه البركة، والتسخير لكل مرضاة نرقى بها إليك، فتسلّمه منا واكتب لنا القبول والمغفرة والعتق برحمتك، يا حي يا قيوم يا أرحم الراحمين".


 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة