تمر، اليوم، الذكرى الـ103 على عودة الزعيم الراحل سعد زغلول ورفاقه من المنفى إلى القاهرة، حيث لقى استقبالا شعبيا حاشدا من جموع الطلبة والمصريين بمختلف طوائفهم فى التاسع والعشرين من مارس عام 1921.
وكانت الأسباب الصحية فى الواقع من أقوى الأسباب التى حملت الحكومة البريطانية على هذا القرار، حيث يقول عباس محمود العقاد في كتابه "سعد زغلول زعيم الثورة" إن الدكتور موريسون الذي زار سعدًا في الثاني والعشرين من أكتوبر رأى أنَّ الحالة الصحية على جملتها مقلقة للسكر أو الزلال أو الأسيتون، وأخفى الخبر عن سعد فلم يُطلعه على تقريره المفصَّل بعد كتابته، تفاديًا من إزعاجه.
الأسباب الصحية لم تكن هي كل الباعث إلى شروع الحكومة البريطانية في إطلاق سعد زغلول وفقا للعقاد؛ ففي مقدمة الأسباب الأخرى اقتناعها بفشل اللورد ألنبى فى المقاصد التى كان يرمى إليها باعتقاله وتأييد ثروت وأشياعه؛ فقد ساءت العلاقات بين المصريين والإنجليز أشد ما يتاح لها من سوء، وبلغت من الحرج ما لم تبلغه قط فى وقت من الأوقات، وتعاقبت أعمال القمع والقضايا العسكرية من جهة، وحوادث الاعتداء ومظاهرات الاحتجاج من جهة، حتى أصبحت مصر المستقلة المطلوب منها الرِّضَى والاستقرار كأنها ميدان حرب دائمة بين عدوَّين متناحرَين، وليس هذا هو المقصود بسياسة التصريح، ولا يمكن أن يكون مقصودًا بسياسة أخرى في بلد من البلدان.
ومن الأسباب التى دعت إلى الإفراج عن سعد تلك القضية التى رفعها وكيل سعد فى إنجلترا طالبًا الحكم فيها ببطلان أمر اعتقاله؛ لأنه سُجن بغير محاكمة ولا تهمه معروفة فالإفراج عن سعد كان كجميع الحوادث التاريخية متعدد الأسباب غير محصور في سبب واحد، وإنما كانت المسألة مسألة الزمن، أو الانتظار حتى تتفق جميع هذه الأسباب.
غادر سعد جبل طارق بعد خمسة أيام من إعلان الإفراج عنه إلى طولون، ومعه السيدة الجليلة صفية زغلول، وكانت قد وافته في منفاه لما اشتد عناؤه من الوحدة مع انحراف الصحة والحاجة إلى حسن الرعاية.
فتلقاه الطلبة المصريون في عرض البحر بالترحيب والتهليل، ومنهم مندوبون عن زملائهم في جامعات فرنسا وسويسرا حضروا خصوصًا لتحيته وتجديد عهده وخطبوا يذكرون مآثره، وخطب فيهم راجيًا أن ينسَوه في تلك اللحظة ليفكروا في الذين لا يزالون يرسفون في قيود السجن والاعتقال، ثم قال: "إنَّ مصدر قوتي هو أني لست إلا معبرًا عن شعور الأمة وآرائها معربًا عن تصميمها على أن تعيش حرة مستقلة".
ثم توالى الإفراج عن المعتقلين في مصر؛ فأُفرج أولًا عن أعضاء الوفد الذين كانوا معتقلين بقصر النيل، ثم أُفرج في الرابع عشر من شهر مايو عن المعتقلين في صحراء ألماظة «المخزن»، وهم حمد الباسل باشا وأصحابه الذين كتبوا منشور المقاطعة والاستبسال في رد سعد إلى وطنه، ثم أُفرج في آخر مايو عن المنفيين إلى سيشل، ثم سُمح بزيارة بيت الأمة بعد إغلاقه برهة مع منع الاجتماعات فيه، ثم نشرت الحكومة المصرية بلاغًا في العشرين من شهر يوليو صرَّحت فيه «بإمكان عودة جميع المبعدين» ومنهم سعد باشا؛ لأنه كان إلى ما قبل صدور قانون التضمينات ممنوعًا من العودة إلى بلاده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة