د. شوقى عبدالكريم علام

إطعام الطعام

الجمعة، 29 مارس 2024 09:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

من دقيقِ حكمة الإسلام فى بناءِ المجتمعات، وحِفْظِ استقرارِها، وابتغاءِ نمائِها وازدهارها: أنه أعلى من شأن العبادات التى يتعدَّى نفعُها، ورتَّب عليها ثوابًا أعظمَ وأجرًا أكبر من تلك العبادات التى يقتصر نفعها وثوابها على القائمين بها، وهذه حكمةٌ إلهيةٌ عاليةٌ فى الشريعةِ الخاتِمة التى يناط بها إصلاحُ شأنِ الكون وتيسيرُ معيشةِ مَنْ فيه ابتغاءَ رضوان الله.


وعلى رأسِ هذه العبادات والفضائل ذات النفع المتعدِّى والأجر العظيم: إطعامُ الطعام، وهو فضيلةٌ إنسانيةٌ يتبارى فيها الشرفاء والكرماء على مر العصور منذ القدم، فقد اشتهر بها العرب قديمًا، وكانت مثارَ فخرِهم، وميدانَ تنافسِهم، ولعل من أظهر صوره عندهم تنافسُهم على حق رِفادة حجاج بيت الله الحرام، فقد كانوا يصنعون الطعام إكرامًا للفقراء والمساكين فى موسم الحج.


ولما جاء الإسلام أكسبَ هذه الفضيلةَ الإنسانية صبغةً دينيةً، فحضَّ على إطعام الطعام، ورغَّب فيه، وجعله من المطلوبات الشرعية التى يثاب عليها المؤمن بأعظم الأجور، بل جعل الله عز وجل الاتصاف بها والمداومة عليها صفةً من صفات عباده المحسنين الأبرار، فقال الله عز وجل فيهم: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا»، يشير ربنا سبحانه إلى أنه لما تملَّكت مشاعر الإيثار من قلوبهم إلى هذا الحد الذى لم يلتفتوا معه إلى حبهم لما يقدموه، وطابت نفوسهم بما فى أيديهم، استحقوا أن يوصفوا بالأبرار، وأن يَحْظَوا بجزائهم.


بل إنَّ من أوصاف الذين يأخذون كتابهم باليمين يوم القيامة أنهم يحرصون على فضيلة إطعام الطعام، قال الله عز وجل فيهم: «أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ»، فهم يتطوعون بإطعام الطعام أيام الشدائد على اليتامى والفقراء والمساكين.


وأخبر سبحانه وتعالى أن من أسباب دخول أهل النار فيها: عدم إطعام المساكين، فقال عنهم: «مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ»، وقال سبحانه وتعالى: «إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ».


واعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يطعمون الطعام من خيار الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: «خياركم من أطعم الطعام»، وقال مبيِّنًا جزاءهم يوم القيامة: «أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»، ولما سئل صلى الله عليه وسلم: أى الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف».


وقد حث الإسلام على هذه العبادة فى مواسم الطاعات بالخصوص، فشهر رمضان خُصَّ ببعض صور إطعام الطعام كإفطار الصائمين، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فطَّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا يَنقُص من أجر الصائم شيئًا»، فشهر رمضان صورة عظيمة للتكافل بين أفراد المجتمع، تعمر فيه البيوت والطرقات بموائد الإطعام فيما يعرف عند المصريين بـ«موائد الرحمن»، لأن الصوم يورث القلب رحمةً تجعل الإنسان يشعر بالمحرومين من عباد الله، حتى لا يصوم الفقير ثم لا يجد عند فطره ما يسد به رمقه.


ولأهمية إطعام الطعام فى الإسلام كان من الوسائل التى يعبر بها المسلم عن شكره لله تعالى، فقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحية شكرًا لله عز وجل على نعمه، فَيُهْدِى المسلم ثلثها، ويوزع ثلثها على الفقراء والمساكين، كما شُرع شكرًا على نعمة الزواج كما فى الوليمة، وشُرع كذلك شكرًا على نعمة الذرية كما فى العقيقة.
ولكل هذه الخيرات كان من كلام الصالحين: «اللُّقَمُ تدْفَعُ النِقَم».







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة