تسيطر أجواء ألف ليلة وليلة على مسلسل جودر الذي أطلقته شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والمعروف أن كتاب ألف ليلة وليلة هو سحر الشرق الذي انبهر الناس به في كل العالم، والليلة نواصل معا قصة الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان، حيث ترويها شهرزاد لـ شهريار:
وفي الليلة السادسة بعد المئتين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الملك شهرمان قبل رأي الوزير في ذلك اليوم ونام تلك الليلة وهو مشتغل القلب على ولده لأنه كان يحبه محبة عظيمة حيث لم يكن له سواه، وكان الملك شهرمان كل ليلة لا يأتيه نوم حتى يجعل ذراعه تحت رقبة قمر الزمان وينام، فبات الملك الليلة وهو متشوش الخاطر من أجله وصار يتقلب من جنب إلى جنب كأنه نائم على جمر اللظى ولحقه الوسواس ولم يأخذه نوم في تلك الليلة بطولها وذرفت عيناه بالدموع وأنشد قول الشاعر:
لقد طال ليلي والوشاة هجـوع
وناهيك قلباً بالفـراق مـروع
أقول وليلي زاد بالهم طـولـه
أما لك يا ضوء الصباح رجوع
وقال آخر:
لما رأيت النجم ساه طـرفـه
والقلب قد ألقى عليه سباتـا
وبنات نعش في الحداد سوافرا
أيقنت أن صباحه قد مـاتـا
هذا ما كان من أمر الملك شهرمان، واما ما كان من أمر قمر الزمان فإنه لما قدم عليه الليل قدم له الخادم الفانوس، وأوقدوا له شمعة وجعلها في شمعدان وقدم له شيئاً من المأكل فأكل قليلاً وصار يعاتب نفسه حيث أساء الأدب في حق أبيه الملك شهرمان وقال في نفسه: ألم تعلم أن ابن آدم رهين لسانه وأن لسان الآدمي هو الذي يوقعه في المهالك؟ ولم يزل يعاتب نفسه ويلومها حتى غلبت عليه الدموع واحترق قلبه المصدوع وندم على ما خرج من لسانه في حق الملك غاية الندم وأنشد هذين البيتين:
يموت الفتى من عثرة في لسـانـه
وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه تقضي بـحـتـفـه
وعثرته بالرجل تبرأ على مـهـل
ثم إن قمر الزمان لما فرغ من الأكل والشرب طلب أن يغسل يديه فغسل من الطعام وتوضأ وصلى المغرب والعشاء وجلس.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
2
وفي الليلة السابعة بعد المائتين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن قمر الزمان ابن الملك شهرمان جلس على السرير يقرأ القرآن فقرأ سورة البقرة وآل عمران ويس والرحمن وتبارك والملك والمعوذتين وختم الدعاء واستعان بالله ونام على السرير فوق طراحة من الأطلس المعدن لها وجهان وهي محشوة بريش النعام، وحين أراد النوم تجرد من ثيابه وخلع لباسه ونام في قميص شمع رفيع وكان على رأسه مقنع مروزي أزرق فصار قمر الزمان في تلك الليلة كأنه البدر في ليلة أربعة عشر، ثم تغطى بملاءة من حرير ونام والفانوس موقد تحت رجليه والشمعة موقدة تحت رأسه ولم يزل نائماً إلى ثلث الليل ولم يعلم ما خبئ له في الغيب وما قدر عليه علام الغيوب، واتفق أن القاعة والبرج كانا عتيقين مهجورين مدة سنين كثيرة، وكان في تلك القاعة بئر روماني معمور بجنية ساكنة فيه وهي من ذرية إبليس اللعين واسم تلك الجنية ميمونة ابنة الدمرياط احد ملوك الجان المشهورين.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
3
وفي الليلة الثامنة بعد المائتين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن اسم تلك الجنية ميمونة ابنة الدمرياط أحد ملوك الجان المشهورين فلما استمر قمر الزمان نائماً إلى ثلث الليل طلعت له تلك العفريتة من البئر الروماني وقصدت السماء لاستراق السمع فلما صارت في أعلى البئر رأت نوراً مضيئاً في البرج على خلاف العادة وكانت العفريتة مقيمة في ذلك المكان مدة مديدة من السنين فقالت في نفسها: أنا ما عهدت هنا شيئاً من ذلك وتعجبت من هذا الأمر غاية العجب وخطر ببالها أنه لا بد لذلك من سبب ثم قصدت ناحية ذلك النور فوجدته خارجاً من القاعة فدخلتها ووجدت الخادم نائماً على بابها. ولما دخلت القاعة وجدت سريراً منصوباً وعليه هيئة إنسان نائم وشمعة مضيئة عند رأسه وفانوس مضيء عند رجليه فتعجبت العفريتة ميمونة من ذلك النور وتقدمت إليه قليلاً قليلاً وأرخت أجنحتها ووقفت على السرير وكشفت الملاءة عن وجهه ونظرت إليه واستمرت باهتة في حسنه وجماله ساعة رومانية وقد وجدت ضوء وجهه غالباً على نور الشمعة وصار وجهه يتلألأ نوراً وقد غارت عيناه واسودت مقلتاه واحمر خداه وفتر جفناه وتقوس حاجباه وفاح مسكه العاطر كما قال فيه الشاعر:
قبلته فاسودت المقـل الـتـي
هي فتنتني واحمرت الوجنات
يا قلب إن زعم العـواذل أنـه
في الحسن يوجد مثله قل هاتوا
فلما رأته العفريتة ميمونة بنت الدمرياط سبحت الله وقالت: تبارك الله أحسن الخالقين وكانت تلك العفريتة من الجن المؤمنين فاستمرت ساعة وهي تنظر إلى وجه قمر الزمان وتوحد الله وتغبطه على حسنه وجماله وقالت في نفسها والله إني لا أضره ولا أترك احداً يؤذيه ومن كل سوء سوف أفديه فإن هذا الوجه المليح لا يستحق إلا النظر إليه والتسبيح ولكن كيف هان على أهله حتى نسوه في هذا المكان الخرب فلو طلع له أحد من مردتنا في هذه الساعة لأعطبه ثم إن تلك العفريتة مالت عليه وقبلته بين عينيه وبعد ذلك أرخت الملاءة على وجهه وغطته بها وفتحت أجنحتها وطارت ناحية السماء وطلعت من دور تلك القاعة وصعدت ولم تزل صاعدة في الجو إلى أن قربت من سماء الدنيا وإذا بها سمعت خفق أجنحة طائرة في الهواء فقصدت ناحية تلك الجنحة. فلما قربت من صاحبها وجدته عفريتاً يقال له دهنش فانقضت عليه انقضاض الباشق فلما أحس بها دهنش وعرف أنها ميمونة بنت ملك الجن خاف منها وارتعدت فرائصه واستجار بها وقال لها: أقسم عليك بالاسم الأعظم والطلسم الأكرم المنقوش على خاتم سليمان أن ترفقي بي ولا تؤذيني، فلما سمعت ميمونة من دهنش هذا الكلام حن قلبها عليه وقالت له: إنك أقسمت علي بقسم عظيم ولكن لا أعتقد حتى تخبرني من أين مجيئك في هذه الساعة؟ فقال لها: أيتها السيدة اعلمي أن مجيئي من آخر بلاد الصين ومن داخل الجزائر وأخبرك بأعجوبة رأيتها في هذه الليلة.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
4
وفي الليلة التاسعة بعد المائتين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الجن قال للجنية فإن وجدت كلامي صحيحاً فاتركيني أروح إلى حال سبيلي بخطك في هذه الساعة أني عشيقك في هذه الساعة حتى لا يعارضني أحد من رهط الجن الطيارة العلوية والسفلية والغواصة، قالت له ميمونة: فما الذي رأيته في هذه الليلة يا دهنش فاخبرني ولا تكذب علي وتريد بكذبك أن تنفلت من يدي وأنا أقسم لك بحق النقش المكتوب على فص خاتم سليمان بن داود عليه السلام إن لم يكن كلامك صحيحاً أنتفت ريشك بيدي ومزقت جلدك وكسرت عظمك فقال لها العفريت دهنش بن شمهورش الطيار: إن لم يكن كلامي صحيحاً فافعلي بي ما شئت يا سيدتي.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
5
وفي الليلة العاشرة بعد المائتين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن دهنش قال: خرجت في هذه الليلة من الجزائر الداخلة في بلاد الصين وهي بلاد الغيور صاحب الجزائر والبحور السبعة قصور فرأيت لذلك الملك بنتاً لم يخلق الله في زمانها أحسن منها ولا أعرف كيف أصفها لك ويعجز لساني عن وصفها كما ينبغي، ولكن أذكر لك شيئاً من صفاتها على سبيل التقريب أما شعرها فكليالي الهجر وأما وجهها فكأيام الوصال وقد أحسن في وصفها من قال:
نشرت ثلاث ذوائب من شعرها
في ليلة فأرت ليالي أربـعـا
واستقبلت قمر السماء وجههـا
فأرتني القمرين في وقت معا
ولها أنف كحد السيف المصقول ولها وجنتان كرحيق الأرجوان ولها خد كشقائق النعمان وشفتاها كالمرجان والعقيق ورقها أشهى من الرحيق يطفئ مذاقه الحريق ولسانها يحركه عقل وافر وجواب حاضر ولها صدر فتنة لمن يراه فسبحان من خلقه وسواه ومتصل بذلك الصدر وعضدا من مرجان كما قال فيهما الشاعر الولهان:
وزندان لولا أمسكا بـأسـاور
لسالا من الأكمام سيل الجداول
ولها نهدان كأنهما من العاج يستمد من إشراقهما القمران ولها بطن مطوية كطي القباطي المصرية وينتهي ذلك إلى خصر مختصر من وهم الخيال فوق ردف ككثيب من الرمال
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
ونكمل غدا قصة الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة