عصام محمد عبد القادر

الأمن الفكري.. الماهية والأهمية

الثلاثاء، 06 فبراير 2024 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طمأنة القلوب وتحقيق السلامة تعني أن الأمن والأمان بين الناس سائدٌ، وليس هناك ما يدعو لقلقهم، أو خوفهم، أو خشيتهم، أو فزعهم من أمرٍ ما أو في جانبٍ بعينه، سواء كان ماديًا، أو معنويًا، ولما كان الفكر يشير إلى إعمال العقل والتأمل في الشيء؛ فإن الأمن الفكري يُعنى به كافة التدابير والإجراءات الاحترازية التي تُتخذ من أجل حماية النسق القيمي المجتمعي والتي تضمن تحقيق السلوك الصحيح وتجنب كل ما يسبب الانحراف الخلقي، أو الفكري، أو النفسي، أو العقدي، أو ما يسبب تأثيرًا سلبيًا على ممارسات وحياة الفرد والجماعة.
 
ونشاهد عالم اليوم يمُوج في غيامٍ مخيفةٍ من الأفكار غير السوية والضلالات المقنعة والممنهجة والتي تؤدي بالضرورة لجرائمٍ وصراعاتٍ ونزاعاتٍ وخلافاتٍ لا حصر لها بين بني البشر قاطبةً، وهذا الأمر محله العقل الذي يمتلك القيادة، ومن ثم المقدرة على التصرف في الاتجاه الذي قد يكون سويًا أو غير ذلك؛ لذا بات الاهتمام بإصلاح وصلاح العقل من أولويات الأمن الفكري وأهدافه الرئيسة.
 
ويشكل الفكر وظيفةً رئيسةً للعقل الإنساني؛ فبه يمارس الفرد مناشطه ومن خلاله يكون معتقده ووعيه، ويحدد لنفسه دورًا في محيط أسرته ومجتمعه، وبواسطته يدرك متغيرات البيئة من حوله ليؤثر ويتأثر بمفرداتها؛ لذا يتوجب أن نرعى هذا المكون العظيم في مكنونه ومكونه، ونهتم ببنائه وفق النسق القيمي الذي يؤمن به المجتمع؛ كي ينتج مواطنًا صالحًا يعمل بكامل طاقته وقدراته على نهضة وطنه في ضوء ما يمتلكه من مهاراتٍ نوعيةٍ وأنماطٍ من الذكاء التي تمكنه من إنجاز ما يوكل إليه من مهامٍ وأن يصل لمراحل الابداع والابتكار التي نتطلع إليها.
 
وفي ضوء ما ورد يمكن القول بأن أمن الفرد الفكري يشكل جوهر بناء شخصيته ويضمن انخراطه في مجتمعه والمجتمعات الإنسانية مشاركًا منتجًا فاعلًا في مواجهة التحدي، متغلبًا على ما يواجهه من صعوباتٍ، قادرًا على تحقيق أهدافه، راغبًا في تصحيح مساره، محبًا لمن يُهدي إليه خطأه ليصلحه، مقدرًا للحرية المسئولة التي تؤكد ما عليه من واجباتٍ، وما له من حقوقٍ، متمسكًا بنسق قيم مجتمعه كونه السياج الضامن للبقاء والاستقرار والنماء.
 
ويجني المجتمع بأسره حصاد الأمن الفكري لدى الفرد؛ فيستطيع أن يبني ويعمر وينهض في بيئةٍ زاخرةٍ بالانتماء والولاء والمحبة والأخوة، وفق مبادئ العدالة والمساواة والاحترام والأمانة والصدق والشرف والنزاهة والشفافية والشعور بالمسئولية، وغير ذلك مما ندركه من أصول بناءٍ كامنةٍ في حضارتنا الراسخة المليئة بالنماذج الملهمة في كافة المجالات، والتخصصات العلمية، والعملية، والحياتية.
 
ويتأتى الاهتمام بالأمن الفكري من منطلق الوصول لمرحلة الوسطية وتجنب الانحراف ومراحل الغلو والتشدد، ومن ثم تجنب الانفلات والتسيب والخروج عن الأصول المجتمعية والنسق القيمي؛ لذا يُعد الأمن الفكري منهجاً قويماً يساعد الفرد على أن يصل لمرحلة الاعتدال في تناوله للقضايا التي يتعرض لها بشكلٍ فرديٍ أو جماعيٍ؛ لتصبح سلوكياته في مسارها الصحيح الذي يتسق مع نبل القيم المجتمعية.
 
ويدعونا الأمن الفكري إلى أن نوجه العناية والاهتمام التامين لتعضيد الفكر الوسطي في أذهان أبنائنا، وأن نسارع في تشكيل النسق القيمي المحمود الذي يتبناه مجتمعنا امصري صاحب التاريخ والثقافة، وأن نصوب في أذهانهم ما من شأنه يشوب البُنى المعرفية ويعمل على انحراف الفكر، كما يجب أن نوفر الحماية التي تكمن في الخبرات وما تتضمنه من معارفٍ ووجدانياتٍ وممارساتٍ سليمةٍ تساهم في أن يصبح الفرد إيجابيًا يحافظ على إعمال العقل بشكلٍ سليمٍ في جميع تصرفاته، ومن ثم يصعب أن ينساق خلف الأكاذيب والادعاءات والمغالطات التي لا تنتهي باختلاف المواقف والأحداث.
 
وباعتبار أن الأمن الفكري يجعل المجتمع يحيا حياةً تغمرها الطمأنينة؛ حيث يتناغم مع طبيعة الثقافة لهذا المجتمع، ويصقل منظومته الثقافية التي تتضمن عقيدته وأفكاره الكبرى، وهذا يؤكد على أهمية المعالجة حال حدوث خللٍ في هذا المكون المهم؛ كي يبقى المجتمع في حالةٍ من التماسك والترابط، ويجب أن تكون المعالجة شاملةً في تناولها لشتى أنماط الأمن؛ حيث إن أنواع الأمن بينها تكاملٌ وارتباطٌ يصعب فصلها.
 
ولا مناص عن الاطمئنان المتواصل والمستمر لسلامة الفكر لدى شباب الأمة؛ لأن شوائب الفكر تؤدي بالضرورة إلى تهديد الأمن القومي والوطني للبلاد، كما أن كثرة اللغط والشطط حول قضايا مصدرةٍ من الخارج، أو من جماعاتٍ لها نهجٌ ضالٌ يقوم على مبادئٍ وقواعدٍ مبتدعةٍ يأتي في مقدمتها تفكيك الدولة بغرض بنيان ولايتهم المزعومة، وهنا لابد أن نعتمد على مقوماتٍ متعددةٍ تشمل الاطمئنان على صحة الجانب العقدي، والثقافي، والأخلاقي، والأمني.
 
إننا في أشد الاحتياج لعقولٍ مستنيرةٍ لا تشوبها شائبةٌ، ولا يستطرق إليها فتنٌ، ولا تنال منها مفاسد الفكر وسُبله المتنوعة والمتلونة والمؤثرة؛ حيث بات بناء الأوطان مرهونٌ بعقولٍ مفكرةٍ تحمل الأمل نحو مستقبلٍ مشرقٍ تجاه غاياتٍ استراتيجيةٍ تحكمها رؤية الدولة الطموحة.
 
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة