سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..27 فبراير 1968.. نجيب محفوظ فى حوار صحفى نادر للفنان أحمد مظهر: «الكاتب مثل عربة الرش والأدباء فى مصر متعبون لأنهم غير متفرغين»

الثلاثاء، 27 فبراير 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم..27 فبراير 1968.. نجيب محفوظ فى حوار صحفى نادر للفنان أحمد مظهر: «الكاتب مثل عربة الرش والأدباء فى مصر متعبون لأنهم غير متفرغين» نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الفنان أحمد مظهر صديقا للروائى نجيب محفوظ، وكان الاثنان من «شلة الحرافيش»، ويكشف «محفوظ» فى مذكراته التى أعدها الناقد رجاء النقاش: «كان الفنان أحمد مظهر أحد مؤسسى «شلة الحرافيش»، بل إنه صاحب هذه التسمية، فكما قال لى إنه قرأ هذا اللفظ «الحرافيش» فى كتاب تاريخ قديم - أظنه تاريخ الجبرتى - وأعجبه فأطلقه على شلتنا، لأنه معبر عنها، فالحرافيش تعنى الصعاليك، وكنا نحن أقرب إلى هذا المعنى بالفعل»، ويؤكد «محفوظ» أن «مظهر» من أكثر الفنانين الذين التقى بهم ثقافة واحتراما وحبا للحياة والوطن.
 
أجرى «مظهر» وهو فنان كبير حوارا صحفيا نادرا مع نجيب محفوظ، نشرته مجلة الكواكب فى عدد 865، 27 فبراير، مثل هذا اليوم، 1968، وكان «محفوظ» وقتها رئيسا لمؤسسة السينما، وكان فيلم «قصر الشوق» المأخوذ عن روايته يعرض بدور السينما بنجاح، وعنه كان سؤاله الأول: «طبعا شاهدت فيلم «قصر الشوق»، إيه رأيك فيه؟.. أجاب «محفوظ»: «موافق عليه، وراض عنه خاصة السيناريو، مصطفى سامى استطاع أن يحول رواية ليس فيها إمكانيات سهلة لعمل سيناريو إلى سيناريو ناجح، و«قصر الشوق» ليست من القصص الدرامية المحبوكة، وهى تعالج مواقف ليست لها صفة الحبكة، ولا أنسى أبدا دور المخرج حسن الإمام، فهو روح الفيلم وعصبه».
 
سأل «مظهر»: «يقال إن فيلم «قصر الشوق» عرض جنسى صارخ، من النوع الذى لا تألفه، ما رأيك؟.. أجاب «محفوظ»: والله أنا محتار، بقى كل الأفلام اللى بتعرض من 20 سنة فيها جنس فقط، و«قصر الشوق» فيه جنس صارخ؟ وأنا عاوز أسأل: ليه بنقبل الجنس الأجنبى، ونكره الجنس المصرى، وفيه نقطة مهمة.. الجمهور لا يتخيل أنه يرى فيلما من غير جنس، والجنس فى «قصر الشوق» بعلاج ومناسبة».
 
سأل «مظهر»: «كل كاتب له مخرج يحب أعماله ويفهمها جيدا، فمثلا كان فى نوع من الفهم بين عز الدين ذوالفقار ويوسف السباعى، يا ترى مين مخرجك المفضل؟.. أجاب «محفوظ»: المخرجون كلهم لهم أفضال على، ولا يوجد لدى واحد مفضل، لا أنسى صلاح أبوسيف فى «بداية ونهاية»، وكمال الشيخ فى «اللص والكلاب»، وحسن الإمام فى «زقاق المدق»، وحسام الدين مصطفى فى «السمان والخريف» وغيرهم، فكل مخرج هو صاحب فضل، وانت عارف إن الأديب إذا لم تبرز أعماله أصبح فى عزلة أو يقرأ فقط بين مجموعة من الأصدقاء، فالسينما تخلق الجماهير الحقيقية للأديب».
 
سأل «مظهر»: «أظنك وصلت إلى درجة من التشبع ككاتب، فهل على الكاتب أن يعطى دون أن يأخذ من قراءات لكتاب معاصرين؟.. أجاب «محفوظ»: باختصار جدا، الكاتب مثل عربة الرش، لا بد أن يمتلئ من أدب الآخرين ليعطى للآخرين، وفى مصر معظم الأدباء متعبين، لأن معظمهم غير متفرغ، وكثير منهم موظفين فى الحكومة، أو صحفيين ودول ظاهرين، لكن فى غيرهم مدفونين».
 
سأل «مظهر»: «قالوا عنك، إنك كاتب الأزقة والحوارى وشوارع المدن فقط، ولم تهتم بالقرية، أجاب «محفوظ»: عندك حق، لكن من أين أجد الوقت لكى أذهب إلى الريف، وأعيش فيه؟ مش معقول أكتب عن شىء أنا غير منفعل به، وعشان أكتب عن الريف لازم أكون منفعل به، تماما كما انفعلت ببيئة الحارات والأزقة وحتى يظهر الأدب واقعيا صادقا ومعبرا، وفى فرق كبير بينى وبين كاتب زى «همنجواى»، هذا الأديب عاش فى أحراش أفريقيا، ولف العالم فانفعل وكتب، ثم أصبح أديبا عالميا، لكن الواحد منا محدود الآفاق، مش معقول أكتب عن أحراش أفريقيا وأنا قاعد فى المكتب لازم أنفعل أولا، ومطلوب منا نكون عالميين، إزاى واحنا مش قادرين نروح الريف».
 
سأله «مظهر»: «بهذا المقياس، هل لا يستطيع الكاتب أن يكتب عن خيالات صادقة، دون أن يعيش هذه الخيالات؟.. أجاب «محفوظ»: نادرا ما تجد هذا، المسألة ليست مجرد نظرة بسيطة، المسألة عايزة معايشة عميقة، عايزة تجربة، وتجارب عديدة».
 
سأل «مظهر»: «أنت أديب متطور فى كتاباتك، وتلاحق الحقبات الزمنية التى تعيشها، يعنى كتاباتك الأولى ليست كتاباتك الآن، فهل تستطيع أن تعود بنفسك إلى مرحلة المراهقة، لتكتب شيئا أو تتخيل شيئا فى تلك المرحلة؟.. أجاب «محفوظ»: الحنين للقديم يحدث كثيرا، لكن الفكر والأسلوب ظاهرة تتغير، أنت يا مظهر كواحد بيكبر شىء تانى، كمان تغير المجتمع الذى تعيش فيه، ثقافتك، اتجاهاتك، دى كلها عوامل تتطلع إلى الجديد، وأنا سمعتك وانت بتتكلم عن فيلمك الأخير «نفوس حائرة» قلت إنك تغيرت وتطورت وعملت تكنيك جديد، ولا تنسى إذا لم تكن أصيلا، فأنت لا تستطيع أن تتغير أو تتطور».
 
قال له «مظهر»: «ممكن أسأل سؤالا شخصيا، انت فى الحرافيش تخيلتنى شخصا منحلا.. هل يرضيك هذا؟.. أجاب «محفوظ»: استغفر الله، على كل حال ده مجرد تخيل، وبعدين أنا لما أتصور واحد فى مكان، وفى صورة معينة، أنا حر، أخليك منحل أو أخليك أى حاجة غير مظهر «يضحك»، أنا حر، ده عالم أنا بأخلقه لرواياتى ولنفسى».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة