تلقيت خبر وفاة الدكتور هانى الناظر بصدمة حقيقية على الرغم من معرفتى بمرضه منذ أشهر طويلة، ولكننى كنت على أمل أن تشفع دعوات الملايين له فى محاربة السرطان، لم أطمح كثيرا في العلاج الذى يتلقاه لمعرفتى أن هذا المرض الخبيث لا يتراجع عن جسد استحوذ عليه بمجرد بعض العقاقير والجلسات، فعجز الإشعاع عن الفتك به وصمد أمام أسلحة الكيماوى وحتى العلاج الهرمونى استسلم في العديد من الحالات، لذلك لم أثق كثيرا في الحلول الطبية، ولكنى كنت أثق في المحبة التي حملها ملايين الأشخاص لهذا الطبيب الذى لم يتوقف يوما عن تقديم المشورة الطبية سواء من خلال عيادته أو صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، ولكن لله حكمته التي لم نعرفها، فربما كانت روحه الطيبة أكثر من احتوائها على الأرض.
اتذكر الآن كم مرة هاتفته من أجل مريض أو معلومة طبية، وكيف كانت إجابته سريعة ووافية، كما أتذكر ابتسامته الدائمة وصوته وهو مبتهج بينما يحقق نتيجة جيدة مع مريض أو يقدم علمه بمحبة لآخر. اهتز الكثيرون ممن يعرفونه بشكل شخصى أو لا يعرفونه لمجرد سماع الخبر، كل زملاء العمل ليس فقط في عملى باليوم السابع ولكن في الصحف الأخرى أيضا غيم عليهم الحزن، لأنهم لم يتعاملوا معه كمصدر من المصادر الصحفية، ولكن كإنسان حقيقي وطبيب عظيم بكرمه الدائم مع الجميع، أما تأثير الخبر على مرضاه ومحبينه ومتابعينه على مواقع التواصل الاجتماعى فبدا واضحا في حجم التعليقات والكلمات المؤثرة عن عطاء هذا الرجل وعلمه وطيبة قلبه وكرم أخلاقه.
لم أذكر شهادات هذا الرجل أو مشاركاته العلمية العديدة أو تاريخه الطويل من الإنجازات، لأن كل ذلك لم يبق بعد أن يتوارى صاحبه تحت التراب، ولكن حقا ما يبقى ويظل هو الآثر، هو العمل الذى قام به، هو حجم الاستفادة من هذه الشهادات والإنجازات على من حوله، هي الشهادات الكثيرة من المرضى عن براعة الطبيب ودماثة الخلق، لذلك سأتخذ من هذا المقال فرصة لأحكى القليل جدا من مواقف هذا الرجل مع مرضاه، الذى شهدتها بنفسى وحان الوقت للحديث عنها.
نشرنا في موقع اليوم السابع العديد من الحالات المرضية الصعبة التي تحتاج إلى العلاج على مر السنين، وفوجئنا باتصال دكتور هانى الناظر في كل مرة يتابع ويسأل كيف يمكنه تقديم المساعدة، كان وسط جدوله الممتلئ لا يتوانى عن البحث عمن يحتاجه ليس فقط تلبية الطلبات التي تأتى له، ومن بين هذه الحالات كانت حالة لطفل يعانى من مرض جلدى نادر عبارة عن طفح جلدى يشبه قشر السمك، ناتج عن خلل جينى وراثى بسبب زواج الأقارب، جعله لا يستطيع حتى الخروج من منزله بالشرقية للتعلم أو مشاركة اللعب مع الأطفال، كرس الطبيب نفسه لحل أزمة الطفل دون أي مقابل، وكذلك تبنى علاج طفل آخر المصاب بمرض الجلد الفقاعى، والذى يتسبب فى تساقط الجلد عن اللحم.
كما استقبل شقيقان بالإسكندرية يعانيان من مرض جلدى نادر تسبب فى معاناتهما بمشاكل فى العينين، وأقر بعلاجهما على نفقته الخاصة، واستجاب لحالة طفلة تعيش في مدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية، والتي تعانى من مرض الصدفية، مطمئنا "الحمد لله نجحت في التواصل مع أسرتها، وسوف استقبلهم بإذن الله بعد غد للقيام بالواجب…اعتبروا الموضوع في أيدي أمينة".
وإذا سردت كم الحالات التى تبنى علاجها وسعى بنفسه للتعامل معها، لم استطع التوقف أبدا عند مقال واحد بل ساكتب الكثير من المقالات لما أعرفه عنه فقط، لما ظهر منه، والله اعلم بما فعله أيضا بخلاف كل ذلك، هذا الرجل لم يتوقف أبدا عن الخير حتى في أشد أوقات مرضه بل كان يخرج لمتابعيه ببوست على صفحته يدعوهم باستئناف اسئلتهم لأنه في راحة بين جلسات العلاج، أدعو الله أن يرحمه برحمته الواسعة ويكرمه بكرم أخلاقه وعلمه وعمله. وأرى أنه سيبقى بيننا بسيرته الطيبة وآثره القوى وإن لم يكن بجسده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة