من له مثل أولياتى.. نبوية موسى أول ناظرة مدرسة وأولى الحاصلات على البكالوريا.. أغضبتها معاملة الوزارة للمعلمات بنصف راتب.. نافست الإنجليزيات ففتحت المجال للمصريات.. أنشأت مجلة ومطبعة ومدارس وحاضرت فى الجامعة

الخميس، 22 فبراير 2024 06:00 م
من له مثل أولياتى.. نبوية موسى أول ناظرة مدرسة وأولى الحاصلات على البكالوريا.. أغضبتها معاملة الوزارة للمعلمات بنصف راتب.. نافست الإنجليزيات ففتحت المجال للمصريات.. أنشأت مجلة ومطبعة ومدارس وحاضرت فى الجامعة نبوية موسى
زينب عبد اللاه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى عام 1892 كانت الطفلة اليتيمة نبوية موسى تبلغ من العمر 6 سنوات، تجلس إلى جوار شقيقها الوحيد الطالب بالمرحلة الثانوية الذى يكبرها بعشر سنوات، وتستمع إليه بانتباه شديد وهو يقرأ دروسه وتلتقط كل ما يقول وتحفظه عن ظهر قلب قبل أن يحفظه هو، حتى حين كان الأخ يقرأ القصص وكتب الأدب والقصائد القديمة كانت شقيقته تحفظها قبله، فكان يسعد بتفوقها وذكائها وسرعتها فى الحفظ والفهم رغم صغر سنها وعدم التحاقها بالمدرسة التى لم يكن من المألوف أن تلتحق بها فتيات هذا العصر.

واقرأ أيضا

هكذا تذوقت نبوية «الطفلة» الشعر والأدب قبل أن تعرف القراءة والكتابة - حسبما تكشف فى مذكراتها- وهكذا شجعها شقيقها الذى جمعتها به علاقة قوية ورأت فيه صورة أبيها الذى حرمت منه قبل أن تولد ورحل قبل ميلادها بشهرين، فالأب الذى كان يعمل ضابطاً فى الجيش المصرى برتبة «يوزباشى»، فى وقت لم يكن يصل فيه الضباط المصريون إلى هذه الرتبة إلا بعد جهد كبير حيث كانت كل رتب الجيش الكبيرة تقتصر على الأتراك والشركس قبل الثورة العرابية، كان يسكن مع أسرته الصغيرة فى قرية «مجول» البلدة الصغيرة بمديرية القليوبية ويمتلك فيها بضعة فدادين، قبل أن يسافر إلى السودان ويترك زوجته حاملا مع طفله الذى يبلغ من العمر 10 سنوات، لم الأب يعد من سفره ورحل إلى جوار ربه، وولدت ابنته نبوية عام 1886 يتيمة، وعاشت الأسرة بمعاش الأب، ثم انتقلت للعيش بالقاهرة لظروف دراسة الابن.
 

واقرأ أيضا

من له مثل أولياتى.. عائشة التيمورية الأولة فى العلام.. أول متعلمة وشاعرة وأديبة عربية بالعصر الحديث.. ولدت فى عهد محمد على ونادت بحقوق المرأة وفتحت الباب لتعليم النساء.. حفظت القرآن كاملا وتعلمت 3 لغات قبل بدء التعليم النظامى

نبوغ نبوية

كانت الأسرة تذهب للقرية فى الإجازات الصيفية، وكانت نبوية تلعب مع أطفال القرية وتؤدى دور رئيستهم وكانت لها شخصية قوية تأمرهم فيطيعون وتوجههم فيستمعون. 
 
شعرت الطفلة بالوحدة بعد التحاق شقيقها بالمدرسة الحربية الداخلية، وكانت تنتظره بشوق شديد حين يأتى فى إجازته الأسبوعية ليعلمها مبادئ القراءة والكتابة، وبالفعل تعلمتها بسرعة، حتى أنها بدأت تكتب الشعر، وتقرأ الكتب والروايات وقصص ألف ليلة وليلة وعنترة بن شداد.

 
عشقت الطفلة القراءة وقرأت أشعار عمر بن أبى ربيعة، وأبى نُوَاس، ومجنون ليلى، وديوان عائشة التيمورية، و كان لها محاولات فى كتابة الشعر، وتعلمت قواعد النحو، وحفظت القرآن، وحين وصلت لسن 13 عاما فكرت فى الالتحاق بالتعليم وهو أمر لم يكن معتادا لفتيات عصرها، لذلك رفضت الأم بشكل قاطع، بل وغضبت العائلة حين عرفت بهذا الطلب وثار عمها وقال للأم فى غضب الجملة المأثورة الشائعة وقتها: «علموهن الغزل ولا تعلموهن الخط»، ولكن نبوية موسى تحدت كل هذا والتحقت بالمدرسة وكانت أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا، بل وأول امرأة مصرية تتولى منصب ناظرة مدرسة، وأصبحت إحدى أهم رائدات التعليم وحقوق المرأة، فى رحلة سباحة ضد التيار السائد لتشق طريقا أمام فتيات مصر للتعليم والنهضة وتحقيق الأحلام.
كانت الأم تتعامل بلين وتفاهم مع ابنها وابنتها لتعوضهما عن فقد الأب المبكر- كما تقول نبوية - حتى أن أقاربها كانوا يلومون عليها بأنها ستفسد أخلاق ابنتها بكثرة ما تشتريه لها من حلى، وستتلف ابنها ولن يفلح فى شىء، ولكن هذا لم يحدث، فبعدما ترك الابن الكلية الحربية لأسباب صحية التحق بالحقوق وكان من الأوائل وعين فى النيابة وترقى فى المناصب فيما بعد حتى أصبح شقيقها موسى محمد بك قاضى محكمة دسوق، ورغم حنان الأم ولينها الذى جعل ابنيها ينشآن على قوة الإرادة والحرية والاستقلال، إلا أنها رفضت بشدة طلب ابنتها بالالتحاق بالمدرسة، واعتبرت ذلك خروجًا على قواعد الأدب والحياء والدين، ولكن الابنة صممت أن تسير فى طريق التعليم.

نبوية فى المدرسة

كانت نبوية موسى وكما تقول فى مذكراتها «تاريخى بقلمى» المنشورة عام 1937 تزدرى ارتداء الحلى وجمعت كل ما اشترته لها أمها فى صندوق، وعندما وصلت إلى سن الثالثة عشر قررت أن تلتحق بمدرسة السنية، وعلمت من شقيقها أنها إذا أردت دخول السنة الثالثة، وجب عليها أن تعرف مقررات السنة الثانية، فذاكرت وحدها مقررات الحساب واللغة العربية والإنجليزية، وقررت أن تخوض المغامرة، فتخفت فى ملابس خادمة وسرقت ختم والدتها وذهبت وقدمت لنفسها فى مدرسة السنية وختمت الاستمارة بالختم، وحتى يتم قبولها قدمت فى القسم بمصروفات، حيث كان أغلب طالبات السنية فى ذلك الوقت يتعلمن بالمجانى لعدم إقبال الأهالى على تعليم البنات، وبالفعل نجحت نبوية فى الامتحان، ودفعت القسط الأول من المصروفات للدراسة بالقسم الخارجى فى المدرسة وهو مبلغ 250 قرشا، حيث باعت سوارا ذهبيا تملكه بخمسة جنيهات دون علم والدتها استعدادا لدفع المصروفات.
عادت نبوية للمنزل وهى تطير من الفرح وأخبرت والدتها بأنها التحقت بمدرسة السنية، وقابلت الأم هذا الخبر بغضب كبير ولكن الابنة أخبرتها بأنها لن تعود عن قرارها وإذا صممت الأم سوف تلتحق بالقسم الداخلى فى المدرسة معتمدة على معاشها، فاستسلمت الأم لرغبة ابنتها.
 
وتكشف نبوية أنها ذهبت إلى المدرسة عام 1901 وكانت مرتبكة من الخجل والحياء، فهى لم تعتد على الخروج من منزلها ولم تر من الرجال سوى أخيها وعمها، وكانت تقيس حركاتها وسكناتها بدقة، حتى لا تخرج عن معنى الأدب والكمال الذى تعودته فى منزلها. 
 
كانت السنة الثالثة أصعب سنوات دراستها بسبب عدم اعتيادها على نظم المدارس، ومع ذلك تفوقت على زميلاتها، وحازت إعجاب أساتذتها لقدراتها الفائقة وخاصة فى اللغة العربية والشعر والبلاغة، وكانت الأولى فى امتحان النقل إلى السنة الرابعة، رغم صعوبة الامتحانات مما تسبب فى رسوب 60% من الطلاب المتقدمين، وكانت نبوية الوحيدة التى نجحت من مدرسة السنية هى وطالبة أخرى وكان ذلك عام 1903، وحصلت على الشهادة الإبتدائية وكانت من العشرة الأوائل على القطر المصرى، وكان للخبر وقعا وتقديرا كبيرين من أهل قريتها الذين تفاخروا بأن فتاة منها استطاعت أن تنجح وتحصل على الشهادة الابتدائية، وكان هذا تحولا كبيرا فى مجتمع القرية وبدأت بعض العائلات تتجه نحو تعليم بناتها. 
 
وفى أكتوبر عام 1903 وبينما تم تعيين ملك حفنى ناصف و فيكتوريا عوض مدرسات بالمدرسة السنية، التحقت نبوية بالسنة الأولى بقسم المعلمات بالسنية التى كان عدد طالباتها فى السنوات الثلاث ١٤ طالبةً.
وفى عام 1906 حصلت على دبلوم المعلمات بتفوق وكانت الأولى، وتم تعيينها مدرسة لغة عربية بمدرسة عباس الأول الأميرية.
 
كانت نبوية موسى تؤمن بالحرية وتعبر دائما عن رأيها بصراحة ولا تقبل الخنوع، كما كانت من أوائل المصريات اللاتى كشفن النقاب عن وجههن، حيث كانت ترى أن وجه المرأة ليس بعورة وأن الدين الإسلامى أمر المرأة أمرًا صريحًا بكشف وجهها فى ثلاثة أمور: الحج والخِطبة والشهادة، ولم يأمرها صراحةً بستره مطلقًا، وأنه لا معنى إذن لستر الوجه، وفيه مضايقة كبيرة لمن يردن هذا العمل.
تتحدث فى مذكراتها عن سفورها، قائلة: «من العجيب أنهم كانوا يسموننى حجابيةً متطرفةً، ولا أدرى لم كانت تلك التسمية وأنا سافرة الوجه، إنهم يظنون السفور مجونا وفجورا، ولم يكن ملبسى يساعدهم على أن ينسبوا إليَّ ذلك، بل كانوا يعتقدون أنى أكثر الشرقيات محافظةً على الآداب الإسلامية؛ ولهذا لم يقل أحد عنى شيئًا مع أنى كنت المصرية الوحيدة التى أسفرت»، وكانت نبوية تلتزم بارتداء الملابس السوداء المحتشمة طوال حياتها.

نبوية والبكالوريا

التحقت نبوية بوظيفة معلمة بمدرسة عباس الأميرية، بمرتب ستة جنيهات، بينما كان مرتب خريجى المعلمين العليا من الرجال اثنى عشر جنيهًا، وهو ما أثار غضبها : «ساءنى أن تعاملنا الحكومة ونحن نعمل معاملة الوراثة؛ أى نصف الرجل، لا أنكر أن الوراثة قد تكون على حق؛ لأنها ليست من مجهود أحد، أما أن تعمل الفتاة ما يعمله الرجل، ثم تتناول نصف مرتبه فهذا ما لا يعقل؛ لهذا ثارت ثائرتى، لأنى أدرس كما يدرس الفتى، ولم يكن للحكومة مدارس ثانوية كثيرة، فكنا جميعًا ندرس للمدارس الابتدائية، فلماذا تميزه الوزارة عنى لا بجنيه ولا بجنيهين بل بضعف مرتبى؟!»
وتابعت: «لقد كنت أعمل جاهدةً فى أن تُساوى المرأة بالرجل فى الوظائف، وفى كل شىء، ولهذا طلبت من الوزارة أن تسوى بيننا وبين الرجال فى المرتب، فأجابتنى الوزارة بأنى وزميلاتى لم نَنَلْ شهادة البكالوريا، ولهذا لا يمكن مساواتنا بهم، وقررت وقتها أن أحصل على البكالوريا حتى لا أترك لوزارة المعارف عذرًا فى عدم مساواتى بالرجال».
 
لم تكن أى فتاة فى مصر وقتها حصلت على شهادة البكالوريا ولم يكن فى مصر مدارس ثانوى للبنات، وكان إعلان نبوية موسى أنها ستتقدم لامتحان البكالوريا حدثاً جللاً فى مصر -كما تذكر فى مذكراتها-، وبالفعل ملأت استمارة دخول الامتحان وأرسلتها إلى الوزارة، فضج رجال الوزارة لهذا الحدث، وتعجبوا من أن فتاة لم تتعلم فى مدرسة ثانوية تدخل الامتحان وهى لم تستعد له، وتوقع الكثيرون أن ترسب، واعتبرت الوزارة والمعلمون والطلبة هذا حدث العام، وأصبح لا حديث للطلاب سوى أن لهم زميلة من الجنس اللطيف ستدخل الامتحان معهم، وأعدَّت الوزارة لنبوية لجنةً خاصةً فى المدرسة السنية، أما باقى الطلبة فكانوا يمتحنون فى لجان فى مبنى الوزارة بدرب الجماميز.
 
كانت نبوية تركب الترام بصحبة شقيقها إلى مدرسة السنية ويركب نفس الترام الطلاب الذين سيمتحنون فى درب الجماميز، ولم يكن فى الترام عربة للسيدات، فكانت تجلس مع شقيقها فى آخر عربة حتى لا تتجه أنظار الطلبة إليها، وطوال الطريق كانت تستمع إلى أحاديثهم التى انصبت على الفتاة التى قررت أن تدخل امتحان البكالوريا دون أن يعرفوا أنها هى التى معهم فى نفس العربة، وكان أخوها يستمع إلى هذه الأحاديث ويبتسم، بينما كانت نبوية تحرص على النزول قبل المدرسة السنية بمحطة، وأن تدخلها من بابها الخلفى؛ حيث كان الطلبة يتجمهرون أمام باب المدرسة لرؤية الطالبة التى قررت أن تمتحن البكالوريا.
 
ورغم صعوبة الامتحان وعدم التحاقها بمدرسة ثانوية إلا أنها اجتازت امتحان البكالوريا بتفوق عام 1907 وكان ترتيبها 43 من بين 200 طالب، تتذكر أن هذا النبأ كان له وقع كبير بين الطلبة وموظفى وزارة المعارف، وأثار ضجة واحتفاء واسعا فى مصر، وتقول: «نشرته الصحف بعناوين ضخمة فى صدر صفحاتها وببنط كبير: أول ناجحة من المصريات فى البكالوريا، مصرية تفوز بنيل شهادة البكالوريا، تفوق المصريات»، ولم تنجح مصرية أخرى فى امتحان البكالوريا إلا فى عام ١٩٢٨.
 
توضح: «اهتم المصححون بهذا النبأ، ويظهر أنهم خشوا أن يظن أحد أن نبوية رجل، فأرادوا أن يضعوا على هذا الاسم عنوانًا يمنع الشبهة، فكتبوا «الست نبوية»، وتلقت مدرسة عباس وناظرتها وناظرة المدرسة السنية تلغرافات تهنئة بنجاح أول طالبة ومعلمة فى الشهادة البكالوريا.
 
وبدأت نبوية منذ ذلك الوقت كتابة العديد من المقالات فى الصحف التى احتفت بأن تنشر لأول فتاة تحصل على البكالوريا، وتنوعت مقالاتها بين الموضوعات التعليمية والاجتماعية والأدبية، وركَّزت اهتمامها على قضايا التعليمِ وتربية الفتاة وحقوق المرأة، وألفت بعض الكتب، ومنها كتاب المرأة والعمل، الذى تحدثت فيه عن جميع عادات المصريات.
 
كما انتدبتها الجامعة الأهلية المصرية إثر افتتاحها عام 1908 مع ملك حفنى ناصف ولبيبة هاشم لإلقاء محاضرات بالجامعة تهتم بتثقيف سيدات الطبقة الراقية، وألفت كتابًا مدرسيًا بعنوان «ثمرة الحياة فى تعليم الفتاة»، قررته نظارة المعارف للمطالعة العربية فى مدارسها. 

أول ناظرة مصرية

وكانت الوزارة فى ذلك الوقت تريد إحلال الآنسات محل الرجال فى وظائف التعليم بمدارس البنات، وخاضت نبوية خلال مسيرتها التعليمية والوظيفية العديد من الحروب لقوة شخصيتها ولعدم تقبل بعض زملائها الرجال تفوق امرأة عليهم، فحين تقرر أن تقوم بتدريس اللغة العربية للسنة الرابعة ثار غضب رجال دار العلوم، وساءهم أن تدرس فتاة اللغة العربية للسنة الرابعة، وهم أصحاب امتياز تلك اللغة، وعن ذلك قالت نبوية موسى فى مذكراتها: «أخذ اسمى يظهر لا بالذكرى الحميدة ولكن بالذكرى السيئة، فسمونى هادمة بيوت الرجال، وقاطعة أرزاقهم، وكانوا يتحينون الفرص للإيقاع بى»، واستعان بعض كبار رجال الدولة بنبوية للتدريس لبناتهم، كما كانت تقوم بتدريس اللغة العربية للمعلمات الإنجليزيات.
وكانت نبوية وقتها تكتب مقالات فى عدد من الصحف ومنها صحيفة «مصر الفتاة»، فذهب معلمو اللغة العربية إلى الناظرة الإنجليزية، وأطلعوها على المقالات، وادعوا أن نبوية تنتقد السياسة الإنجليزية، مما أثار الناظرة عليها وتعرضت للعديد من المضايقات.
 
وكان محمد باشا محمود فى ذلك الوقت أنشأ المدرسة المحمدية فى الفيوم، وعين لها ناظرةً إنجليزية، ولكنه اختلف معها فتركت المدرسة، فقرر الاستعان بنبوية لتتولى المنصب، لتكون بذلك أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية عام 1909، وبذلت مجهودا كبيرا للتشجيع على تعليم الفتيات، وعملت على تطوير المناهج وطبقت أسلوباً صارماً ومنضبطًا للتربيةِ؛ حتى تشجع الأسر على إرسال بناتهم للتعليم، ونجحت فى نشر تعليم البنات فى الفيوم؛ فزاد الإقبال على المدرسة، وبعد فترة من العمل تعرضت لمتاعب ممن ينظرون إلى المرأة المتعلمة نظرة متدنية؛ فرشحها أحمد لطفى السيد ناظرة لمدرسة معلمات المنصورة، واقترحت نبوية أن تفتح إلى جانبها مدرسة ابتدائية، ففتحت المدرستان فى وقت واحد، وأقبل أعيان المنصورة على المدرسة الابتدائية إقبالًا مدهشًا والتحق بها بنات أعيان البلاد المجاورة، ونهضت نبوية بالمدرسة نهضة كبيرة حتى حازت المركز الأول فى امتحان كفاءة المعلمات الأولية، وكان لهذا التفوق أثر كبير، حيث أخذ الناس يقارنون بين مدرسة معلمات المنصورة التى تديرها مصرية، ومعلمات بولاق القديمة التى تديرها إنجليزية، وبدأوا يفضلون الناظرة المصرية على الإنجليزية، مما فتح بابا كان مغلقا فى الماضى، وهو تعيين ناظرات مصريات لجميع المدارس. 

مجلة ومدارس ومطبعة

استمر خصوم نبوية فى مؤامراتهم ضدها، وأقنعوا الإنجليز بأنها من الوطنيات المشتغلات بالسياسة فتم نقلها إلى القاهرة وأعيد تعيينها عام 1914 فى وزارة المعارف بوظيفة وكيلة معلمات بولاق، ثم تم ترقيتها فى 1916 ناظرة لمدرسة معلمات الورديان بالإسكندرية، وظلت فى هذه الوظيفة حتى عام 1920.
 
وظلت نبوية تكتب فى الصحف وتنشر مقالاتها فى جريدة الأهرام، وانتقدت نظام ومناهج التعليم فى وزارة المعارف الأمر الذى أثار غضب المستشار الإنجليزى فمنحها إجازة مفتوحة مدفوعة الأجر. 
 
وفى ذلك الوقت كانت نبوية قد تعرفت على كثير من سيدات الإسكندرية أثناء الحركة الوطنية وأظهرن رغبتهن فى العمل لصالح مصر، وكان ذلك عام ١٩١٩، فأشارت عليهن بأنه يمكن نفع بلادنا بطرق أخرى غير التظاهر كالسعى فى نشر التعليم بين الفتيات، فرحبن بالفكرة وأسسن جمعية ترقية الفتاة وساعدتهن الزعيمة هدى شعراوى، وأسسن عام 1920 مدرسة ابتدائية حرة للبنات فى الإسكندرية تولت إدارتها نبوية موسى وأثبتت كفاءة ونجاحا كبيرين وكان الإقبال عليها عظيما، وفى نفس العام نشرت كتابها عن المرأة والعمل دافعت فيه عن حقوق المرأة، وشاركت أيضا فى الحركة النسائية وسافرت ضمن الوفد النسائى المصرى إلى مؤتمر المرأة العالمى المنعقد فى روما عام 1923، وأثار ذلك خصومها فتم نقلها إلى القاهرة بوظيفة كبيرة مفتشات.
 
وفى سنة 1926 شنت «نبوية موسى» هجوما على وزارة المعارف وعلى الوزير مطالبة بتعديل برامج الوزارة، وقصر عمليات التفتيش فى مدارس البنات على النساء فقط دون الرجال وكتبت مقالاً تحت عنوان :«نظام تعليم البنات فى إنجلترا ومصر»، ولم تستجب لمطالب نبوية، وصدر قرار بإيقافها وفصلها من عملها بالمدارس الحكومية، لكن القضاء أنصفها وأعاد لها اعتبارها، وقرر أن تدفع لها وزارة المعارف مبلغ خمسة آلاف وخمسمائة جنيه تعويضًا لها عن قرار الفصلها. 
 
وكانت نبوية طوال حياتها ومنذ كانت طالبةً تحلم بأن تفتح مدرسة، لذلك قررت بعد إنهاء خدمتها بوزارة المعارف عام 1926 إنشاء مدرسة خاصة فأنشأت مدارس بنات الأشراف بالإسكندرية، وأنفقت مبلغ التعويض الذى حصلت عليه من الوزارة على تطويرها فأصبحت من أفضل المدارس، وافتتحت لها فروعا بالقاهرة.
 
وفى عام 1937 أنشأت نبوية موسى مطبعة وأصدرت مجلة«الفتاة» النسائية وكانت تكتب فيها بعض ذكرياتها فأقبل الناس عليها، ثم دونت ما كانت تكتبه فى كتاب نشرت فيه مذكراتها تحت عنوان: «حياتى بقلمى»، وشاركت فى العديد من المؤتمرات وكان لها العديد من الاسهامات فى تعديل المناهج وأساليب التعليم، وقامت بتأليف عدد من الكتب منها :» المرأة والعمل، المطالعة العربية، ديوان شعر، ورواية تاريخية بعنوان «توب حتب»، وأوقفت مبنى مدرسة بنات الأشراف فى الإسكندرية وقفا خيريا لوزارة المعارف سنة 1946.

عزوفها عن الزواج

لم تتزوج نبوية موسى طوال حياتها رغم أنها تقدم لها العديد من العرسان، خاصة بعد حصولها على البكالوريا وتوليها منصب الناظرة، حيث تلقت عروض زواج من معجبين بمقالاتها ومنهم مأمور فى السودان، ومهندس، ولكنها كانت تنفر من الزواج بسبب النظرة السائدة للمرأة والزوجة خلال هذه الفترة، وعاشت لرسالة التعليم والنهوض بالمرأة حتى تُوفِّيتْ عامَ ١٩٥١م بعدَ حياةٍ حافِلةٍ بالعَطاء.

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة