سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 فبراير 1975.. نزار قبانى فى القاهرة بعد غياب ثلاث سنوات يؤكد: «مصر هى ولادتى الشعرية والشجرة التى أكلنا جميعا من ثمارها»

الأربعاء، 21 فبراير 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 فبراير 1975.. نزار قبانى فى القاهرة بعد غياب ثلاث سنوات يؤكد: «مصر هى ولادتى الشعرية والشجرة التى أكلنا جميعا من ثمارها» نزار قبانى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
غاب الشاعر العربى الكبير نزار قبانى عن زيارة مصر ثلاث سنوات، ثم عاد إليها للمشاركة فى احتفالات الذكرى الأولى لوفاة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، الذى توفى فى 27 أكتوبر 1973، وأجرى معه الكاتب الصحفى كمال الملاخ حوارا نشرته الأهرام بصفحتها الأخيرة، فى 21 فبراير، مثل هذا اليوم، 1975، تحدث فيه بلغته الشاعرية عن مصر التى غاب عنها ويحبها، والحب الذى أنفق عمره فى كتابة الشعر عنه، سأله «الملاخ»: كيف يمكن الدخول إليك بعد هذا الغياب؟ كيف أبدأ معك، وماذا وراء هذا الغياب؟ فأجاب نزار: «حين يكون الحديث متعلقا بمصر، فإن كل البدايات ممكنة، بالحب يمكن أن نبدأ، بالشعر يمكن أن نبدأ، بالفرح، بالحزن، بالليل، بالنهار، بالأرض، بالسماء، بالشجر، بالمطر، بالتحدى، بالثورة، بالإنسان يمكن أن نبدأ، والغياب فى بعض الأحيان هو أروع أنواع الحضور، الغياب هو الوجه الآخر للحضور».
 
«حين نغيب عن امرأة نحبها فهذا لا يعنى أننا ألغيناها، بل يعنى أننا نحاول أن نزرعها فى الذاكرة أعمق وأعمق، كم من مرة فى حياتى ابتعدت عن ديوان شعر موجود فى مكتبتنا، نعود إليه فى الشهر مرة، وفى السنة مرة، لنتأكد من أننا لا نزال قادرين على رؤية اللون الأخضر، ولنتأكد من أن الدم الذى يجرى فى دورتنا الدموية لا يزال لونه أخضر، مصر هى امرأة جميلة تتكلم بلون أخضر».
 
سأله «الملاخ»: بعد 30 عاما من معاناة الحب طولا وعرضا واحتراقا.. ماذا كانت نتيجة الرحلة أو نتيجة المعركة؟.. أجاب: لا شىء سوى عشرين ديوان شعر وانسداد فى شريان القلب ووعد بالتوبة عن الحب، وسأله: تقول إن الحب سباحة ضد التيار، فهل يمكن تطبيق ذلك على الأفكار أيضا؟ وبالتالى هل من قدر الفكر أن يكون دائما فى حالة صدام مع ما حوله؟.. أجاب: بكل تأكيد نعم، فليس هناك فكر ذو أهمية لا يصطدم بالأفكار والدوائر والقناعات الجاهزة التى تحاصره منذ ولادته.
 
إن طبيعة الإبداع هى طبيعة انقلابية، والعمل الإبداعى شعرا أم رواية أم مسرحا أم فنونا تشكيلية يسعى لإلغاء الأشكال والأفكار والقناعات المادية، وتأسيس أشكال وأفكار وقناعات جديدة. إن المكان الطبيعى للفنان هو فى صفوف المحتجين، لا فى صفوف الموالين، وليست الغربة التى يعيشها الفنان إلا نتيجة هذا التصادم اليومى بين الواقع الذى يعاينه، والمثل الأعلى الذى يحلم فيه، على الكاتب أن يبقى دائما كفهد الغابة فى حالة توحش، وقلق، وتوتر عصبى، وفى اللحظة التى يتأقلم فيها الكاتب مع الظروف التى تحيط به ويتعود عليه، فإنه يتحول إلى حيوان داجن، ونمر من ورق.
 
سأله «الملاخ»: كلامك عن مصر فيه كثير من نكهة العشق ومذاقه، كيف تفسر لى هذا الشوق إليها؟.. أجاب: هل من الضرورى أن نفسر، ألا يسمح لنا أن نجلس تحت شجرة الحلم ساعة واحدة لا نقول فيها شيئا، ألا يسمح لى أن أحب مصر دون الرجوع إلى اللغة، أية لغة، وإلى المفردات، أية مفردات، مصر بالنسبة لى هى الولادة، ولادتى الشعرية، هى التى أعطتنى عندما كنت دبلوماسيا فيها «1945-1948» المواد الثقافية والحضارية التى ساعدت على تكوين عظامى فى ذلك الزمن كانت القاهرة عاصمة الثقافة العربية، وشجرة الفكر التى أكلنا جمعيا من ثمارها، ووقفنا كالعصافير على أغصانها، كان هناك طه حسين، والعقاد، والمازنى، وتوفيق الحكيم، وأحمد أمين، وسلامة موسى، وعلى محمود طه، وإبراهيم ناجى، وبيرم التونسى، وكل الينابيع التى سقت بمائها تراب مصر وتراب الوطن العربى.
 
سأله «الملاخ»: ما دمت تتحدث عن ينابيع الفكر التى تفجرت فى مصر فى بدايات هذا القرن «القرن العشرين»، أحمد شوقى، حافظ إبراهيم، خليل مطران، سيد درويش، أم كلثوم، محمد عبدالوهاب، ألا تلاحظ أن شجرة العبقرية لم تعد تزهر كما كانت فى عصر هؤلاء الكبار؟
 
أجاب «نزار»: «العبقرية ليست موسم قطن نقطفه كل عام. إنها زلزال لا توقيت له، يضرب الأرض كل مائة أو مائتى سنة، ثم تعود الأرض إلى حالتها الطبيعية وتستغرق فى النوم، وهذا ما حصل فى أوروبا بعد عصور الشعراء والكتاب العظام، شكسبير، ودانتى، وجوته، وتولستوى، والموسيقيين العظام، بيتهوفن، موزارت، باخ، رحمانينوف، تشايكوفسكى، والمصورون العظام، دانتى ورفائيل وفان جوخ وسيزان وجوبا، العبقرية شرارة قصيرة العمر، وليست شمسا استوائية لا تأخذ إجازتها أبدا، لو كان بإمكاننا أن نزرع العبقرية كما نزرع أشجار التفاح والبرتقال والمانجو، لحصلنا على ألوف العباقرة بالوسائل الزراعية المتقدمة، والأسمدة الكيماوية».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة