الدكتور حاتم حافظ يكتب: لوم الناجح على نجاحه..«العود» بطل قصة تعارف عبدالحليم ورشدى فى محطة قطار طنطا.. أول انطباع لرشدى عن العندليب «صوته كان فيه حاجة عجيبة تسكن القلب».. و«حرب» عبد الحليم على رشدى غير دقيقة

الإثنين، 12 فبراير 2024 11:44 ص
الدكتور حاتم حافظ يكتب: لوم الناجح على نجاحه..«العود» بطل قصة تعارف عبدالحليم ورشدى فى محطة قطار طنطا.. أول انطباع لرشدى عن العندليب «صوته كان فيه حاجة عجيبة تسكن القلب».. و«حرب» عبد الحليم على رشدى غير دقيقة حليم ورشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

** صوت رشدى وحليم اعتمدا فى فترة قريبة من عام 1951 وتقرر لكل منهما 17 جنيها عن كل أغنية يسجلانها للإذاعة

 

من الحكايات المستقرة فى الذاكرة الفنية أن عبدالحليم حافظ كان «يحارب» محمد رشدى.. سرق منه مؤلف أغانيه وملحنه اللذين صنعا مجده: الأبنودى وبليغ. هذه الحكاية معززة بالطبع بعملين غريبين على الغناء العاطفى الذى كان يقدمه حليم: على حسب وداد قلبى، وكل ما أقول التوبة يا بوى، لكن لهذه الحكاية وجوها أخرى يمكن اكتشافها بوضع الحكاية فى سياقها، وهو ما سوف نحاول فعله فى هذا المقال.
 
من المؤكد أن عبدالحليم الذى كان المطرب الأول فى مصر والعالم العربى بداية من منتصف الخمسينيات، شعر بالغيرة من نجاح رشدى فى أغنية «تحت السجر يا وهيبة»، وهى أغنية من ألحان عبدالعظيم عبدالحق، لكن المؤكد أيضا أن الأغنية نجحت مثل هذا النجاح بسبب تغير المزاج العام وقتها فى منتصف الستينيات عما كان عليه أوائل الخمسينيات، نجحت الأغنية كل هذا النجاح لأنها كأغنية شعبية داعبت مزاج الجماهير، والجماهير فى ذلك الوقت كانت تحكم باسم ناصر وباسم الاشتراكية.
 
يحكى الأبنودى أن شخصين ذهبا إليه ليستدعياه إلى مقابلة شخص لم يسميه أى منهما، فظن أنهما قدما لاعتقاله لكنهما اقتاداه لبيت فى الزمالك وحين دخل اكتشف أنه بيت عبدالحليم حافظ، وجد حليم فى كلمات الأبنودى شيئا جديدا ناجحا فأراد أن يستثمره، أما علاقته ببليغ فكانت أقدم، حيث غنى من ألحانه فى عام 1957 خسارة يا جارة وتخونوه.. فما هو الوجه الآخر لهذه الحكاية؟
 
العندليب ومحمد رشدى
العندليب ومحمد رشدى

حليم ورشدى.. علاقة قديمة 

 
فى سيرة رشدى - والتى حكاها بنفسه فى مذكراته التى كتبها الأستاذ سعيد الشحات - نكتشف أولا أن علاقة عبدالحليم برشدى أقدم مما نتخيل، ونكتشف أن الحكاية الشائعة عن محاربة الأول للأخير غير دقيقة.
 
تعرف «رشدى» على «حليم» على محطة قطار طنطا حين بادر حليم بتقديم نفسه عندما لاحظ شابا يحمل العود، فعرف أنه من أرباب الموسيقى.. حليم وقتها كان يعمل مدرسا للموسيقى فى ملجأ أيتام فى طنطا، وكان لحليم كاريزما كبيرة لم يستطع رشدى تجاهلها.. يقول «التفتُ إلى مصدر الصوت، فوجدت شابا أنيقا، وجهه قمحى يميل إلى سمرة المصريين، فى عينيه مسحة حزن وهدوء عجيب، مظهره على بعضه يشدك من أول نظرة». 
 
ويعترف رشدى بالفارق بين شخصيتيهما: «هو ابن المدينة اللى تعلم فيها التحضر، وأنا ابن دسوق اللى الفلاح لسه جواه، ترك عندى انطباعا بأن عنده طاقة فنية هائلة، مسك العود، دندن عليه، صوته كان فيه حاجة عجيبة تسكن القلب، فيه إحساس رهيب فى صدقه».
 
اعتُمد صوت رشدى وحليم فى فترة قريبة من عام 1951 وتقرر لكل منهما 17 جنيها عن كل أغنية يسجلانها للإذاعة، فماذا حدث؟ بعد عامين كان برنامج الإذاعة الشهرى يذيع ثلاث أغنيات لحليم مقابل أغنيتين فقط لرشدى، لم يكن ذلك بسبب انحياز لشخص حليم ولكن كان بسبب اختلاف الشخصيتين ومن ثم اختلاف الفن الذى يقدمه كل منهما، حليم كان صاحب مشروع فنى جديد، لهذا كان لا يغنى إلا ما يقتنع به وما يتوافق مع مشروعه فيما كان رشدى - باعترافه - يغنى أى شىء يقدم إليه. 
 
وفيما سجل «حليم» عدة ألوان من الغناء كالقصيدة «لقاء للشاعر صلاح عبدالصبور» والأغنية الوطنية «يا تبر سايل بين شطين» والعاطفية «بتقول لى بكرة»، مستعينا بعدد من الملحنين الذين قادوا ثورة الأغنية فى السنوات التالية مثل الموجى والطويل وحسين جنيد، نجد رشدى يغنى أغنيات غير ناجحة ومكررة باستثناء أغنية نجحت نجاحا كبيرا «قولوا لمأذون البلد».. فما الذى حدث بعدها؟
 
يحكى رشدى: «كنت بلا لون غنائى، لم أكن أعرف أنا بأغنى إيه؟ وبأغنى لمين وإزاى؟ بدليل إن بداياتى الغنائية محصورة فى أغنية قولوا لمأذون البلد.. يعنى كنت مطرب الأغنية الواحدة، وهذه مأساة. فى حين نجد بدايات عبدالحليم فيها أكثر من أغنية ما زالت حية، مثل «صافينى مرة ولقاء وعلى قد الشوق»، ويضيف: «للحقيقة وللتاريخ أقول أنا من أول ما وصلت إلى القاهرة حشرت نفسى فى طريقة غناء زى محمد عبدالمطلب.. أغنى مثلا إلى حد البكاء لكن لا يصدقنى أحد، طريقتى فى الغناء شبه غيرى.. عبدالحليم كان غير كده.. مرة اجتمعنا أنا وهو والملحن فؤاد حلمى ومطرب اسمه محمد شوقى فى بيت ملحن اسمه عبدالفتاح بدير.. نزلنا الشارع نتمشى، جلسنا أمام محل بقالة نسمع عبدالحليم فى تسجيل جديد له ثم دار بيننا حوار كاشف.
 
سألنى: إيه رأيك يا محمد؟
 
قلت له: انت فيك حاجة يا عبدالحليم من حليم الرومى.
 
صرخ: أنا مش شبه حد يا محمد أنا لون.
 
ويعلق رشدى، إن الصرخة لعبت فى عقله «يعنى إيه اللى قاله عبدالحليم.. يعنى إيه أنا لون؟.. الكلمة لعبت فى دماغى.. من أنا؟.. هل أنا محمد عبدالمطلب؟.. هل أنا محمد الكحلاوى؟.. عزلت نفسى. عرف حليم بحالتى.. جاءنى: انت زعلان ليه يا محمد؟ افهم قصدى، لازم كل واحد فينا يبقى له لونه الخاص، تفتكر أنا وانت لو قلدنا حليم الرومى ولا محمد عبدالوهاب ومحمد عبدالمطلب.. هننجح؟ طبعا لأ.. فهل عمل رشدى بنصيحة حليم؟
 
استهلك رشدى عقدا كاملا فى الغناء بالموالد.. تزوج من راقصة درجة ثالثة.. غنى أغنيات تشبه أغنيات محمد عبدالمطلب.. لم يحقق نجاحا فى أى منها، فيما كان حليم قد صار المطرب الأول حرفيا والأكبر أجرا سواء فى الحفلات أو الأفلام.. شارك عبدالوهاب فى تأسيس شركة إنتاج، ومع نهاية العقد يكون قد قدم حوالى 11 فيلما ناجحا،  وقدم أكثر من مائة أغنية أكثرها لم يخفت توهجه حتى الآن، واستعان بحفنة من المؤلفين والملحنين الشبان وأيضا بألحان عبدالوهاب الذى أعاد اكتشاف نفسه مع حليم.. كما صادق عددا من المثقفين كإحسان عبدالقدوس وكامل الشناوى وصلاح جاهين ومصطفى أمين وتعلم منهم وتثقف.. عزز علاقته برجال الثورة كعبدالناصر.. وصار صديقا شخصيا لملك المغرب، وشارك فى كل حدث سياسى مصرى أو عربى بأغان لا يمكن التعامل معها كأغنيات مناسبات بدليل أنها ما زالت حية فى وجدان المصريين حتى الآن.
 
فى هذا السياق لا يمكن - بالنسبة لى - التعامل مع الحكاية الشائعة إلا باعتبارها وهما جماعيا لدى عقول تنحاز للفشل على حساب النجاح، وتتهم كل ناجح ربما لتعزيز فشلها الذاتى.
 
لا شك أن «حليم» شعر بالقلق حين نجحت أغنية تحت السجر 1964 وأغنية عدوية 1966، ولا شك أنه حاول مجاراة الموجة بغناء أغنيتين شعبيتين،  لكن لا شك أيضا أنه استعاد نصيحته لرشدى بأن يكون نفسه فلم يستمر فى محاولته تقليد الغناء الشعبى بعدها، لكنه - وبذكاء شديد - تمكن من تطويع الحس الشعبى فى غناء المدينة الذى يقدمه، والذى نجح به، فغنى بعدها أغنيات لها طابع شعبى دون أن تكون تقليدا لأحد مثل جانا الهوى، والهوى هوايا، وغيرها من الأغنيات، خاصة وقد اتجه وقتها للأغنية الطويلة استجابة لظروف مرضه التى أبعدته عن السينما «قدم خمسة أفلام على فترات متباعدة»، فاستعار بعض التيمات الشعبية فى المقدمات الموسيقية التى قدم بها أغنياته الطويلة مثل زى الهوى وموعود مثلا.
 
رشدى أحد أقطاب الغناء الشعبى فى مصر، لكن سيرته وسيرة حليم تدلل على أن نجاح رشدى كان نجاح المصادفة.. لم يسع لغناء أغنية لتنجح، لكن تصادف أن غنى أغنية حققت نجاحا، حتى علاقته الفنية بالأبنودى «السبب الرئيسى فى نجاحه» لم تكن باختياره ولكن باختيار الأبنودى، فهو الذى اختار صوته وهو الذى سعى إليه وهو الذى أعاده لمساره الفنى الحقيقى بعد سنوات من الاستهتار بموهبته.. «بليغ» أيضا هو الذى سعى لرشدى بعد سماعه تحت السجر، ويبدو أن رشدى طوال مسيرته الفنية لم يعِ أسباب نجاحه أو فشله على عكس حليم الذى كان - منذ اللحظة الأولى - مدركا لخريطة مشروعه، وواعيا بأدوات النجاح، ومستوعبا شخصيته الفنية، والأهم أنه اختار حدود طموحه.. لم يتوقف طموحه عند الاعتماد فى الإذاعة ولا عند الحصول على 17 جنيها عن الأغنية مثل رشدى.

ذكاء حليم 

فى موقف كاشف جدا عن ذكاء «حليم» يحكى العمروسى أن حليم عقب حفلة الإسكندرية الشهيرة التى رفض فيها أن يغنى أغنيات عبدالوهاب خرج من المسرح ليذهب لشاليه عبدالوهاب - حيث كان يعرف أنه يمضى هناك شهور الصيف - ليخبره بنفسه بما حدث قبل أن يعرف الأخبار من وسطاء الخير أو من الصحافة، رغم أن حليم كان مطربا جديدا، واهتم حليم بأن يشرح وجهة نظره لعبدالوهاب، كان يريد أن يكون نفسه، فكان!
 
مثّل نجاح عبدالحليم عقدة لكل المطربين الذين ظهروا بعده وأفقد بعضهم بوصلتهم.. كان حليم يغنى أغنية المدينة.. أغنية ذات طابع حداثى.. الملحنون الذين تعاون معهم كالموجى والطويل رغم تمردهم كانوا وهابيين «نسبة إلى الموسيقار عبدالوهاب» بدرجة أو بأخرى، وهو ما كان يعنى مزيجا من الموسيقى المصرية «وليست التركية» والغربية.. مزيج صنع مجدا موسيقيا كبيرا بروح عالمية الطابع. 
 
كان حليم ابن هذه المدرسة وأخلص لها، ويمكننا استدعاء التوزيع الموسيقى لأغانى حليم لفهم هذه المسألة، ومن جهة ثانية كانت لحليم رؤية فنية يمكن عنونتها بالبساطة. 
 
يقول الشاعر الكبير مرسى جميل عزيز «الذى كان شاعرا معروفا قبل ظهور عبدالحليم بعقد كامل»: كان عبدالحليم يشدنا للبساطة، ومثلما تخلص حليم على مستوى الأداء من الحليات خلّص كلماته أيضا من الاستعراض اللغوى، كانت الأغنية عنده بسيطة بساطة الشعور بالحب، هذا النجاح أفقد عدة مطربين بوصلتهم بداية من المطرب كمال حسنى الذى كان محاولة فاشلة لاستنساخ حليم «أنتجت له مارى كوين فيلم ربيع الحب بمشاركة أبطال فيلم لحن الوفاء واستقدمت له نفس الشعراء والملحنين الذين كتبوا ولحنوا أغانى لحن الوفاء لضرب حليم لأنه طلب أجرا أعلى»، مرورا بمحرم فؤاد الذى كان ذا شخصية باهتة ومترددة طوال الوقت بين الغناء العاطفى والشعبى «رغم بدايته الناجحة فى فيلم حسن ونعيمة قلّد حليم فى أفلامه وقدم أغنيات عاطفية»، وأخيرا محمد رشدى الذى لم يكتشف نفسه إلا بعد خمسة عشر عاما من انطلاقه هو وحليم، ورغم نجاحه فى تقديم أغنيات فلكلورية تغلب فيها على محاولات عبدالحليم فإنه كان يعتبر وصف عبدالحليم له بأنه «مطرب الأغنية الفلكلورية الأول» إهانة. 
 
نجح رشدى حتى أن مواله عن أدهم الشرقاوى تفوق جماهيريا على أغانى فيلم أدهم التى غناها عبدالحليم، ومع ذلك شعر بأن توصيفه كمطرب فلكلورى انتقاص منه،  والحقيقة أن هذا الوصف يحمل توصيفا صحيحا على المستوى الفنى، لأن رشدى أخلص للغناء الفلكلورى، لكنه - أى الوصف - به كثير من الظلم لرشدى لأنه فى النهاية أضاف لنسل الغناء الفلكلورى من المغنيين الشعبيين الذين كان يستمع إليهم فى الموالد فى دسوق وطنطا.. يمكننا هنا مقارنة غناء كل من رشدى وحليم لسيرة أدهم الشرقاوى لمعرفة الفارق بين المشروعين.
 
لام رشدى على حليم - وبرر تفوقه عليه أيضا - لأنه حين أنشد سيرة أدهم فى الفيلم غيّر وبدّل فى كلمات الموال! كان مشروع رشدى هو التماهى مع الشعبيين، ففضّل أن يغنى الموال بكلماتهم، كان كالذى يعيد غناء أغنيات الفلاحين ومناسباتهم بصوته، أما حليم فقد استعان بمرسى جميل عزيز لكتابة السيرة، أى أنه قام بإعادة كتابة السيرة الشعبية، يستلهمها ويتماس معها دون أن يقلدها أو ينسحق أمامها. 
 
هذا الفارق يمكن ملاحظته أيضا فى الأغانى الفلكلورية التى أداها حليم، أغنية كل ما أقول التوبة مثلا قدمها حليم بتوزيع أوركسترالى، فامتزج الغناء الفلكلورى القديم بالتوزيع الحديث، وبحسب على إسماعيل - موزع الأغنية - قدم حليم الأغنية لأول مرة فى حفل زفاف قبل تقديمها على المسرح بيوم ليستطلع استقبال الجمهور للتجربة، وشعر ليلتها أن على إسماعيل أفرط فى استخدام الأوركسترا، فاستدعاه لعمل تعديلات على التوزيع قبل تقديمها للجمهور فى اليوم التالى، وهو ما حدث. ومع ذلك شعر حليم بالقلق فطلب من الجمهور قبل غناء الأغنية أن يعينوه على التجربة واقترح عليهم أن يصفقوا فقط إن أعجبتهم وألا يصفقوا فى حال لم تعجبهم التجربة، ويبدو أن الجمهور استقبل الأغنية بفتور، ليس فحسب لأن الأغنية كانت غريبة على جمهور عبدالحليم باعتبارها أغنية فلكلورية لكن أيضا كانت غريبة لأنها كانت صاخبة بإفراط.
 
هذا المقال ليس عن حليم ولا عن رشدى، ولم يكتب بغرض تبرئة حليم، لكنه كتب بغرض الاندهاش من العقل الجمعى المصرى الذى اعتاد لوم الناجح على نجاحه، واختصار جهد مطرب ناجح كحليم فى علاقته بعبدالناصر، خاصة إذا ما عرفنا أن عبدالقادر حاتم وزير الثقافة والإرشاد القومى، اعترف «لدى تعليمات بأن تكون لرشدى أغنية كل أسبوع»، وذلك لأن غناء رشدى الشعبى كان أداة من أدوات النظام لدعم القرارات الاشتراكية. 
 
يقول الأبنودى لرشدى «خلى بالك المرحلة دى بتاعتك أكتر من عبدالحليم.. قرارات يوليو الاشتراكية محتاجة أغنية فيها بعد اجتماعى، أغنية فيها الفلاح والعامل البسيط والفقير»!
 
الفارق المدينى/الريفى بين المشروعين تُرجم خلال العقد الستينى إلى صراع بين الاشتراكية والليبرالية على نحو من الأنحاء.. تمايزت ثورة 19 الشعبية السابقة على ثورة يوليو بأنها أسست للثقافة الليبرالية، وأغلب الفنانين والمثقفين الذين أنتجوا الفن العظيم الذى نتباهى به فى عقدى الخمسينيات والسيتينيات كانوا من أبناء الليبرالية المصرية الذين نشأوا فى رحابها، حتى الذين آمنوا فيما بعد بثورة يوليو وشعاراتها وخاصة من أصحاب الميل اليسارى، وهؤلاء بالذات تم استخدامهم من قبل نظام يوليو لتمرير القوانين الاشتراكية كلها.
 
ويمكن فهم ذلك باستعراض الهجوم الذى ناله «حليم» خلال ذلك العقد، والذى وفر له حليم مادته بغناء الأغنيتين، فى رسمة كاريكاتير، ظهر حليم فى بانيو وهو يغنى «أنا كل ما أجول التوبة»، عبّر الرسام ساخرا من ذلك المطرب المرفه الذى يستخدم البانيو فيما يغنى أغنية شعبية يستبدل فيها حرف الجيم بالقاف.
 
تتجاهل السخرية أن رشدى نفسه كان يستخدم البانيو فى تلك الفترة، حتى ولو لم يكن فى ثراء حليم بالطبع.. كان وصف أى شخص بالثراء - فى تلك الفترة - شيئا معيبا للغاية، فمفهوم الاشتراكية كان يعنى أن نتشارك كلنا الفقر، وقبلها بأعوام أقرت قوانين الإصلاح الزراعى وانتزعت الأراضى من البرجوازيين الزراعيين، ثم أممت السلطة كل الشركات والمصانع وسلبت أصحابها حقوقهم.. الاشتراكية ضد فكرة الملكية، ومن ثم فإن هدف الجميع أن يخفوا ما يمتلكونه ليس فحسب ليتجنبوا السلطة ولكن أيضا ليتجنبوا العار. 
 
هذا الإرث الثقيل دفع كثيرا من المصريين إلى لوم الناجح على نجاحه، على ضغطهم على كل ناجح لتقديم تبرير لنجاحه.
 
p
p

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة