ألقى الدكتور محمد أبو الحسن، مدير تحرير صحيفة الأهرام، محاضرة في معرض الكتاب حول المؤتمر الافريقي لتعزيز السلم "دافوس العلماء"، مستعرضا خلالها دور المؤتمر في نشر الوعي، وهو ما قاده رئيس منتدى أبوظبى للسلم، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، الشيخ عبد الله بن بيه الذي يكره التعصب وانطوائية الأيديولوجيات، موضحا أن "بن بيه" أحد المجددين وشخصية إصلاحية بامتياز، وتتميز بنشرها للتسامح والتعايش وقبول الآخر.
أشار الدكتور محمد أبو الحسن إلى دور الشيخ بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، الذي يقف ضمن الموجة الأخيرة من دعاة الاستفاقة والنهوض والانفتاح على الآخر، ومن أبرز الملامح التي تطبع فكره وعمله "استعادة السكينة في الدين عبر مكافحة التطرف والإصلاح، ونشر فكرة السلام بين الأديان عبر التسامح والتعارف وإقامة الشراكات، والإسهام في التأسيس لعهدٍ جديدٍ في الزمان الجديد للدولة الوطنية العربية والإسلامية المتقدمة والجامعة، والدخول بقوة الفكر والفكرة على عالم العصر وعصر العالم، في مجال تدافُع القيم بين السلم والعدل".
وأوضح أبو الحسن أن الشيخ بن بيه يجسد الفكر العربي- الإسلامي النموذج الكلاسيكي للمجدد الذي يصبغ عصره بصبغته هو، حيث يرى أن الواقع لا يمكنه تجاوز الدين، مؤكدا أن الحل يكمن في مواجهة إشكالية أدلجة الدين، لا الدين نفسه الذي يجب تحريره وتخليصه مما لحقه من تأويلات متطرفة وشروحات مغرضة، جاءت في فترات متأزمة، فتحولت مع مرّ الزمن إلى دين مُنزّل من عند الله.
وأوضح أن نهضة الأمم لا توهب، لكن تبنى، وأول مدماك فيها فكر بصير وعمل مخلص، من أجل ذلك قدّم الشيخ عبد الله بن بيه عشرات الأوراق البحثية عن قضية تجديد الفكر الإسلامي، تطرق خلالها إلى عناصر الجمود أو الشطط في بعض صور الخطاب الديني، منتهيًا إلى ضرورة مراجعة ذلك الخطاب، وتصحيح فهم كثير من القائمين عليه للإسلام ذاته بجوانبه المتصلة بالعقيدة أو بالأخلاق أو بالشريعة، بما يعين على تجديد الفكر الإسلامي عامة والفقه الإسلامي خاصة.
أشار إلى أن أفكار بن بية حفيظة أثارت قطاع من المتشددين وجماعات الإسلام السياسي، متهمين إياه بالتساهل، وأحيانا التفريط، لكن ذلك لم يوقفه عن مواصلة أفكاره التجديدية، كاشفا بالأدلة النقلية والعقلية عن تهافت حججهم وزيغ دعاواهم وضلال مسلكهم العنيف المدمر، موضحا انه يملك خبرة كبيرة في المؤسسات والمجامع العلمية والفقهية، وهو رجل سياسة على دراية بالقضايا الدولية والإقليمية.
وأوضح أن "بن بية" أولى اهتمامًا خاصًا بالحفاظ على الدولة الوطنية المدنية والتعددية والدستورية، مستندا إلى "صحيفة/ دستور المدينة" الذي عقده الرسول صلى الله عليه وسلم، لتأسيس كيانٍ قال عليه السلام إنه "أمةٌ من دون الناس"؛ يقوم على العيش المشترك والإنصاف والتضامُن وحفظ الحقوق والحريات بين فئات من الناس مختلفين دينا وتنظيما اجتماعيا.
أكد "أبو الحسن" أن الشيخ بن بية بلور مشروعًا لعلاقات أُخرى بين المسلمين والآخرين العائشين معهم في ديارهم، من المختلفين دينا ونهج حياة، استنادًا إلى التسامح والمواطنة، والعيش المشترك، دون تمييز. وتصدى في الوقت نفسه لمشكلات الأقليات المسلمة، وعوائق الاندماج، والإسلاموفوبيا.
أوضح أن دعوة الشيخ بن بية لـ "حلف الفضول الجديد" تمثل استعادة للإسلام، من أيدي خاطفيه "الأقلية التحريضية المتصلبة"، والتوجه إلى الغرب والشرق بخطاب حضاري، ودعوة المهاجرين إلى الاندماج الواعي، بدلًا من العزلة والانعزال، مؤكدا أن الإسلام أول ضحايا الفهم الخاطئ لتيار الإسلام السياسي المتطرف، والفهم الخاطئ للتيار العلماني المتشدد، موضحا أن الفريقان يغفلان عن أن "الأحكام الشرعية- بل الدين كله- إنما جاء لمصلحة الإنسان فردًا أو جماعة."
أضاف: لم يتمكن العرب والمسلمون من دخول عالم الحداثة الحقة، لم يتح لهم إلا حداثة شكلية منقوصة، حداثة تقنية برانية "قشرية" في السياسة والاقتصاد والثقافة،...، وإذا كان الإسلام "يراد به الخضوع والانقياد لأمر الله، والتسليم لقضائه وأحكامه والرضى بها، فهو مجموعة من الشرائع التي ليس فيها ما يخالف مصالح المجتمع وتقدمه وتطوره، فإذا حدث أن تعارض حكم شرعي– في ظرف من الظروف- مع المصلحة العامة، وجب الأخذ بعين الاهتمام المصلحة العامة".
ولفت إلى أن المدافعين عن أطروحة الإسلام السياسي يسعون لأسلمة المجتمع، بإعادة بناء الفرد والمجتمع والوصول إلى السلطة وإقامة ما يُسمى بـ"الدولة الإسلامية". وقد ظهرت هذه "الأيديولوجيا" عند عدد من الحركات الأصولية الإسلامية في إعطاء تصوّرات مسبقة شاملة لسائر القضايا، دون الاقتراب من الواقع، ورسم سمات (مثالية) عن المجتمع المنشود، كما هي عند الفارابي أو توماس مور مثلًا، حاولت في غالبها استنساخ مراحل العمل التي مرّت بها الدعوة النبويّة، كمنهجيةّ للوصول إلى بناء "الدولة الإسلامية".
وأوضح أن الشيخ بن بية أخذ على عاتقه مهمة إعادة بناء العلوم والمعارف المتصلة بالنظر الفقهي، بوصفها شرطا للنهضة الحضارية، متحريا الركائز الأساسية للفكر الإسلامي، ممثلة في أشكال الإدراك ومحاكمة الأشياء، ثم أطر التعبير وآليات الانتقاء، لتطوير التراث لا الانحباس فيه، بعيدا عن الانهزامية أو الانطوائية؛ بغية وضع حد للتشرذم والتخلف والانحطاط في بلاد الإسلام، مقدما إجابات شافية لقضايا شائكة، طيلة قرون، عبر مفهوم معرفي للدين، يصالحه مع الواقع، وينزع عنه التأويلات المتخلفة أو المتطرفة، ويشحذ إرادة التقدم ويفتح نوافذ الأمل.
ولفت إلى أن الشيخ بن بية يدعو إلى فض الاشتباك بين صور قراءة النصوص الدينية ومستجدات الواقع؛ رافضا اجتزاء النصوص والاجتهادات العبثية وفوضى الفتاوى وتحميل الواقع أحكاما قد لا تراعي المقاصد الرئيسية للإسلام، معتبرًا أن المنهجية المقاصدية أصبحت "واجب الوقت" للخروج من تناقضات ذهنية المسلم المعاصر مع متغيرات الأزمنة الحديثة.
أشار إلى أن الدين ارتبط بالجانب الثقافي في تاريخنا، وعندما تم إقفال باب الاجتهاد توقف الحراك الثقافي والفكري، وران الخمول على العقل، ونشأت في ظل هذا الواقع المتردي ظاهرة الأُحادية في التفسير والرأي، ما يعني غياب الجدل وجفاف النسغ الذي يستمدُ منه الفكرُ زخمه؛ يدرك بن بيه تمام الإدراك أنه إذا بقي العرب والمسلمون، تحت ربقة التقليد والجمود فإنهم سيظلون على هامش الحياة، يستهلكون ما يبتكره الآخرون في العلوم المختلفة؛ لذلك فإن فتح باب الاجتهاد ثانية بات ضرورة ملحة، على حد قوله.
شدد الدكتور أبو الحسن على ضرورة التجديد لاستعادة الفهم الصحيح للدين الحنيف الذي اختطف رهينة من قبل جماعات العنف والإرهاب الظلامية؛ لاسيما أن التوظيف السياسي للإسلام، على يد الحركات الإسلامية المتطرفة، ألحق أضرارا بالغة بالدولة والمجتمع والإسلام معا، وأجج صراعا سياسيا واجتماعيا على الدين والشرعية، على حساب القيم التي تنظم علاقة الدولة بالمجتمع.
وردا على سؤال "اليوم السابع" حول دور المنتدى الافريقي لتعزيز السلم لإرساء السلام والاستقرار في العالم، أكد الدكتور ابو الحسن أن المنتدى هو فرع من منتدى أبو ظبي للسلم وهي منصة عالمية تشمل العالم شرقا وغربا، مؤكدا أنه يقوم بجهد متميز في نشر السلم والتصدي للعنف من خلال الفهم الصحيح لمقاصد الشريعة الإسلامية.
أشار أبو الحسن إلى حرص المنتدى على إرساء الأمن والاستقرار ورأب الصدع بين الفرقاء في ليبيا والسودان من خلال تنظيم اجتماعات لكبار الشيوخ والفاعلين في المشهدين الليبي والسوداني باجتماعات في العاصمة نواكشوط.
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (3)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (4)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (5)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (6)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (7)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (8)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (9)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (10)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (11)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (12)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (13)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (14)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (15)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (16)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (1)
محاضرة عن المؤتمر الأفريقى لتعزيز السلم دافوس العلماء (2)
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة