تزامن ملفت، بين اشتعال الجبهة السورية، من قبل الفصائل المسلحة، وسيطرتها على العديد من المدن، من جانب، اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، في ضوء العديد من المعطيات، ربما أبرزها أن العدوان على لبنان قوض الكثير من إمكانات حزب الله، والذي يمثل أحد أضلاع محور الممانعة، بالإضافة إلى رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في استمرار حالة الاشتعال الإقليمية، بحيث لا يمنح فرصة لالتقاط الأنفاس، حتى يتسنى لقواته مواصلة الانتهاكات التي ترتكبها في قطاع غزة، وبالتالي تنفيذ خطته القائمة في الأساس على تصفية القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي لم يسمح به الغرب، خاصة في أوروبا باستمراره في لبنان، والتي تمثل أحد نقاط النفوذ بالنسبة لهم، في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يفسر حالة الضغوط الكبيرة التي مارسها الاتحاد الأوروبي، والعديد من القوى الرئيسية في القارة العجوز، بعد صدور أوامر الاعتقال بحقه ووزير دفاع السابق يوآف جالانت، من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
ويعد تحويل دفة الصراع من لبنان إلى سوريا، كان محكوما بالعديد من المعايير، في رؤية تل أبيب، ربما أبرزها هشاشة الوضع الداخلي في الأراضي السورية، منذ أحداث الربيع العربي، وهو الأمر الذي يسمح بإشعالها دون تداخل مباشر من الاحتلال، وهو ما يمنح الاحتلال مساحة للابتعاد عن خانة الإدانة الدولية، باعتباره ليس طرفا مباشرا في الصراع، على عكس ما كان عليه الوضع في لبنان، بالإضافة إلى كونها ضلع آخر من أضلاع الممانعة، وبالتالي تمثل أحد القوى الداعمة لحزب الله إلى جانب إيران، بينما يبقى اشتعال الجبهة الداخلية في سوريا بمثابة فرصة جديدة لصرف الأنظار عن الأوضاع في غزة، والتي تبقى أحد أهم الأولويات في أجندة نتنياهو وحكومته.
الاستهداف الإسرائيلي غير المباشر لسوريا سبقته العديد من الإرهاصات، ربما أبرزها ما يمكننا تسميته بـ"التمويه" الدبلوماسي، الذي مارسته حكومة الاحتلال، قبل المصادقة على وقف إطلاق النار بأيام قليلة، عندما بعثت برسالتين، أحدهما إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والأخرى إلى مجلس الأمن، حول ما تتعرض له من تهديدات من قبل العراق، في محاولة لاستدعاء ذريعة الدفاع عن النفس مجددا، في إشارة صريحة إلى رغبة نتنياهو العارمة في فتح جبهة جديدة للصراع، لتكون بديلا عن الجبهة اللبنانية، التي اضطر فيها إلى الرضوخ إلى الإرادة الدولية فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، بينما اعتمد في الوقت نفسه من منهج الصدمة، عبر إعادة مشهد العقد الماضي، بإثارة الاقتتال الأهلي مجددا، لتنتهي الأمور بعد أيام قليلة بسقوط النظام، ورحيل بشار الأسد، بينما تطغى الفوضى على الشوارع بعد ساعات قليلة من المستجدات، بين أعمال نهب وسرقة، مرورا بانتهاك المنشآت الدبلوماسية، وحتى بيع الأسلحة عيانا بيانا في الشوارع دون ردع.
الخطوات الاستباقية الإسرائيلية تحولت مباشرة نحو سوريا في ليلة تنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان، عندما حذر نتنياهو الرئيس السوري بشار الأسد بشكل مباشر، موجها حديثه له بالقول إنه "يلعب بالنار"، في إطار دعمه لحزب الله، ليشن الاحتلال في نفس الليلة غارات على المعابر بين سوريا ولبنان لأول مرة قبل دخول الاتفاق حيز النفاذ بوقت قصير.
إلا أن سقوط النظام وحلول الفوضى في الداخل السوري، على ما يبدو ليس كافيا، لتتحرك قوات الاحتلال نحو خطوات أخرى، منها الإعلان عن انهيار اتفاقية فصل القوات التي تعود إلى عام 1974، بشأن الجولان، لتستتبعه خطوة الاستيلاء على مزيد من الأراضي في سوريا، وهو ما يمثل امتدادا للرؤية القائمة على التوسع، والتي تسعى إليها الدولة العبرية عبر مسارات متعددة، منها العدوان المباشر، على غرار ما تشهده غزة، بينما يبقى إثارة الفوضى في الداخل، مسارا آخر، وربما أكثر فاعلية، على غرار ما شهدته المنطقة في العقد الماضي، بينما تجلى بصورة أكثر وضوحا في المستجدات الأخيرة في سوريا.
ولعل الحديث عن هجوم إسرائيلي على سوريا، في ظل الأوضاع الراهنة، لن يحظى بالزخم الدولي الذي شهدته الحالة اللبنانية، والتي يبقى ارتباطها بالغرب الأوروبي أحد أهم النقاط الفارقة، التي ساهمت في إنهاء الصراع، والوصول إلى نقطة الاتفاق حول وقف إطلاق النار، خاصة وأن ذريعة الدفاع عن النفس في ضور المستجدات الأخيرة حاضرة بقوة، في ضوء ما قد تعتبره تهديدا صريحا لأمنها جراء حالة عدم الاستقرار على الأراضي السورية.