خلال الأيام الماضية انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى، جدلا حول مرور إحدى السفن من الممر الملاحى لقناة السويس، مما جعل الهيئة تصدر بيانا رسميا تؤكد فيه التزامها بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تكفل حرية الملاحة البحرية للسفن العابرة للقناة سواء كانت سفن تجارية أو حربية دون تمييز لجنسية السفينة، وذلك اتساقاً مع بنود اتفاقية القسطنطينية التي تشكل ضمانة أساسية للحفاظ على مكانة القناة كأهم ممر بحري في العالم، وتعد وثيقة ملزمة للتعامل داخل قناة السويس.

وأوضح هيئة قناة السويس أن عبور السفن الحربية لقناة السويس يخضع لإجراءات خاصة، وهو الأمر الذى فتح الباب حول ماهية الاتفاقيات الدولية المنظمة للمرور، خاصة اتفاقية القسطنطينية التي وقعت عام 1888م ، وهى الاتفاقية التي ترسم الملامح الأساسية لطبيعة التعامل الدولي لقناة السويس حيث حفظت حق جميع الدول في الاستفادة من هذا المرفق العالمي، والتي عبرت عنها الاتفاقية في مادتها الأولى بالنص على" أن تكون قناة السويس البحرية على الدوام حرة ومفتوحة سواء في وقت الحرب أو فى وقت السلم، لكل سفينة تجارية أو حربية دون تمييز لجنسيتها.

ملوك الدول المجتمعون لتوقيع اتفاقية القسطنطينية
وتعود قصة اتفاقية القسطنطينية إلى 29 أكتوبر سنة 1888 ، حيث اجتمع ملكة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا وإمبراطورة الهند ، وإمبراطور ألمانيا وملك بروسيا ، و امبراطور النمسا وملك بوهيميا وملك المجر الرسولى ، وملك اسبانيا النائبة عنه الملكة الوصية على العرش ورئيس الجمهورية الفرنسية ، وملك إيطاليا ، و ملك الأراضى المنخفضة ودق لكسمبورج ، و امبراطور سائر الروسين، وامبراطور العثمانيين، رغبة منهم فى ان يقرروا ، بصك اتفاقى، نظاما نهائيا يضمن فى كل وقت ولجميع الدول حرية استخدام قناة السويس البحرية، ويكمل أيضا النظام الذى خضعت له الملاحة بمقتضى فرمان جلالة السلطان المؤرخ فى 22 فبراير 1866 (2 من ذى القعدة 1282) والمصدق على الامتيازات الصادرة من سمو الخديو , قد عينوا مندوبيهم المفوضين، وتنص في مادتها الأولى على أن تكون قناة السويس البحرية على الدوام حرة ومفتوحة سواء في وقت الحرب او فى وقت السلم، لكل سفينة تجارية او حربية دون تميز لجنسيتها، واتفقت الدول السامية المتعاقدة على ألا تمس بأى شكل حرية استخدام القناة، سواء فى وقت الحرب او وقت السلم، ولا تخضع القناة أبدا لمباشرة حق الحصر.
كما تشمل مادة أخرى حول طبيعة مصر في التعامل مع القناة وتنص على أن تتخذ الحكومة المصرية، في حدود سلطاتها المستمدة من الفرمانات وبالشروط الواردة فى المعاهدة الحالية، التدابير اللازمة التى تحمل على احترام تنفيذ المعاهدة المذكورة.

ومن نصوص اتفاقية القسطنطينية وغيرها، يظهر أن هناك التزامات دولية، يجب تنفيذها في الممر الملاحى لقناة السويس، والتعامل مع كافة السفن بالوسائل المتاحة والمحددة، ولا تخضع للأمور التقديرية، سواء كانت سفن تجارية أو حربية، وهو الأمر الذى يتم التعامل فيه في كافة الممرات البحرية المناظرة في أي دولة في العالم.
استاذ قانون دولي: قواعد عبور السفن الحربية لقناة السويس تحكمها اتفاقيات دولية ملزمة
أكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، أن المواثيق والاتفاقيات الدولية المنظمة لحركة الملاحة في قناة السويس تمثل إطاراً قانونياً ملزماً للدول الأطراف، مضيفا: نتفهم مشاعر الغضب الشعبي العالمي والمصري تجاه الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في غزة، وهي مشاعر إنسانية نبيلة تعبر عن ضمير العالم الحر.

مرور السفن فى قناة السويس
وفي هذا الصدد أوضح مهران في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 تنظم حركة الملاحة في القناة وتضمن حرية المرور في أوقات السلم والحرب، مشيراً إلى أن الاتفاقية تتيح لمصر اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أمنها القومي وسلامة الملاحة في حالات محددة.
وأشار مهران إلى أن التاريخ القانوني للممرات المائية الدولية يحفل بحالات تم فيها منع أو تقييد مرور السفن الحربية استناداً لاعتبارات الأمن القومي والسلامة الملاحية، ففي قناة بنما على سبيل المثال، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات لمنع مرور سفن حربية ، لافتا الي أنه في الأزمات الدولية المختلفة، أكدت الممارسات الدولية أن سلامة الملاحة وحماية الأمن القومي تمثل مبررات مشروعة لتقييد حركة السفن الحربية في الممرات المائية الدولية، مع الحفاظ على الالتزام بأحكام القانون الدولي.

هذا وشدد الخبير الدولي على أن القانون الدولي يمنح الدول المشرفة على الممرات المائية الدولية حق اتخاذ تدابير استثنائية في حالات محددة تشمل تهديد السلامة الملاحية أو وجود مخاطر بيئية أو أمنية حقيقية.
كما بين أن النظام القانوني الدولي يواجه تحدياً كبيراً في التوفيق بين الالتزامات التعاهدية والمبادئ الإنسانية في ظل الأزمات الدولية الراهنة، موضحا أن المواثيق الدولية المنظمة للملاحة في الممرات المائية الدولية تأتي في إطار منظومة متكاملة من القواعد القانونية، مشدداً على ضرورة تطوير آليات القانون الدولي لتكون أكثر استجابة للمتغيرات العالمية والاعتبارات الإنسانية.

وتابع مهران: نحن أمام وضع استثنائي يتطلب مراجعة شاملة من المجتمع الدولي لمنظومة القانون الدولي، خاصة في ظل المشاعر الإنسانية المشروعة للشعوب تجاه ما يحدث من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني في غزة.
وفي ختام تصريحاته شدد أستاذ القانون الدولي على أن مجلس الأمن والمجتمع الدولي مطالبان بتحمل مسؤولياتهما في إيجاد آليات فعالة لضمان احترام القانون الدولي وحماية المدنيين، ولوقف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للقانون الدولي، مؤكداً أن عدم احترام إسرائيل لقواعد القانون الدولي الإنساني وارتكابها جرائم حرب موثقة في غزة يستوجب موقفاً دولياً حاسماً، ومشيراً إلى أن الالتزامات القانونية يجب أن تتوافق مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.