يعتبر "مؤتمر الصمود والتحدي" واحدًا من أبرز الأحداث التاريخية التي جسدت صمود ومواجهة مشايخ وأعيان سيناء ضد محاولات الاحتلال الإسرائيلي. ففي هذا الحدث البارز، تمكن مشايخ بدو سيناء من إفشال محاولة إسرائيل تدويل سيناء، مؤكدين أن أرضهم مصرية وأن رئيسهم هو الزعيم جمال عبد الناصر، على الرغم من المحاولة الإسرائيلية لعزل سيناء دوليًا.
تم تنظيم المؤتمر في مدينة الحسنة بوسط سيناء يوم 31 أكتوبر 1968، بحضور عدد كبير من وسائل الإعلام العالمية، وكانت إسرائيل تأمل أن تخرج من المؤتمر بتأييد دولي لعزل سيناء وإعلان استقلالها.
وأوضح الشيخ عبد الله جهامة، رئيس جمعية مجاهدي سيناء، أن إسرائيل قد أعدت لهذا المؤتمر بعناية فائقة، وكانت تسعى من خلاله إلى الحصول على دعم مشايخ وعواقل سيناء لمشروع تدويل المنطقة. إذ كانت تخطط لإقامة المؤتمر تحت رعاية قادة إسرائيل وبحضور الإعلام العالمي، ليكون مشايخ سيناء هم من يعلنون للعالم عن رغبتهم في عزل سيناء عن مصر. ولكن على الرغم من ذلك، كانت القيادة المصرية واعية لهذا المخطط من خلال شبكتها الواسعة من الأبطال والمجاهدين السيناويين الذين رصدوا تحركات العدو وساهموا في إحباط المحاولة.
وأضاف الشيخ جهامة أن موقف مشايخ سيناء كان واضحًا منذ البداية، حيث رفضوا المؤتمر وفكرته جملةً وتفصيلًا. لكن، وبحكمة بالغة، قرروا المشاركة فيه بغرض توجيه صفعة قوية للعدو الإسرائيلي. كانت القيادة الإسرائيلية في غاية السعادة لموافقة مشايخ سيناء على المشاركة، إذ اعتقدت أنها ستحقق ما تصبو إليه من دعم دولي لمشروعها. ولكن عندما جاء يوم المؤتمر، كان مشايخ سيناء قد أعدوا مفاجأة مدوية.
عندما بدأ المؤتمر، تحدث المسؤولون الإسرائيليون عن "الإنجازات" التي قدموها لسكان سيناء وعن آمالهم وطموحاتهم المستقبلية. ثم جاء دور شيوخ سيناء للتحدث، ووقع الاختيار الذي كان مخططًا له مسبقًا على الشيخ سالم الهرش ليكون المتحدث باسمهم.
بدأ الشيخ سالم حديثه بنبرة توافقية توحي للإسرائيليين بأن سيناء قد تكون دولية، مما زاد من تفاؤلهم. ولكنه فاجأ الجميع عندما قال بوضوح لا لبس فيه: "سيناء مصرية وستبقى مصرية، ولا نملك فيها شبراً واحداً يمكننا التفريط فيه. ومن يريد الحديث عن سيناء، يتكلم مع زعيم مصر جمال عبد الناصر". كانت هذه الكلمات صاعقة على الإسرائيليين، حيث أفسدت كل ما كانوا يخططون له.
من الجدير بالذكر أن مشايخ سيناء كانوا قد نسقوا فيما بينهم مسبقًا وأجمعوا على إفشال المؤتمر. إذ كانت القيادة المصرية تتابع عن كثب وترتب مع شيوخ سيناء لتحويل الحدث من محاولة لتدويل سيناء إلى لحظة حاسمة لإعلان موقفها الثابت بأنها جزء لا يتجزأ من مصر.
وعندما طلب الإسرائيليون من شيوخ سيناء الإدلاء برأيهم أمام الإعلام الدولي، كان الشيخ سالم الهرش المتحدث الرسمي للقبائل، وبتخطيط دقيق وذكاء سياسي، أكد مجددًا أن سيناء مصرية تمامًا ولا يحق لأحد التحدث عنها سوى جمال عبد الناصر.
بعد هذا الحدث، تم نفي الشيخ سالم الهرش إلى الأردن كنوع من العقاب من قِبل السلطات الإسرائيلية. لكنه عاد بعد سنوات والتقى بالرئيس جمال عبد الناصر الذي كرمه وأهداه مجموعة من الهدايا التقديرية، شملت طبنجة، عباءة، وسيارة جيب. وقد تبرع الشيخ سالم بكل الهدايا للقوات المسلحة المصرية، باستثناء العباءة التي اعتبرها رمزًا وتذكارًا من الزعيم عبد الناصر.
عاد الشيخ سالم الهرش إلى سيناء بعد انتصار حرب أكتوبر عام 1973، حيث رحبت به القبائل وعادت سيناء إلى سيادة مصر. عاش الشيخ سالم الهرش حتى عام 2001، تاركًا خلفه إرثًا من الوطنية والتضحية من أجل مصر، ومثّل رمزًا للصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي ومحاولاته البائسة لعزل سيناء عن وطنها الأم.
يعتبر "مؤتمر الصمود والتحدي" من الأحداث التي لا تنسى في تاريخ سيناء، حيث أبرز شجاعة وتلاحم مشايخها مع الدولة المصرية. كما يوضح الدور الحيوي الذي لعبته القبائل السيناوية في دعم مصر ضد مخططات الاحتلال الإسرائيلي، وما زال هذا الحدث محفورًا في ذاكرة المصريين كدليل على قوة الإرادة المصرية والتمسك بالأرض مهما كانت الظروف.

الشيخ سالم الهرش

من التحضيرات للمؤتمر

مؤتمر الصمود والتحدي

-مؤتمر-الحسنة-بوسط-سيناء