وليد فكرى

الله يريدنى أن أقتلك «3»

السبت، 05 أكتوبر 2024 10:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

‮«‬أنا‭ ‬بخير‭ ‬وأنت‭ ‬لست‭ ‬كذلك‮»‬‭.. ‬هكذا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نلخص‭ ‬مرض‭ ‬البارانويا‭ ‬النفسى،‭ ‬حيث‭ ‬يشعر‭ ‬المصاب‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬عظيم‭ ‬ورائع‮»‬‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬محيطه‭ ‬يكرهه‭ ‬ويعاديه‭ ‬ويستهدفه‮»‬‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬

يمكننى‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬بثقة‭ ‬إن‭ ‬الشذوذ‭ ‬فى‭ ‬فكر‭ ‬وسلوك‭ ‬المتطرف‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الشعور،‭ ‬الذى‭ ‬يبرر‭ ‬له‭ ‬عداءه‭ ‬للآخر‭ ‬المختلف‭ ‬عنه‭- ‬داخل‭ ‬مجتمعه‭ ‬وخارجه‭-‬واستباحته‭ ‬ارتكاب‭ ‬أفظع‭ ‬الجرائم‭ ‬بحق‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭. ‬

ولأننى‭ ‬أميل‭ ‬للشرح‭ ‬العملى‭ ‬لكونه‭ ‬أسرع‭ ‬وأيسر‭ ‬فى‭ ‬تقديم‭ ‬المعلومة‭ ‬واستيعاب‭ ‬المتلقى‭ ‬لها،‭ ‬دعونا‭ ‬نحاول‭ ‬تطبيق‭ ‬رأيى‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬حالات‭ ‬التطرف‭ ‬التى‭ ‬طالعناها‭ ‬فى‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة‭ ‬من‭ ‬المقالات،‭ ‬الذى‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬تراجعه‭ ‬فى‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قد‭ ‬قرأته‭ ‬بعد‭.‬

‮«‬1» كانت‭ ‬دولة‭ ‬أشور‭ ‬العراقية‭ ‬القديمة‭ ‬مفتقرة‭ ‬إلى‭ ‬مقومات‭ ‬الازدهار،‭ ‬التى‭ ‬تمتعت‭ ‬بها‭ ‬النماذج‭ ‬الحضارية‭ ‬المحيطة‭ ‬من‭ ‬بابليين‭ ‬وفينيقيين‭ ‬ومصريين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬فكانت‭ ‬الحاجة‭ ‬هنا‭ ‬هى‭ ‬إسكات‭ ‬الشعور‭ ‬بالنقص‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬أبناء‭ ‬تلك‭ ‬الحضارات‭.. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬ولدت‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬عباد‭ ‬الإله‭ ‬أشور‭ ‬الذى‭ ‬ميزنا‭- ‬فقط‭ ‬لأننا‭ ‬نحن‭- ‬عن‭ ‬باقى‭ ‬البشر‭ ‬بأن‭ ‬أمرنا‭ ‬بالتسيد‭ ‬عليهم‭ ‬وإنزال‭ ‬أشد‭ ‬وأغلظ‭ ‬بمن‭ ‬يتحدى‭ ‬احتلالنا‭ ‬أرضه‭ ‬وسلبنا‭ ‬ثرواته‮»‬‭. ‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬خرجت‭ ‬الجيوش‭ ‬الأشورية‭ ‬من‭ ‬عاصمة‭ ‬الدولة‭ ‬‮«‬نينوى‮»‬‭ ‬لتجتاح‭ ‬العراق‭ ‬والشام‭ ‬ومصر،‭ ‬وترتكب‭ ‬بها‭ ‬أعتى‭ ‬المجازر‭ ‬سالفة‭ ‬الذكر‭.. ‬طبعا‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدى،‭ ‬وسعت‭ ‬للمقاومة‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬النير‭ ‬الأشورى،‭ ‬هنا‭ ‬تطورت‭ ‬فكرة‭ ‬التفوق‭ ‬الأشورى‭ ‬وضمت‭ ‬فكرة‭ ‬أخرى‭ ‬هى‭ ‬‮«‬إن‭ ‬العالم‭ ‬يبغضنا‭ ‬لا‭ ‬لأن‭ ‬وجودنا‭ ‬يرتبط‭ ‬بالدمار‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء،‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬القوم‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأشور‭ ‬العظيم‭ ‬يحقدون‭ ‬على‭ ‬انتصاراتنا‭ ‬وإمبراطوريتنا‭ ‬العظيمة،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬نذيقهم‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الدمار‭ ‬والإذلال‮»‬‭.

هكذا‭ ‬كانت‭ ‬فكرة‭ ‬معاداة‭ ‬العالم‭ ‬أسهل‭ ‬عند‭ ‬الأشوريين‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬تحدى‭ ‬الظروف،‭ ‬وتطويع‭ ‬الطاقة‭ ‬البشرية‭ ‬الجماعية‭ ‬لتقديم‭ ‬إنتاج‭ ‬حضارى‭ ‬ذو‭ ‬قيمة،‭ ‬وهكذا‭ ‬تشكلت‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬والصراع‭ ‬الذى‭ ‬يتلخص‭ ‬فى‭ ‬‮«‬إما‭ ‬نحن‭ ‬أو‭ ‬هم‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬صراع‭ ‬لا‭ ‬ينتهى‭ ‬عادة‭ ‬إلا‭ ‬بدمار‭ ‬أحد‭ ‬الطرفين‭ ‬أو‭ ‬كلاهما‮»‬‭. ‬
صحيح‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬العالم‭ ‬آنذاك‭ ‬كان‭ ‬‮«‬إما‭ ‬أن‭ ‬تغزو‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تغزى‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬الغزوات‭ ‬آنذاك‭ ‬كانت‭ ‬الحرب‭ ‬تمثل‭ ‬فيها‭ ‬الوسيلة‭ ‬لا‭ ‬الغاية،‭ ‬وكانت‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تنتهى‭ ‬بتجارب‭ ‬حضارية‭ ‬راقية‭ ‬وتأمين‭ ‬للسلام،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الملوك‭ ‬المحاربين‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬القديمة‭ ‬فى‭ ‬غزواتهم‭ ‬فى‭ ‬الشام‭ ‬وحوض‭ ‬النيل،‭ ‬لكن‭ ‬الأشوريين‭ ‬آمنوا‭ ‬بالحرب‭ ‬لمجرد‭ ‬الحرب،‭ ‬فكانت‭ ‬نهايتهم‭ ‬نتيجة‭ ‬مستحقة‭.‬

‮«‬2» ما‭ ‬دام‭ ‬مجتمع‭ ‬الإسكندرية‭ ‬القديم‭ ‬مستوعبا‭ ‬للتنوع‭ ‬والاختلافات،‭ ‬وكانت‭ ‬المجامع‭ ‬الحضارية‭ ‬بالمدينة‭ ‬كـ«الآجورا‮» ‬‭- ‬ساحة‭ ‬الحوار‭ ‬الشعبى ‭- ‬و«الجمنيزيوم‮» ‬‭- ‬منتدى‭ ‬الفكر‭ ‬والتأهيل‭ ‬لاستحقاق‭ ‬المواطنة‭ ‬السكندرية ‭- ‬والمؤسسات‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية‭ ‬كالمكتبة‭ ‬والموسيون ‭- ‬المؤسسة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬السكندرية ‭-‬ ساحات‭ ‬للحوار‭ ‬والمناظرات‭ ‬والمجادلات‭ ‬الثرية‭.‬

لهذا‭ ‬مثل‭ ‬اغتيال‭ ‬شرذمة‭ ‬من‭ ‬المتطرفين‭ ‬للعالمة‭ ‬هيباتيا‭ ‬حدثا‭ ‬شاذا‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬المدينة‭ ‬العريقة،‭ كانت‭ ‬هيباتيا‭ ‬من‭ ‬معتنقى‭ ‬ديانة‭ ‬الإله‭ ‬السكندرى‭ ‬البطلمى‭ ‬سيرابيس،‭ ‬وكان‭ ‬قتلتها‭ ‬مسيحيين،‭ ‬ولكن‭ ‬متى‭ ‬كان‭ ‬اختلاف‭ ‬المعتقد‭ ‬الدينى‭ ‬مشكلة‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬القديمة؟‭ ‬لماذا‭ ‬قتلوها‭ ‬إذن؟

كان‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬قتلتها‭ ‬عانوا‭ ‬قصورا‭ ‬فى‭ ‬قدراتهم‭ ‬الذهنية‭ ‬والعلمية‭ ‬عن‭ ‬مجاراة‭ ‬مجتمع‭ ‬المدينة‭ ‬المتسامح،‭ ‬المتخذ‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬وقرع‭ ‬الحجة‭ ‬بالحجة‭ ‬منهجا‭ ‬له،‭ ‬فكان‭ ‬شعورهم‭ ‬بالعجز‭ ‬عن‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الجو‭ ‬العام‭ ‬سببا‭ ‬للشعور‭ ‬بالاغتراب‭ ‬عن‭ ‬مجتمعهم،‭ ‬فكان‭ ‬السعى‭ ‬لتغيير‭ ‬المجتمع‭ ‬بالقوة‭ ‬الباطشة‭ ‬والترويع‭ ‬والإرهاب‭ ‬هو‭ ‬‮«‬منهج‭ ‬البليد‮»‬‭ ‬لفرض‭ ‬الرأى‭ ‬بالقوة،‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬رأى‭ ‬آخر‭ ‬تحت‭ ‬تهديد‭ ‬القتل‭ ‬والتنكيل‭. ‬وكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬نموذج‭ ‬رهيب‭ ‬لـ«عقاب‮»‬‭ ‬من‭ ‬يخالفهم،‭ ‬وأى‭ ‬نموذج‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬اغتيال‭ ‬أبرز‭ ‬عالمة‭ ‬ومفكرة‭ ‬سكندرية‭ ‬آنذاك‭ ‬فى‭ ‬وضح‭ ‬النهار‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬الجميع‭ ‬لهدم‭ ‬منظومة‭ ‬الحوار‭ ‬المجتمعي؟‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬ستار‭ ‬لإضفاء‭ ‬‮«‬المشروعية‮»‬‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الجريمة،‭ ‬وأى‭ ‬ستار‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬‮«‬نصرة‭ ‬الإيمان‭ ‬على‭ ‬الوثنية»؟

‭«3» المدقق‭ ‬فى‭ ‬أنساب‭ ‬وأصول‭ ‬أبرز‭ ‬الأسماء‭ ‬من‭ ‬فرقة‭ ‬الخوارج،‭ ‬يلاحظ‭ ‬بسهولة‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬ينتمون‭ ‬لقبائل‭ ‬وعشائر‭ ‬أقل‭ ‬شأنا‭ ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬قريش،‭ ‬التى‭ ‬شغلت‭ ‬ذروة‭ ‬المجتمع‭ ‬العربى‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬الإسلام‭.‬

بدأ‭ ‬الأمر‭ ‬بزمرة‭ ‬من‭ ‬المشتغلين‭ ‬بقراءة‭ ‬وتدارس‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬عرف‭ ‬أصحابها‭ ‬بـ«القراء‮»‬،‭ ‬ورغم‭ ‬مكانتهم‭ ‬المحترمة‭ ‬فى‭ ‬قبائلهم‭ ‬وعشائرهم‭ ‬فإنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يتألمون‭ ‬من‭ ‬كونهم‭ ‬أقل‭ ‬شأنا‭ ‬من‭ ‬الصحابة،‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬أبرزهم‭ ‬من‭ ‬قريش،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامى‭ ‬الناشئ،‭ ‬كان‭ ‬يقدم‭ ‬الفرص‭ ‬المفتوحة‭ ‬للبروز‭ ‬وشغل‭ ‬المكانة‭ ‬المحترمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التقوى‭ ‬والعلم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬القراء‮»‬‭ ‬كانوا‭ ‬يطمعون‭ ‬فى‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬المكانة‭ ‬السياسية‭ ‬العليا‭ ‬التى‭ ‬شغلها‭ ‬قرشيون،‭ ‬فالنبى‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬كان‭ ‬قرشيا،‭ ‬وكذلك‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدون‭.. ‬فكيف‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مختصر‭ ‬لامتلاك‭ ‬المكانة‭ ‬المنشودة؟
لهذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬يسارع‭ ‬هؤلاء‭ ‬لاستغلال‭ ‬نشوء‭ ‬معارضة‭ ‬لبعض‭ ‬سياسات‭ ‬الخليفة‭ ‬الراشد‭ ‬الثالث‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان‭ ‬لينضموا‭ ‬لها،‭ ‬ظاهريا‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬الانحياز‭ ‬لمطالب‭ ‬مشروعة،‭ ‬وباطنا‭ ‬لضرب‭ ‬التصدر‭ ‬القرشى‭ ‬للمشهد‭ ‬السياسى،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خلق‭ ‬سابقة‭ ‬للاجتراء‭ ‬على‭ ‬اتهام‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬الصحابة‭ ‬بالمروق‭ ‬من‭ ‬الدين،‭ ‬كبداية‭ ‬لاتهام‭ ‬أى‭ ‬مخالف‭ ‬لهم‭ ‬بذلك،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬غريبا‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬يسعوا‭ ‬لتغليف‭ ‬المعارضة‭ ‬السياسية‭ ‬المشروعة‭ ‬بغطاء‭ ‬دينى،‭ ‬ولتحويل‭ ‬الاختلاف‭ ‬الطبيعى‭ ‬فى‭ ‬الرأى‭ ‬والرؤية‭ ‬ووجهة‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬معادلة‭ ‬مقيتة‭ ‬هى‭ ‬‮«‬أنت‭ ‬ضدنا‭= ‬أنت‭ ‬كافر‮»‬‭ ‬وقاعدة‭ ‬احتكارية‭ ‬فاسدة‭ ‬هى‭ ‬
‮«‬نحن‭ ‬الدين‭ ‬والدين‭ ‬نحن‮»‬‭.. ‬وأن‭ ‬يؤدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬قيامهم‭ ‬بترويع‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬باحتلالهم‭ ‬لها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬حشد‭ ‬جموعهم،‭ ‬وفرض‭ ‬وجودهم‭ ‬لا‭ ‬بقوة‭ ‬الحجة‭ ‬وإنما‭ ‬بأسلوب‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬ومحاصرة‭ ‬مقر‭ ‬الخليفة‭ ‬ثم‭ ‬قتله‭. ‬

كان‭ ‬من‭ ‬الطبيعى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تعجب‭ ‬هؤلاء‭ ‬القوم‭ ‬كثرتهم،‭ ‬وأن‭ ‬يعتبروا‭ ‬أن‭ ‬قيامهم‭ ‬باحتلال‭ ‬عاصمة‭ ‬الدولة‭ ‬ذاتها‭ ‬وقتل‭ ‬رأس‭ ‬الدولة‭ ‬نفسه‭ ‬‮«‬نجاحا‭ ‬لمنهجهم،‭ ‬وأن‭ ‬يطوروا‭ ‬ذلك‭ ‬المنهج‭ ‬إلى‭ ‬تكفير‭ ‬المجتمع‭ ‬كله‭ ‬واستهداف‭ ‬الخليفة‭ ‬التالى‭- ‬الإمام‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬طالب‭- ‬باعتبار‭ ‬أنهم‭ ‬وكلاء‭ ‬الله‭ ‬فى‭ ‬الأرض،‭ ‬والمطبقون‭ ‬لقاعدة‭ ‬الحكم‭ ‬لله‭.. ‬فمن‭ ‬وجهة‭ ‬نظرهم‭ ‬الفاسدة‭: ‬قد‭ ‬آتت‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬الطريق‭ ‬المختصر‭ ‬لتسنم‭ ‬ذروة‭ ‬السلطة‮»‬‭ ‬أكُلها‭.‬

«‬4‮»‬ مسلم‭ ‬بن‭ ‬عقبة‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬وقعة‭ ‬الحرة‮»‬،‭ ‬والخليفة‭ ‬الأموى‭ ‬يزيد‭ ‬بن‭ ‬معاوية،‭ ‬هما‭ ‬الوجه‭ ‬الثانى‭ ‬للعملة‭ ‬الفاسدة‭ ‬التى‭ ‬يحتل‭ ‬الخوارج‭ ‬وجهها‭ ‬الآخر،
فكل‭ ‬من‭ ‬مسلم‭ ‬ويزيد‭ ‬يفعلان‭ ‬نفس‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يفعله‭ ‬الخوارج‭ ‬‮«‬إضفاء‭ ‬غطاء‭ ‬دينى‭ ‬لشرعنة‭ ‬قتل‭ ‬المخالفين‭ ‬والتنكيل‭ ‬بهم‮»‬‭. ‬فقط‭ ‬كان‭ ‬الخوارج‭ ‬فى‭ ‬جانب‭ ‬المعارضة،‭ ‬وكان‭ ‬يزيد‭ ‬يمثل‭ ‬السلطة‭ ‬لما‭ ‬يوصف‭ ‬بـ«الدولة‭ ‬الدينية‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬نموذج‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬المتطرفون‭ ‬يسعون‭ ‬للترويج‭ ‬له‭ ‬وإقامته‭ ‬إلى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬‭ ‬

لا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فيزيد‭ ‬عندما‭ ‬اختار‭ ‬مسلم‭ ‬بن‭ ‬عقبة‭ ‬بالذات‭ ‬لقيادة‭ ‬الجيش‭ ‬للتنكيل‭ ‬بأهل‭ ‬المدينة،‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬يفعله،‭ ‬فاختار‭ ‬لتلك‭ ‬المهمة‭ ‬البغيضة‭ ‬رجلا‭ ‬يبغض‭ ‬قريش‭ ‬ويبغض‭ ‬أهل‭ ‬المدينة،‭ ‬أى‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬نموذج‭ ‬لكيفية‭ ‬استغلال‭ ‬وتوظيف‭ ‬الضعائن‭ ‬الشخصية‭ ‬والقبلية‭ ‬لخدمة‭ ‬غرض‭ ‬سياسى‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬تحت‭ ‬ستار‭ ‬دينى‭.‬

هل‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬معقدا؟‭ ‬انظر‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬لتجد‭ ‬حالات‭ ‬متكررة،‭ ‬لذلك‭ ‬استغلال‭ ‬أصحاب‭ ‬فكر‭ ‬متطرف‭ ‬لعداوات‭ ‬قبلية‭ ‬أو‭ ‬عشائرية‭ ‬وتوظيفها‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬‮«‬مجاهدة‭ ‬المخالفين‭ ‬لصحيح‭ ‬الدين‮»‬،‭ ‬سترى‭ ‬ذلك‭ ‬يحدث‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬تاريخنا‭ ‬المعاصر‭.‬

وضع‭ ‬الخوارج‭ ‬على‭ ‬أحقادهم‭ ‬القبلية‭ ‬رداء‭ ‬الدين،‭ ‬وكذلك‭ ‬فعل‭ ‬مسلم‭ ‬بن‭ ‬عقبة،‭ ‬وكانت‭ ‬حماقة‭ ‬يزيد‭ ‬هى‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬بتوظيف‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬خلافاته‭ ‬السياسية،‭ ‬فالتحالف‭ ‬مع‭ ‬متطرف‭ ‬أشبه‭ ‬بأن‭ ‬تضع‭ ‬يدك‭ ‬فى‭ ‬جحر‭ ‬للثعابين‭ ‬السامة‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تتلاعب‭ ‬بكرة‭ ‬نار‭ ‬ضخمة‭.‬
وللحديث‭ ‬بقية‭ ‬فى‭ ‬المقال‭ ‬المقبل‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭..‬







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة