تمر، اليوم، الذكرى الـ223 على ميلاد رائد عصر النهضة، رفاعة الطهطاوى، إذ ولد فى 15 أكتوبر عام 1801، وهو رائد التنوير فى العصر الحديث؛ لما أحدثه من أثر فى تطور التاريخ الثقافى المصرى والعربى الحديث، اختير إمامًا مشرفًا ومرافقًا للبعثة العلمية الأولى التى أرسلها محمد على باشا إلى فرنسا بعد أن رشحه الشيخ حسن العطار لهذه المهمة وزكاه عند السلطان.
ينسب إلى رفاعة الطهطاوى أنه قدم مشروعًا نهضويًّا رائدًا، استفادت منه الحركة الثقافية والعلمية فى مصر، وبنى عليه من خلفه من جيل النهضة المصرية أوائل القرن العشرين، وكان رائد فكرة الدولة المدنية، بعدما ساهمت أفكاره ومشاريعه فى تأسيس دولة مدنية حديثة.
وقام رفاعة الطهطاوى بإنشاء مدرسة الترجمة "الألسن" فى عام 1835م، وأشرف عليها فنياً وإدارياً ودرس بها الأدب والشرائع العربية والغربية، وأشرف على اختيار الكتب للترجمة، وزاد نشاطه بالترجمة أثناء وجوده بالمدرسة، وعاونه فيها الشيخ أحمد عبد الرحيم، وتخرج على يديه منها كثير ممن عملوا بالتدريس في المدارس المصرية، وامتازت مدرسته أنها تدرس اللغة وخاصة الفرنسية، إلى جانب فنون الإدارة والقوانين الأجنبية وفنون الأدب العالية والشرائع الإسلامية.
ولم يقف التغير والتجديد على الشكل فقط، وإنما تطرق إلى موضوعاتها، وتحولت الأخبار والحوادث وحتى الافتتاحية إلى موضوعات رئيسية هامة للشرق وأوروبا، وبعدت الافتتاحية عن المديح والحشو غير المبرر، وناقشت السياسة الداخلية والخارجية، وصدر قرار بترقيته إلى قائم مقام في عام 1843م.
فى عهد "الطهطاوى" كانت المحاكم الشرعية منتشرة فى مصر، لكن الباحثين يقولون بأن معرفة المصريين بالدساتير والقوانين الحديثة من خلال كتابه (تلخيص الإبريز)، الذى اشتهر على أنه الوثيقة التى تضم المعايير الأساسية للحكم وتقوم على أساس فكرة المواطنة والمساواة وغيرها من المفاهيم الحديثة، وفى ذات الوقت قائمة على الحرية والإخاء والمساواة".
فى زمن الطهطاوى، كانت طريقة الحكم فى مصر، مختلفة كلياً عن الأجواء الصاخبة التى كانت تعيشها باريس فى أعقاب الثورة الفرنسية، وتزامنت إقامته فى فرنسا مع النقاشات الحامية فى شأن الحقوق والحريات والمساواة، وترك ذلك أثراً عميقاً، فى كتابات رفاعة واختياراته فى الترجمة، وقام فى كتابه (تخليص الإبريز فى تلخيص باريز) بترجمة الدستور الفرنسي، وأحداث الثورة الفرنسية، وقيمها الأساسية، كما وصف فى الكتاب ذاته الدستور الفرنسى بأنه عقد اجتماعى لم يعرفه المصريون فى تاريخهم".
اتفق الكثير من النقاد والباحثين على ما قدمه رفاعة الطهطاوى من إسهامات فى مجالات الترجمة وتبنيه مشروعاً نهضوياً كبيراً، فإن موقفه من المرأة كان شديد الالتباس، خصوصاً مع انتشار وثيقة زواجه التى كتب فيها تعهداً على نفسه ألا يتزوج على زوجته، أو يتخذ دونها جارية أو رفيقة، وهى الوثيقة التى استند عليها مؤيدو موقف رفاعة التقدمى من المرأة وإقراره بحقوقها.
وبحسب تصريحات سابقة للدكتور جابر عصفور: "كان الطهطاوى متحرراً أكثر من الليبراليين، فما كتبه لزوجته فى وثيقة زواجهما لا يمكن ان يصدر إلا عن شخص متحرر"، وأوضح أن الطهطاوى كتب فى بعض كتبه أن "الخلط فى مشكلة النساء جاء من أننا خلطنا بين الزى الخارجى والأخلاق، فالمرأة تقاس بأخلاقها".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة