استعرض الرئيس عبدالفتاح السيسى، القائد الأعلى للقوات المسلحة، قبل أيام قليلة - وبالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الحادية والخمسين لنصر أكتوبر المجيد - العناصر المشاركة فى تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثانى الميدانى، وسط أجواء تنذر باندلاع حرب شاملة فى المنطقة، إثر العدوان الإسرائيلى على لبنان، والمواجهة العسكرية الدائرة بين الكيان وإيران، فضلا عن مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب الغاشمة فى قطاع غزة، كانت هذه إحدى رسائل الدولة المصرية التى هى أهم قوى إقليمية تمتلك قوات مسلحة على أعلى مستوى، فى الوقت الذى تسعى فيه لتحقيق السلام وتساند الاستقرار والتنمية فى مواجهة الحرب والعدوان، وبداية أؤكد أن مصر الدولة والقيادة السياسية تنتهج سياسة واضحة من الاتزان الاستراتيجى الذى يتجلى فى أكثر من مشهد، لعل أهمها الحرص على تطوير قواتها المسلحة على مستوى كل الأصعدة القتالية، وضمان جاهزيتها واستعدادها وارتفاع الروح المعنوية لمقاتليها وأفرادها، فهذا درع المصريين وسيفهم القادر على حمايتهم وحماية أرضهم وحدودهم ومقدراتهم، لكنها تعتمد عقيدة عسكرية غير عدوانية ولا تستهدف الاعتداء، بل الدفاع والحماية ودرء كل خطر حال أو محتمل عن وطن يفديه أبناؤه بالدماء والأرواح.
فى ضوء ذلك ما انفكت مصر تساند القضية الفلسطينية وتدافع عن أبناء قطاع غزة الفلسطينيين الأشقاء، وسط عدوان إسرائيلى أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ من سكان القطاع المدنيين، فضلا عن تدمير ما يقدره البعض بنحو ثمانين بالمائة من المنشآت والبنية التحتية والمرافق العامة بالقطاع، الأمر الذى جعله منطقة غير صالحة للحياة الإنسانية.
وللحقيقة والإنصاف، فإنه ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب فى قطاع غزة، والجهود المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لا تتوانى عن المطالبة بحقوق الشعب الفلسطينى فى الأمن والاستقرار، والمساعدات الإنسانية والإغاثية بكل أشكالها. وفى هذا الصدد، بدأت الدبلوماسية المصرية بحشد رأى عام عالمى حول الأوضاع المتدهورة فى القطاع سواء من حيث الخدمة الصحية أو توافر الخدمات من كهرباء ومياه أو من حيث المواد الغذائية والوقود، وسوف يكتب التاريخ أنه فى ظل تجاهل القوى الكبرى فى العالم للأوضاع غير الإنسانية السائدة فى القطاع، فإن مصر أصرت على ضرورة فتح معبر رفح لدخول المساعدات إلى الجانب الفلسطينى، كذلك عبور الحالات الطارئة التى تتطلب علاجا فى المستشفيات المصرية، ويعلم الجميع كما ترصد منظمات الإغاثة الدولية أن الأغلبية الساحقة من كميات المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية بكل أنواعها التى دخلت القطاع هى مقدمة من مصر، وقد شهدنا الجهود المصرية حكومية وأهلية تسابق الزمن فى إيصال المساعدات المطلوبة، وكان للتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى دور بالغ الأهمية فى تكثيف الجهود الرامية لتوفير الدعم لأهلنا فى غزة، وهو ما انتقل بالعمل الأهلى والتطوعى المصرى إلى آفاق جديدة وغير مسبوقة، باتت تتخطى حدود الوطن إلى الأشقاء العرب.
وإلى جانب ذلك، فإن جهود الدبلوماسية المصرية لم تدخر جهدا فى طرح القضية على جميع الأطراف، بداية من الدعوة لعقد قمة القاهرة فى أكتوبر الماضى كأول مبادرة وتحرك إقليمى وعالمى يتخذ فى هذا الشأن عقب اندلاع الحرب، وحتى الاتصالات المكثفة التى يجريها الرئيس السيسى مع قادة العالم، واستثمار مكانة وعلاقات مصر القوية ودورها الفاعل على المستويين الإقليمى والدولى، للدفع تجاه وقف إطلاق النار، وإبرام صفقة تبادل الرهائن والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين فى المعتقلات الإسرائيلية، ومن ثم العودة للمفاوضات التى تستهدف البدء فى تنفيذ مقررات الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين، كما لا يمكننا أن نغفل عن الدور المصرى الحاسم لمنع تهجير أهالى القطاع، وهو الإجراء الذى كانت تسعى سلطات الاحتلال من خلاله إلى تصفية القضية الفلسطينية للأبد وجعلها مرحلة تاريخية منقضية؛ بل إن الرئيس السيسى تجاوز الإطار التقليدى فى طرح القضية، بمطالبته بالإعلان الفورى عن إنشاء الدولة الفلسطينية واعتراف العالم بها، وهو طرح يعتبر الأكثر جسارة وجدارة بالمناقشة فى ظل الأوضاع الحالية، وعلى صعيد تاريخ القضية والمماطلات الإسرائيلية التى طالما عطلت الحل الوحيد للمشكلة.
لا بد من التأكيد على أن مصر دفعت الكثير من الدماء والأرواح والتكلفة المادية على مدار التاريخ لمساندة القضية الفلسطينية ودعم الأشقاء فى القطاع والضفة الغربية، وهى فى ظل قيادة الرئيس السيسى عازمة على مواصلة الجهود حتى إقرار الحق الفلسطينى وإنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وفى هذا السياق، يلفت النظر ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال استعراض قوات وأسلحة الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثانى الميدانى، من أهمية الرؤية الثاقبة لقيادة الدولة خلال فترة حرب أكتوبر وما تلاها، والتى تجاوزت عصرها وظروفها وحالة المنطقة آنذاك، وقاتلت وانتصرت وسعت من أجل استعادة الأرض وتحقيق السلام، لافتا إلى أن السلام خيار استراتيجى لمصر، وليس لدى مؤسساتها وقواتها المسلحة أية أجندة خفية، وأقول من جانبى إن مصر بلد عظيم، لطالما كان على مر التاريخ مستقرا للحضارة ومنارة للسلام والنماء والازدهار، لكنه فى الوقت ذاته قادر وبشدة على ردع أى من تسول له نفسه المساس بأمن أبناء المحروسة وأرضهم وحدودهم ومستقبلهم، وهذه هى مصر التى تقدم إسنادا فاعلا وحقيقيا لقطاع غزة وأهله الأشقاء وإسنادا شاملا دون مزايدات للقضية الفلسطينية قضية مصر والعرب المركزية.