قيادات كنسية تكتب لليوم السابع فى عيد الميلاد.. أندريه زكى: فرح الميلاد وسط الأزمات.. الأنبا باخوم: بداية نهاية.. رفعت فكرى: وجاءنا السلام إنسانا.. والمطران منير حنا: الشعب السالك فى الظُلمة.. أبصر نورا عظيمًا

الخميس، 04 يناير 2024 10:00 م
قيادات كنسية تكتب لليوم السابع فى عيد الميلاد.. أندريه زكى: فرح الميلاد وسط الأزمات.. الأنبا باخوم: بداية نهاية.. رفعت فكرى: وجاءنا السلام إنسانا.. والمطران منير حنا: الشعب السالك فى الظُلمة.. أبصر نورا عظيمًا قيادات كنسية تكتب لليوم السابع
كتب: محمد الأحمدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حرص عدد كبير من قادة الكنائس على المشاركة فى ملف اليوم السابع عن عيد الميلاد المجيد، وكان أبرزهم الدكتور القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر والأنبا باخوم النائب البطريركى لشئون الإيبارشية البطريركية بالكنيسة الكاثوليكية والقس رفعت فكرى أمين عام مشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط والقس بطرس عزيز أمين لجنة الرعاة بمجلس كنائس مصر، والمطران منير حنا المطران الشرفى لأساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية والقس عادل هارون  رئيس مجمع كنائس نهضة القداسة.

 

الدكتور القس أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية فى مصر 

كل عام وأنتم بخير، إذ نحتفل بميلاد السيد المسيح، الذى أحضر لعالمنا النور والرجاء والخلاص والسلام. ويأتى عيد الميلاد وسط عالمٍ مُضطربٍ؛ فهناك عدة أزمات متمثلة فى الحروب، فلا تزال الحرب الروسية الأوكرانية تحصد كل يوم مزيدًا من الضحايا، وتؤثر على الاقتصاد العالمى، وكذلك الحرب فى غزة، التى تستخدم فيها إسرائيل قوةً غاشمة فى تفجير المنازل والمستشفيات وقتل الأطفال. وتقف الدولة المصرية وجميعنا من خلفها، تدافع بصمود عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى ورفض كل أشكال التهجير والعنف.
 
ووسط كل هذا أيضًا، تشتعل الأزمات الاقتصادية عالميًّا، مؤثرة على ارتفاع أسعار جميع السلع، وزيادة نسبة التضخم والكساد الاقتصادى، وعلى المستوى المحلى ألقت الأزمات بظلالها على بلادنا، فأثرت على ارتفاع الأسعار والتضخم. وتبذل حكومة بلادنا مجهودًا ضخمًا لاحتواء آثار هذه الأزمات العالمية.
وإزاء التقلبات، يعيش الناس حالة من الضغوط اليومية والمخاوف الاقتصادية والاجتماعية، إزاء غدٍ مجهول، وظواهر غير معروف مآلُها. وتزداد المخاوف والضغوط فى ظل أزمة ثقة عالمية، تسببت فيها فبركة الصور والأخبار.
 
تبدو الصورة مُحبطةً للغاية، لكن إذ نتذكر ميلاد السيد المسيح، ندرك كم كان مُغيرًا حقًّا لهذه الصورة القاتمة التى كانت محيطة بميلاده أيضًا، وكيف حمل ميلاد المسيح الرجاء والنور لشعبٍ كان يسلك فى الظلمة، ويحتاج إلى مُخلِّص ينتشله من اليأس. وهو ما عكسته بشارة الملائكة للرعاة فى إنجيل لوقا 2: 8 - 11: «وَكَانَ فِى تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِى مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ».
 
وإذ نعلم أن حدث الميلاد العظيم قد سبقته نبوات كثيرة فى العهد القديم، وإحدى أبرز النبوات هى نبوة النبى إشعياء، التى وردت فى السفر الذى يحمل اسمه من أسفار الأنبياء بالعهد القديم، ويقول: «اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِى الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِى أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ.. لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ» «إش 9: 2، 6».
 
يُصوّر النص حالة شعب يسلك فى الظلمة، بلا أمل ولا رجاء، يسلكون أى يعيشون فى ظُلمة، يقيمون فى أرض ظلال الموت، أى انعدام الرؤية والأمل، لا مستقبل ولا فكر ولا بناء، لكن لا تنتهى الصورة قاتمةً هكذا، لماذا؟ لأنه يولد لنا ولدٌ، يقتحم الظلام ويبدده، ويعيد الأمل، ويخلق مستقبلًا مشرقًا، وينقل الشعب من أرض ظلال الموت لحياة تفيض حبًّا وسلامًا ورجاءً.
 
يتقدم النبى إشعياء خطوة أخرى، ويعلن أن فرحة ميلاد الابن ستكون كفرحة الحصاد الكثير. ومنذ أن عمل الإنسان فى الزراعة، يُمثل له الحصاد موسمًا من الفرحة والبهجة، فبالحصاد ينتعش الاقتصاد، وفى ثقافات عدة تقام احتفالات مُبهجة بحصاد بعض المحاصيل. إذن يُقدّم الحصاد رجاءً بعد تعبٍ كثير فى الزراعة، فلك عزيزى القارئ أن تتخيل كم سيكون مُبهجًا مولد هذا الطفل، كبهجة الحصاد.
 
يعلن النبى إشعياء أيضًا أن الطفل «تكون الرياسة على كتفه»، بمعنى أنه ملك ذو سلطة وقدرة على تغيير الواقع. يُؤكد إشعياء أن الله صاحب السلطان، وفوق الظروف، وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى الأحداث والظروف. ويؤكد النبى أيضًا أن الملك، المولود «لنمو رياسته وللسلام لا نهاية»، والسلام لا يعنى فقط غياب الحرب، لكنه يمثل أيضًا حالةً شاملة من الازدهار والطمأنينة، لكن هذه الحالة تحتاج إلى قوّة، لذا فإن صناعة السلام قوّة عظيمة، والقوى بحق مَن يستطيع أن يصنع سلامًا، لهذا يطلق النبى إشعياء على السيد المسيح «رئيس السلام»؛ لأن السلام الذى يمنحه سلام لا نهائى.
 
وها هى خطوة أبعد يخطوها إشعياء، إذ يعلن «لكن لا يكون ظلام للتى عليها ضيق» «إشعياء 9: 1»، فيعلن أن سيكون هناك ضيق؛ لكن لا يوجد ظلام، فيفيد النبى بأن الأزمة قد لا تنتهى، لكن يُعلن أن الظلام سينتهى، لكن ما الفرق بين الأزمة والظلام؟ الأزمة هى الظرف الراهن، لكن الظلمة هى التخبّط وفقدان الأمل والرجاء. قد تستمر الأزمة لكن نتعامل معها فى النور.. فى وجود النور تأتى الرؤية والبصيرة والقدرة على مواجهة الأزمات بحكمة، لكن حين ترتبط الأزمة بالظلام؛ هنا يكون التخبط وفقدان المعنى.
 
إن الرسالة العظمى فى قصة ميلاد المسيح رسالة السماء للإنسان: «أنت لست وحدك»، اقتحم ميلاد المسيح هذا الواقع المُنكسر ليعلن أن الظلام وفقدان الرجاء لا وجود لهما، وأنه حتى فى وسط الأزمات هناك نور. قد تشعر باليأس أو تمر بأزمة لا ترى لها حلولًا، أو تبدو الأمور مُعقدة ومتشابكة، لكن ثق «أنت لست وحدك».
 

الأنبا باخوم .. بداية نهاية 
 

مع كل عيد ميلاد، نتذكر من جديد أنه بداية، بداية لنهاية، نعم نهاية قد لا يمكننا أن نراها اليوم؛ ولكن كلنا نرجوها، نرنو إليها ونطمح لها، نهاية حروب، مجاعات وانقسامات، نهاية حقد وأسلحة ومخدرات، نهاية استغلال الإنسان وكرامته، سيطرة المادة، نهايات عديدة ننتظرها؛ ليكون الميلاد بدايةً لنهاية!
مع كل ميلاد نرى ما قد لا نستطيع أن نراه اليوم: نرى التوافق محل الصراعات، نرى الحب والتسامح محل للانتقام، نرى الشبع للجياع، والتعزية للمحزونين، نرى أملا لكل يأس، نرى فجرًا لليل طويل؛ ليكون الميلاد بدايةً لهذا!
 
أومن أن الميلاد بذرة لكل هذا، نبتة إذا سقيناها واستقبلناها وراعيناها؛ تثمر كل ما ذكرناه ونتمناه.
ميلاد طفل هو دائما أعجوبة من الخالق، مهما كان تدخل البشر، رجلا أو امرأة. يبقى ميلاد الطفل، كل طفل، معجزة خلق، لن يمكننا أن نفهمها أو ندركها أو نحسبها. قد نتعامل معها ولكنها تفوق قدراتنا وإمكانياتنا العقلية والبشرية. فما أدراك بميلاد طفل بدون تدخل رجل. طفل من عمل الله. يدخل إلى العالم بطريقة ليست بشرية، بطريقة ليست من تدخل وقدرة رجل، يسكن فى رحم أم لم تعرف رجلا. 
 
هكذا عمل الله، كل ما هو إلهى هو نعمة، هو مبادرة منه إلينا. قد لا يمكننا أن نبدأها نحن، لا يمكننا أن نضع خطوات وآليات لتحقيقها، ولكن هو يتدخل وبنا يصنعها ومعه نُتمّمها، هذا هو مشروع الله: مشروع حب وخلاص ورحمة وسلام، مشروع نهاية لشرّ وألم وضيق.
 
هذا هو الميلاد، أن يترك إنسان اليوم نفسه، مثل السيدة العذراء مريم، لتدخل الله، والذى لأوقات عديدة غير مفهوم، بل وغير منطقى بقواعدنا البشرية، يبهرنا ويجعلنا فى حالة استعجاب، بل وأوقات شك، عمل ليس من صنع يد البشر ولا قدرتهم ولا قوتهم، ولكن البشر، أنا وأنت، مدعوّون أن نستقبله، أن نحتضنه، أن نتبناها، كما فعل خطيب مريم مع الطفل. لم يكن هو الوالد ولكن قبل ووافق أن يُعطيه اسمه، كيانه، هويّته، قوته. هذا ما نحتاجه اليوم أن نعطى اسم، وقوة وقدرة ورغبة وإرادة لعمل الله الذى يرغب أن يفعله اليوم. أن نقرض حياتنا له، فيقرضنا هو حياته ورحمته. 
 
طفل يُولد فقيرا، بسيطا، عاريا من كل قدرة وسلطة ومجد وحق، حتى أنه وُلد فى مغارة تستقبل كل شىء إلا الإنسان. هناك ولد، ليُعلّمنا البساطة؟ أكيد. ليُعلمنا التواضع؟ أكيد، ولكن أيضا ليُعلّمنا أن عمل الله يبدا مما لا نتوقعه، مما نراه مُحتقرا ومرذولا من حولنا، عمل الله يبدا أينما هو يريد أن يبدأ، وليس أينما نرغب أو ننتظر. 
 
لا يخفى علينا كم هو أصبح من الصعب الحب الحقيقى، الرحمة والتسامح من الآخرين، لا يخفى علينا مدى الظلم الذى نراه، وأعتقد أن الإنسان بمفرده لا يمكنه، الشر أقوى، وعدو الخير حاضر، نحتاج لطفل، أى لتدخل إلهى فى حياتنا كى نستطيع معه: حب وحرية وكرامة لكل إنسان. نحتاج لطفل وأم وخطيب. نحتاج لعمل الله، ولأشخاص مستعدين وآخرين يجتهدون ويعملون ويكّدون.
 
ويبقى الإنسان هدف الطفل، لأجله وُلد وله أُرسِل، يبقى الطفل معجزةً، ويبقى الإنسان هدف المعجزة. يبقى الله مُحبًا، ويبقى الإنسان هدف حبه. 
يا طفل المغارة لا تمر هكذا دون أن تتوقف فى قلوبنا وعقولنا وحياتنا. يا طفل المغارة ادعونا فنأتى إليك، يا طفل المغارة نادينا فنُلبّى نداك، ساعدنا لكى نُحقق ما يرغبه الله للإنسان، وهو أن يكون إنسانًا.

الأنبا باخوم النائب البطريركيى لشئون الإيبارشية البطريركية 

 

المطران منير حنا.. الشعب السالك فى الظُلمة.. أبصر نورًا عظيمًا
 

اليوم نحن نتذكر ميلاد السيد المسيح، ونتذكر أيضا أنه جاء يبشر باقتراب ملكوت السماوات، ويدعونا إليه؛ حيث نجد فيه السلام والمحبة والرحمة. إلا أننا نشعر بحزن شديد لما يحدث من دمار وخراب وموت على أرض فلسطين، التى ولد وعاش فيها المسيح.  
 
فكم هو مؤلم أن نرى الآباء والأمهات يحملون أطفالهم الذين فارقوا الحياة، وهم يبكون بلوعة ومرارة، ونرى البيوت تتساقط على رؤوس ساكنيها، والشيوخ والنساء والأطفال نازحين من قراهم وبيوتهم؛ ليبتعدوا عن القنابل التى تسقط عليهم كالمطر، حقا إنها ظلمة العنف والموت والظلم التى تُخيم على الناس فى تلك الأرضى المقدسة. 
 
ولكن لا بد من أن يأتى يوم وتنقشع الظلمة، كما حدث وقت ميلاد السيد المسيح، كما تنبأ إشعياء النبى فى قوله: «الشعب السالك فى الظلمة أبصر نورا عظيما. الجالسون فى أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور... لأنه يُولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام» أشعياء 9:2,6
 
 لقد جاء المسيح مجسدا محبة الله للبشرية، جاء نورا للعالم كما ذكر الإنجيل: «فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضىء فى الظلمة، والظلمة لم تدركه... كان النور الحقيقى الذى ينير كل إنسان آتيا إلى العالم. كان فى العالم، وكون العالم به، ولم يعرفه العالم. إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله» إنجيل يوحنا الإصحاح الأول.
 
 إن ظُلمة الخطية والموت التى ملأت قلوب الكتبة والفريسيين اليهود، جعلتهم يرفضون المسيح ويُسلمونه لكى يُصلب ويموت ويُدفن، إلا أنه قام فى اليوم الثالث منتصرا على ظُلمة الموت بنور عجيب. 
 
لذلك؛ فإن ميلاد السيد المسيح وقيامته من الأموات تعطينا الرجاء والأمل، ولا بد من أن يشرق النور على الشعب السالك فى الظلمة؛ كما حدث عندما وُلد المسيح.
 
إننا اليوم نصلى أن تنقشع ظلمة الموت والدمار والقتال، وتعيش شعوب العالم فى نور الإيمان، وتستمتع بسلام الله الذى يفوق كل فهم، خاصة فى هذه المنطقة التى عاش فيها المسيح.
 
المطران منير حنا المطران الشرفى لأساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية 
 
 
 
 

 
عيد ميلاد السيد المسيح له أهمية كبيرة جدا، فهو الذى قسم العالم إلى زمنين: ما قبل الميلاد وما بعده، لأنه يُعتبر بداية الخلاص للبشر من الخطيّة، وبداية عهد جديد للبشرية، وتغيير كثير من المفاهيم والعادات والتقاليد، وإرساء قواعد المحبة والتسامح والعلاقات الإنسانية السامية.
 
وتغنّت الملائكة والبشر من بعدهم بأنشودة الميلاد {المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرّة} لو 2: 14
فحينما أراد السيد المسيح أن يُولد اختار أسرة بسيطة جدا، وغير معروفة، مريم، الشابة العذراء البسيطة، ومعها يوسف النجار، وأن يُولد فى مكان لم يُولد فيه إنسان قبل ذلك أو بعده، أى المذود «مكان مخصص لحيوانات المنزل» حيث لم يجدوا مكانا يُولَد فيه. 
وحينما جاء المجوس «علماء فلك من المشرق»، ظنّوه مولودًا فى قصر الملك، وحينما اختار شهودًا للميلاد اختار الرعاة البسطاء والساهرين «الرعى وقتها كان أبسط المهن»؛ فظهر لهم الملاك وبشّرهم بميلاد السيد المسيح؛ فنظروه وشهدوه، أراد السيد المسيح أن يشاركنا؛ إن كنا بسطاء أو فقراء أو مُهمشّين، ويحيا حياة كلها إخلاء وتواضع.
 
وبعدها يهرب من وجه الشر، ولا يقاومه، يهرب من هيرودس الملك، ويأتى إلى مصر ليُعلمنا أن نهرب من الشر، ومن العنف والخطية، وكى يبارك أرض مصر أيضا؛ فما أحوجنا فى هذه الأيام لأن نستعيد فعاليات ميلاد السيد المسيح، ونعرف أن قيمتنا ليست فى إمكاناتنا ومكانتنا وغنانا؛ بل قيمتنا فى شخصيتنا وإنسانيتنا، وأن نحيا بالمحبة والسلام مع الجميع، ولا نُقاوم الشر بالشر، وأن نتعلم التسامح والغفران.
لو تم تطبيق بعض من تعاليم السيد المسيح؛ لاختلفت الأرض تماما عمّا هى عليه الآن، ولا نسمع عن حروب ولا أطماع أو جرائم، وفى هذا العيد المبارك، نسأل الله أن يُعيد للإنسان إنسانيته وقيمته، ويحافظ على بلادنا مصر وكل مسؤول فيها، وينهى الحروب الدائرة فى العالم، وينشر السلام والمحبة والرحمة والتسامح.. آمين.
 
القس بطرس عزيز
القس بطرس عزيز

القس رفعت فكرى.. وجاءنا السلام إنسانًا

 منذ نحو واحد وعشرين قرنا، وبينما كانت الأرض سابحة فى أنهار من الدموع والدماء، وغارقة فى بحار من العداء والبغضاء، وعلى سفوح الجبال القريبة من بيت لحم، وفى ليلة حالكة الظلام وشديدة البرودة، وبينما كانت جماعة من الرعاة يقومون بحراسات الليل على رعيتهم، أبرق حولهم نور وظهر لهم بغتة ملاك من السماء؛ ليحمل إلى الأرض بشرى ميلاد السيد المسيح، بشرى تجسُّد الكلمة ومجىء السلام نفسه إلى أرضنا، وظهرت جوقة من الملائكة وهم ينشدون أنشودة السلام: المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرّة.
 
وقبل أن يُولد المسيح بنحو سبعمائة عام تقريبا، تنبأ عنه إشعياء النبى قائلا عنه إنه سيُدعى رئيس السلام، وقال المسيح لتابعيه سلاما أترك لكم سلامى أعطيكم، لقد رفض السيد المسيح استخدام أسلوب العنف بكل أشكاله، لقد جاء إلى عالم كان العنف فيه وسيلة سياسية عادية للوصول إلى الأهداف، وشهد القرن الأول فى فلسطين، مهد السيد المسيح، الكثير من العنف، لكنه رفض اللجوء إلى العنف، فقد تبعته جماهير كثيرة، ومع أنه لم يكن محبوبا من أصحاب السلطة؛ إلا أنه كان محبوبا من رجل الشارع، ولو طلب المسيح من الجموع أن يتوجهوا للمعسكرات الرومانية فى أورشليم لمحاربتها، لما ترددوا فى أن يطيعوه؛ لكن المسيح اختار طريق السلام، فهو لم يجد فى العنف طريقه لتغيير قلوب الناس.
 
إننا نستطيع أن نغير الحدود الجغرافية بالعنف، ويمكن أن نحصل على السلطة السياسية بالعنف، وأن نأخذ مالا بالعنف؛ لكن العنف لا يمكن أن يكسب ولاء القلوب، وهذا ما جاء المسيح ليفعله، فقد جاء ليملك على قلوب الناس، ولمّا كان ملكوت الله روحيًّا وليس جغرافيًّا؛ فلم تكن هناك دوافع للحروب، لأن المحبة الحقيقية لا تجبر أحدا على شىء، ولو أن هناك وقتا كان العنف لازما فيه؛ لكان ذلك وقت إلقاء القبض عليه، فقد جاءت جماعة كبيرة بسيوف وعصىّ، فاستل بطرس وهو مقدام الحواريين سيفه ليواجه الجماعة المعادية، وأراد أن يرد الإرهاب بالإرهاب، فضرب عبد رئيس الكهنة وقطع أذنه، وكان هذا رد فعل طبيعيا من تلميذ يريد أن يُدافع عن معلمه؛ ولكن المسيح لم يقبل هذا التصرف، وقال لبطرس رد سيفك إلى مكانه، لأن الذين يأخذون بالسيف فبالسيف أيضًا يهلكون، وما زالت تلك الكلمات العظيمة يتردد صداها عبر العصور، فالعنف يجر مزيدا من العنف، والحكيم الذى يتعلم من التاريخ الدروس والعبر؛ فالتاريخ يقول لنا إن حلول العنف لم تكن أبدا نهاية للمشكلات.
 
إن سبيل المسيح هو سبيل السلام الذى يأسر قلوب البشر وعقولهم بالمحبة، ولقد أسر المسيح قلوب الناس وعقولهم بالمحبة، وكان السبيل إلى ذلك أن يرفض العنف بشتى صوره.. حقًا إن السيد المسيح هو باعث كل رجاء، وهو مصدر كل سلام، إنه جاء إلى عالمنا ولم يعلن حربا ولم يشكل سيفا؛ ولكنه حارب الظلم والفساد والشر والخطيئة، لم يركب جوادا ولم يرفع سيفا ولا حتى صوتا، لقد كان سيفه الوداعة، ورمحه المحبة، وسلطانه سلطان الغفران والتسامح. لم يفتح مدينة؛ لكنه فتح أعين العميان وآذان الصم، كما فتح أبواب الأمل أمام البائسين والساقطين. لم يثر مشاعر البغضة ولم يُحرض أحدا على أحد؛ لكنه حرض الجميع على الحب والتآخى والعطاء والغفران بلا حدود، لقد قال عنه نابليون بونابرت: «إن الإسكندر الأكبر وأنا أقمنا الإمبراطوريات بقدرة وعبقرية، وأسسناها على القوة والسلاح؛ أما المسيح فقد أقام إمبراطوريته وأسسها على الحب». حقا، إن السيد المسيح هو صانع السلام الأعظم.
 
ونحن نحتفل بميلاد السيد المسيح، رئيس السلام، نُصلّى أن يعم السلام عالمنا، لا سيما فلسطين مهد ميلاد السيد المسيح رسول المحبة والسلام.


 

الأسقف عادل هارون.. ولمّا وُلد يسوع

فى مطلع رسالتى، ونحن نحتفل بميلاد شخص المسيح القدوس، أُصلى أن يكون ميلاد المسيح سبب فرحة تغمرك، وسلام يحيطك، وطمأنينة تسودك وسط عالم مُضطرب بأجواء مُتغيّرة.
 
وتتركز رسالتى فى ميلاد المسيح فى الآية الواردة فى بشارة متى، الإصحاح الثانى والآية الأولى: «وَلَمَّا وُلِدَ يسُوعُ».
المتأمل يرى أن هناك أمورًا عظيمة حدثت فى ميلاد المسيح، أقتطف منها عزيزى القارئ بعض الأمور:
• بميلاده غيّر العالم والحياة • وبميلاده اهتزت الأرض والسماوات • وبميلاده تحققت النبوات، وبميلاد المسيح أيضا تغير العالم وتغيرت الحياة، وكيف لا؟ ألم يغير التاريخ حين جاء فصرنا نقول قبل المسيح وبعد الميلاد؟!
 
التغيير يأتى عادةً بالتأثير، ومَن ممّن وطأت أقدامهم أرضنا ترك أثرًا كما ترك المسيح؟! فميلاده العذراوى أثر فى البعيد والقريب، كيف ولد هذا العجيب العظيم بدون زرع بشر، نعم وألف نعم: «اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ ٱلْعَلِى تُظَلِّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضًا ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللهِ» لُوقَا ‬1‬:‬35.. هذه هى البشارة التى تكلم بها الملاك للقديسة العذراء مريم.
 
وكيف أثّر بحياته؛ فعاش وجال على أرض الخطيّة بلا خطيّة، وفى أرض المعصية بلا معصية، فهو القدوس الذى لم يُخطئ ولم يعرف خطيّة، ولم يفعل خطيّة، وهو بلا خطيّة بشهادة الجميع، فكانت حياته جاذبةً للنفوس وقصته أعظم قصة مُؤثّرة فى تاريخ البشرية.
 
وكيف أثر بكلامه، فقال القليل بأعظم المعانى، فانظر إلى تعاليمه وموعظته على الجبل، إذ صارت كلماته مبادئ وسُننًا نعيشها ونحياها، لأن كلامه هو روح وحياة، بل صار كلامه النور الذى نسلكه «سِرَاجٌ لِرِجْلِى كَلَامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِى» مَزُ911:501. فكلمته تُحيينا وتُغيّرنا، ووصاياه تُعلمنا وتُحذرنا، وتعاليمه تقودنا وترشدنا.
 
وكيف أثر بمعجزاته العظيمة؟ فكيف شفى الأعمى والمجنون والأبرص وصاحب اليد اليابسة، وكيف أقام الموتى فتغيّرت حياتهم ومواكبهم الجنائزية إلى موكب أفراح وتهاليل؛ فعاشوا بمعجزته فيهم حياةً معجزيةً. وكيف أثّر حتى فى موته؟ إذ شهد قائد المائة الرومانى، وهو ضمن الواقفين عند صليبه، والذين معه، بالقول حقا كان هذا ابن الله «مت 72: 45» وتغيرت حياتهم، وأما بقيامته من القبر الذى صار فارغًا؛ فقد صارت لنا ثقة القيامة من الموت للحياة الأبدية.
 
بميلاد المسيح اهتزت ممالك الأرض والسماء، فملائكة السماء سمعت النداء: اذهبوا وترنموا وسبحوا واهتفوا واملأوا الأرض والسماء بأناشيد وغناء، فقد ولد طفل المذود، ولد يسوع فبشّروا الجموع «ٱلْمَجْدُ لِلهِ فِى ٱلْأَعَالِى، وَعَلَى ٱلْأَرْضِ ٱلسَّلَامُ، وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ» لو2:41. وأما الشياطين فاهتزت خوفًا ورعبًا؛ فقد وُلد المُخلّص الذى سيخلص البشر الذين ليس لهم حول ولا قوّة «أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِى مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ» لو2:11. وُلد الذى قيل عنه نسل المرأة «المسيح» يسحق رأس الحية ‬«إبليس»، لذلك صرخوا قائلين: آه ما لنا ولك يا يسوع الناصرى «مر4:1» أتيت لتهلكنا، أنا اعرفك، من أنت: قدوس الله.‬‬
 
فاهتزت مملكة الشيطان إِذْ «جَرَّدَ ٱلرِّيَاسَاتِ وَٱلسَّلَاطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ» كو 215. وحقيقة الأمر، ولد المسيح ليس ليجردهم من رتبهم ومكانتهم فقط؛ لكن ليبيدهم فى نهاية المطاف، إذ يقول «فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلْأَوْلَادُ فِى ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَى يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِى لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَىْ إِبْلِيسَ». فكيف لا تهتز مملكته بمولد المسيح القدوس؟
 
وحتى مملكة العالم الظالمة وقتها، فاهتز «هيرودس» الملك الرومانى.. يقول الكتاب المقدس: فلما سمع هيرودس الملك اضطرب، لماذا اضطرب قلبه؟ لقد كان ظالمًا خائفًا على مُلكه، مع أن يسوع لم يكن يريد المُلك الأرضى مطلقًا، فحين سُئل أأنت ملك اليهود؟ كانت الإجابة «مَمْلَكَتِى لَيْسَتْ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ»، فهو جاء ليملك فعلا، وهو ملك عظيم، بل أعظم الملوك جميعا؛ لكنه جاء ليملك لا على الأرض والأشياء؛ لكن على القلوب والنفوس، لينقذها ويُحررها من قبضة إبليس، ذاك الذى كان قتّالاً للناس من البدء.
 
وأخيرًا، تحققت فى ميلاده النبوات. قيل فيه يُولد من عذراء، ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل، كيف يكون هذا الأمر الغريب والعجيب، وتأتى الإجابة «اش14:7» وأما ولادة يسوع فكانت هكذا، كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس.
 
وقيل فيه يُدعى من مصر، فى سفر هوشع «ومن مصر دعوت ابنى». ولد المسيح وثار هيرودس وأمر بقتل كل الأطفال، وظهر ملاك الرب برسالة ليوسف: قم خذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر، لكى يتم القول من مصر دعوت ابنى، فجاء إلى مصرنا الغالية وزيّنها بجماله وبهائه، وباركها بقدمه التى وطأتها، وباركها الكتاب المقدس بالقول «مبارك شعبى مصر»، وصلاتى أن تبقى مُباركة بوجوده فى وسطها دائمًا. 
 
وقيل: تكون الرياسة على كتفه. وأيضا يأتى شيلون، وله يكون خضوع شعوب، أى من له الأمر والسلطان. و«هُوَذَا بِٱلْعَدْلِ يَمْلِكُ مَلِكٌ». وفى دخوله أورشليم هتفت الجماهير قائلة: أوصانا لابن داوود مبارك الآتى باسم الرب أوصانا فى الأعالى.
 
لقد عاش على الأرض ملكًا على القلوب، ورئيسا على الأرواح والنفوس التى قبلته، وسيّدًا له سلطان على المرض وعلى الموت وعلى الأرواح الشيطانية وعلى الطبيعة، وحين ذهب للموت بنفسه قال: «لِى سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِى سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا»، فكان سلطانه فى يده. وأخيرا وُلد المسيح فتحقَّق فيه أعظم ما نحتاج إليه، ألا وهو الحياة، فجاء ليهب حياةً لعالم مائت «لِأَنَّ أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِى مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ ٱللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا»، فالخطيّة ملأت العالم بالموت، وأما المسيح فملأ العالم بالحياة، فالذى فيه كانت الحياة، والذى قال بفمه الطاهر: «وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ»، أعطانا أن نعيش أفضل وأسمى، وأعظم حياة هنا على الأرض، ومن ثمّ هناك فى السماء، وهو بنفسه فى ميلاده يدعوك للحياة؛ فاستمتع ببركات حياته.. تمنياتى بعيد سعيد وميلاد مجيد. 
 
القس عادل هارون
القس عادل هارون









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة