تجسيد لذلك الحب، واللا حب، أو المعرفة الحقيقية للقلب، إنه يتقلب في الحب، كما يتقلب في الكراهية، في القرب والبعد، حين يميل القلب, فيظن صاحبه أنه غير قادر على الحياة, إذا ما فارق من يحب, فإذا به بعد فراق وعذاب يموت كل شيء، ولا يبقى إلا الدهشة والتعجب، فإذا بالقلب ذاته، يسير في طريق أخر, ربما عكس ما كان عليه، كان مشيلينا يحب بريسكا
ولكن حين عاد من كهفه, وقابل بريسكا الجسد, كانت الروح تختلف, والعقل يختلف, وقد كساها عقل ناضج, وقلب أعمق, وروح ألطف, كانت قد أكتملت, وكأن ببريسكا القديمة نقصا أكملته الجديدة, فشغف بها حبا وعشقا, وكانت بريسكا الحاضر, تأبى على نفسها أن تكون ذلك البديل في عين مشلينيا, فرفضته بكل قوة, رفضته لأنها أنثى, تريد أن تكون الأولى والأخيرة في حياة الرجل الذي نحب, تكون هي كما, هي لا صورة لامرأة أخرى, ورغم ذلك أدركت أنها تحبه, ولا غرو وأن تكون ذلك البديل, فربما كانت هي القديمة, وقد بٌعثت له, كما أنه بُعث لها, وحين لحقت به في الكهف, كان على وشك الموت, وأخبرته بحبها, ولكن كان يلفظ أنفاسه الأخيرة, فرضيت أن تدفن حية مع من تحب, ومن عشق قلبها, إنها تبيع كل شيء, من أجل أن تموت بجواره, إنه الحب حين تُذهل كل حواس الإنسان وجواحه, ويغيب عن الوعي, لينطلق في عالم أخر, يتحرر من كل قيد, قيد الجسد, ليهيم بروحه وكيانه، في عالم آخر, غير مرئي, لا تدركه سوى الأرواح.
كأن الحوار، الذي دار بين مشلينيا وبريسكا, حديث مواجهة بين القلب والكبرياء، والغرور ينتصر في بداية الأمر, فإذا به حين يخلو الإنسان بنفسه, يعترف بأنه ضعيف, وأنه غير قادر على المقاومة, وأن الحب يجرفه, كتيار قوي, إلى حيث يريد غروره, وإلى ما يريد قلبه وروحه, لو تقابل اثنين في زمانين مختلفين, أليس القلب هو القلب, الإنسان هو الإنسان, ومهما مر عليه من أزمنة, لا يحول ذلك بينه وبين ما يميل إليه, وما يحب, ذلك قلب الإنسان الأبدي, مهما مر عليه من أحقاب وأحقاب, فهو ذلك القلب, الذي يشعر ويحب, أيكون حائل بين الإنسان وقلبه, بينه وبين خلجاته وأعماقه, إنه ينتصر للحب أو ينتصر للقلب في نهاية الأمر, ولكنه الانتصار المتأخر, انتصار بعد فوات الأوان, حين يكون له قيمة في عالم الإنسان, بعد دفع ضريبته, في عالم غير العالم, وهواء غير الهواء, كل شيء تغير, إلا شيء واحد هو القلب المتيم, القلب الذي لا يعترف بتغير الزمن حين يحب ويهوى ويعشق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة