سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 سبتمبر 1981.. رحيل رياض السنباطى.. الموسيقار الذى صنع أجمل غناء وعرف 999 أصلا من ألف أصل للموسيقى

السبت، 09 سبتمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 سبتمبر 1981.. رحيل رياض السنباطى.. الموسيقار الذى صنع أجمل غناء وعرف 999 أصلا من ألف أصل للموسيقى رياض السنباطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استيقظ الموسيقار رياض السنباطى من نومه كعادته فى السابعة صباح 9 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1981، ونادى على زوجته السيدة كوكب، فدخلت وفى يدها فنجان الشاى وتناوله منها، وفجأة داهمته نوبة قلبية حادة زادها الربو المصاب به، واستدعى طبيبه الخاص، وفى أول الليل داهمته نوبة مشابهة فأسلم الروح، ودفن فى اليوم التالى 10 سبتمبر، حسبما يذكر الناقد والمؤرخ الموسيقى السورى صميم الشريف، فى كتابه «السنباطى وجيل العمالقة». 
 
بين مولد «السنباطى» فى فارسكور بدمياط سنة 1906، وموته فى القاهرة مضت عبقريته الموسيقية، وكان والده معلمه الأول فى رحلته، وحسب الناقد والمؤرخ الموسيقى فكتور سحاب فى كتابه «السبعة الكبار فى الموسيقى العربية»: «كان والده مقرئا يغنى فى الموالد والأفراح والأعياد الدينية فى القرى، وتفتحت أذن رياض عليه يعزف العود ويغنى، ولما بلغ التاسعة ضبطه والده عند جارهم النجار هاربا من المدرسة يضرب على العود، ويغنى أغنية الصهبجية « ناح الحمام والقمرى على الغصونى» فطرب لصوته، وأخذ يصطحبه معه إلى الأفراح والموالد فى القرى، بعد أن استقر فى مدينة المنصورة».
 
 كان فى السابعة عشرة من عمره حين مضى إلى القاهرة واستقر فيها، ويذكر «سحاب»: «لم يلبث أن دخل معهد الموسيقى العربية تلميذا، فارتأى معلموه أن هذا الفتى الناحل يعلم من فنون والده أكثر مما يعلمون، ويضرب على العود أحسن مما يضربون، فعينوه أستاذا لتعليم الموشحات على العود فى المعهد، واعتد بشبه إجماع فى طليعة عازفى العود العرب إن لم يكن أعظمهم، وهناك كان يلتقى أمير الشعراء أحمد شوقى والمطرب الشهير الذى كان يرعاه وهو محمد عبدالوهاب، وينقل «سحاب» على لسان «السنباطى» قوله، أن أول لحن وضعه ليغنيه كان قصيدة شاعر المنصورة الكبير على محمود طه «يا مشرق البسمات أضىء سماء حياتى»، وسأله شوقى فى يوم عن معنى كلمة فى قصيدة يغنيها، فأعجزه الرد، فنصحه ألا يلحن يوما كلمة لا يعرف معناها».
 
هكذا تعلم من أمير الشعراء درسا جعله: «صانع أجمل غناء فى عصرنا، ولا يمكن أن نسمع أم كلثوم بدون أن نذكر الملحن المتفنن الذى انبثقت من موهبته المدهشة تلك الفيوض من الروائع والشوامخ اللحنية، التى لم يسبق لغزارتها وسحرها مثيل فى الغناء العربى المسموع والمسجل، صنع غناء عربيا تخطى به الحدود التى كان البعض يتصورون أنه يتوقف عندها تطريبا وتعبيرا، وأتى فى ذلك بما يحير العقول»، حسبما يذكر الناقد والمؤرخ الموسيقى كمال النجمى فى كتابه «سحر الغناء العربى».
 
يضيف النجمى: «صحيح أن الغناء العربى خلع أهابه القديم منذ جدده عبده الحامولى، ومحمد عثمان، ومحمد المسلوب، وأبوالعلا محمد، ثم سيد درويش ومعاصروه، ثم عبدالوهاب والقصبجى، ولكن عمل السنباطى، ارتبط بصوت أم كلثوم - وهو ظاهرة تاريخية نادرة - فكان من نصيبه أن يحقق إنجازا نادرا فى تاريخ الغناء العربى، وفعل ذلك على خير الوجوه، وبالرغم من كلثومياته إلا أنه هناك 97 أغنية قدمها لآخرين، و12 غناها بنفسه إلى جانب 36 معزوفة كانت تبثها الإذاعة المصرية فى بداياتها لمدة ساعتين مرتين فى الأسبوع أشهرها معزوفة «رقصة شنغهاى» و«عرائس البحر» و«إليها و«رحلة الفلك».
 
أذكر أننى سألت الموسيقار عمار الشريعى عنه فى لقائى به عام 1996 فأنطلق قائلا: «السنباطى هو الذى يعرف 999 أصلا من ألف أصل للموسيقى، يعرف الشكل، التخريج، التوصيف، السنباطى تركيبة معقدة بالمعنى الإيجابى للتعقيد، عواطفه مركبة، لا تستطيع قطعها بسكين كما تقطع قالب زبدة أوقطعة جاتوه، جملته اللحنية فيها كبرياء، رصانة، عمق، شجن، جملة صعبة لا تستطيع ترديدها فور انتهاء اللحن، رياض معمارى فى موسيقاه، اللحن عنده تخطيط هندسى معمارى مدروس بالسنتيمتر».
 
يستشهد «الشريعى» بلحن «الأطلال»، قائلا: «لحن فيه كل ما قلته عن التعقيد، الكبرياء، الرصانة، العمق، أم كلثوم خافت منه رغم عبقرية اللحن، لكن ثقتها فى السنباطى كانت مقدمة على كل شىء، قالت له: خايفة يا أستاذ، فرد: «ماتخفيش»، أمدها بالثقة، فنجح اللحن وأصبحت القصيدة على كل لسان، رأينا ست بيت لا تكتب ولا تقرأ لكنها تغنى كلمات إبراهيم ناجى: «يا فؤادى لا تسل أين الهوى/كان صرحا من خيال فهوى».
 
يراه صميم الشريف: «آخر الكلاسيكيين المبدعين، لم تجرفه فوضى التجديد الارتجالى، ولم يجر وراء موجة الصراعات التى قامت على اللا شىء، واجتاحت إلى حين كل شىء دون أن تعطى ثمرا، كان يحترم أسلافه الكبار، ويحترم العلم الذى جاؤوا به، والعطاء الذى بذلوا من أجل الارتفاع بالفن الموسيقى والغنائى، كان يقول: من يستطيع أن يفعل شيئا بعد «سيد الكل» سيد درويش؟! ومن احترامه لأسلافه الكبار، تدفق إبداعه، بدءا من الأغنية الشعبية والطقطوقة، ومرورا بالأغنية الدينية والمونولوج، وانتهاء بالقصيدة التى يعتبر سيدها المطلق».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة