ما حكم إطلاق لفظ العيد على يوم مولد النبى؟.. دار الإفتاء تجيب

الثلاثاء، 26 سبتمبر 2023 06:15 م
ما حكم إطلاق لفظ العيد على يوم مولد النبى؟.. دار الإفتاء تجيب دار الإفتاء المصرية - أرشيفية
كتبت - مرام محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ورد سؤال لدار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي، جاء مضمونه: "ما حكم إطلاق لفظ العيد على المولد النبوي الشريف؛ حيث يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في كل عام، ويقيمون له الولائم ويصنعون الحلوى ويتزاورون كما يفعلون في الأعياد، ويسميه البعض "عيد المولد النبوي"، فهل المولد النبوي من الأعياد حتى يكون كذلك؟".
 
وجاء رد دار الإفتاء كالتالي:
 
الأمر الذي لا يتردد فيه شاكٌّ، ولا يغفله عاقل: أنه لا نعمة تستحق أنْ يسعد بها المسلم ويهنأ حتى يَعُدَّ يوم حدوثها عيدًا، كنعمة ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الوجود؛ إذ هو النور لكلِّ الوجود، والوسيلة العظمى لكلِّ موجود، ورحمة الله للعالمين؛ فلولاه ما سعد إنسان؛ إذ كيف يسعد دون طوق النجاة، فالحقيقة أنَّ يوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم عيدٌ للإسلام، بل هو "أعظم مِن كل عيد، وهو حقيقٌ بذلك وجدير"؛ كما قال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي في "كوثر المعاني الدراري" (1/ 72، ط. مؤسسة الرسالة)، وأنَّ "أفضل الليالي على الإطلاق: ليلة المولد الشريف؛ لما ترتب على ظهوره صلى الله عليه وآله وسلم فيها من النفع العميم، والخير العظيم"؛ كما قال العلَّامة الباجوري في "حاشيته على شرح العلامة الغزِّي على متن أبي شجاع" (1/ 404، ط. دار الكتب العلمية)، بل هو أَوْلى مِن العيدين وليلتهما؛ لأنَّ شرفهما راجع لزمانهما، بينما مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم "لا يتشرف بالزمان، وإنما الزمان هو الذي يتشرف به كالأماكن"؛ كما قال شهاب الدين القسطلاني في "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية" (1/ 86، ط. المكتبة التوفيقية)، ونجم الدين الغيطي [ت: 982هـ] في "بهجة السامعين" (ص: 102، ط. مجلة الأزهر الشريف)، وإذا كان الناس قد اعتادوا أنْ يظهروا فرحتهم، واحتفالهم في أيام الأعياد بمظاهر مِن إقامتهم الولائم واجتماعهم على الطعام باعتبار "أنَّ العيد موضوعٌ للراحات، وَبسط النُّفوس والأكل وَالشرب"؛ كما قال بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (6/ 274)؛ علاوة على أنَّ "اتخاذ الوليمة، وإطعام الطعام مستحب في كل وقت؛ فكيف إذا انضم إلى ذلك الفرح والسرور بظهور نور النبوة في هذا الشهر الشريف"؛ كما ذكره العلَّامة الحسن بن عمر بن الحاج إدريس في "شفاء السقيم بمولد النبي الكريم" المطبوع ضمن "مجموع لطيف أنسي" (ص: 136، ط. دار الكتب العلمية) نقلًا عن الإمام أبي زرعة العراقي؛ فإنَّ "إظهار السرور في العيد مِن شعار الدين"؛ كما قال العلامة أبو سليمان الخطابي في "أعلام الحديث" (1/ 595، ط. جامعة أم القرى)، وإذا اعتادوا أنْ يصنعوا فيها الحلوى، ويتهادونها بهجةً وتوسعةً وفرحًا؛ فإنَّ عيد مولد النبي الأكرم، ذي الجناب الأعظم، والمقام الأفخم صلى الله عليه وآله وسلم أَوْلى بذلك؛ فقد "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ" متفق عليه مِن حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فإذا زادوا على كلِّ ذلك بذل "الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور؛ فإنَّ ذلك مع ما فيه مِن الإحسان إلى الفقراء مشعرٌ بمحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله"؛ كما قال الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص: 23، ط. دار الهدى)، "وكيف لا يفرح المؤمنون بليلة ظهر فيها أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف لا يجعلونه عيدًا مِن أكبر أعيادهم"؛ كما قال مفتي مكة المكرمة قطب الدين النهروالي في "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام" (ص: 196، ط. العامرة العثمانية)، "فرحم اللهُ امرأً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادًا"؛ كما قال شهاب الدين القسطلاني في "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية" (1/ 90).
 
كما أنَّ كل مسلم يدرك تمام الإدراك أنه لولا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان لعيد الفطر سرور، وما كان للأضحى حلول، فبه كانت الأعياد أعيادًا، ولأجله شرعت؛ لأنه صاحب الشريعة، وسيد الخلق والخليقة، ولذا فإنَّ السعادة بمولده الشريف تربو على السعادة بكل عيد، فَصَحَّ عند كل ذي لُبٍّ حكيم، وقلبٍ بمحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هائمٍ ومنيرٍ، أنْ يَرْبُوَ مولدُه عندَه على كل عيد؛ إذ هو للأعياد ذاتها عيدٌ؛ فلا يَصِحُّ أنْ تُضاهِيَه، ولا يمكن أنْ توازِيَه، بل هي مستفادة منه، ونابعة عنه؛ فاستحق أن يكون سيدها، وكان أحقَّ بما يُفعل فيها مِن "إيقاد الشمع، وإمتاع البصر والسمع، والتزين بلباسٍ فاخرِ الثياب، وركوبٍ فَارِهِ الدواب"؛ كما قال العلَّامة ابن عباد في "رسائله الكبرى" فيما نقله عنه شمس الدين الحطاب في "مواهب الجليل" (2/ 407، ط. دار الفكر).
 
ومِن أدلة كون هذا اليوم عيدًا: أنَّ الزمان والمكان لا يشرفان لذاتهما، وإنما يشرفان بشرف ما اتصل بهما، ولذا كان مِن أسباب كون يوم الجمعة عيدًا: أنَّ آدم عليه السلام ولد فيه؛ فدل ذلك على أنَّ يوم ميلاده صلى الله عليه وآله وسلم عيد، بل هو أفضل الأعياد؛ لأنه أفضل الخلق أجمعين، وسيد الأنبياء والمرسلين، بل فَضْلُهُ على سائر العالمين.
 
قال العلَّامة ابن الحاج في "المدخل" (2/ 26-29، ط. دار التراث): [(فصل) فإنْ قال قائلٌ: ما الحكمة في كونه عليه الصلاة والسلام خُصَّ مولده الكريم بشهر ربيع الأول، وبيوم الإثنين منه على الصحيح والمشهور عند أكثر العلماء، ولم يكن في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفيه ليلة القدر، واختص بفضائل عديدة، ولا في الأشهر الحرم التي جعل الله لها الحرمة يوم خلق السماوات والأرض، ولا في ليلة النصف من شعبان، ولا في يوم الجمعة ولا في ليلتها؟ فالجواب من أربعة أوجه.. الوجه الرابع: شاء الحكيم سبحانه وتعالى أنه عليه الصلاة والسلام تتشرف به الأزمنة والأماكن، لا هو يتشرف بها، بل يحصل للزمان والمكان الذي يباشره عليه الصلاة والسلام الفضيلةُ العظمى، والمزيةُ على ما سواه من جنسه إلا ما استثني من ذلك لأجل زيادة الأعمال فيها وغير ذلك؛ فلو ولد صلى الله عليه وآله وسلم في الأوقات المتقدم ذكرها لكان ظاهره يوهم أنه يتشرف بها، فجعل الحكيمُ جَلَّ جَلَالُهُ مولدَهُ صلى الله عليه وآله وسلم في غيرها؛ ليظهر عظيم عنايته سبحانه وتعالى به وكرامته عليه] اهـ.
 
وقد وردت تسمية المولد النبوي الشريف بـ "عيد المولد" في نصوص الفقهاء والمؤرخين، ومنهم:
 
- سيدي الحاج أبو العباس أحمد بن عاشر السلاوي المالكي [ت: 765هـ]، والعلَّامة ابن عباد [ت: 792هـ]؛ قال شمس الدين الحطاب في "مواهب الجليل" (2/ 407) نقلًا عن الإمام ابن عبَّاد في "رسائله الكبرى": [وأما المولد: فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين، وموسم من مواسمهم، وكل ما يُفعل فيه ما يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشمع، وإمتاع البصر والسمع، والتزين بلبسٍ فاخر الثياب، وركوبٍ فاره الدواب: أمرٌ مباحٌ لا يُنكَر على أحدٍ؛ قياسًا على غيره من أوقات الفرح، والحكم بكون هذه الأشياء بدعةً في هذا الوقت الذي ظهر فيه سر الوجود، وارتفع فيه علم الشهود، وانقشع فيه ظلام الكفر والجحود، وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لأهل الإيمان، ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان: أمرٌ مُستَثقَلٌ تَشمئز منه القلوب السليمة، وتدفعه الآراء المستقيمة] اهـ.
 
- وتقي الدين أبو الطيب المكي الحسيني [ت: 832هـ] في "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" (2/ 363، ط. دار الكتب العلمية)؛ حيث قال: [خرج الشريف إدريس ليلة عيد المولد] اهـ.
 
- والحافظ الحُجة أبو عبد الله القوري [ت: 872هـ] وغيرُه؛ وذلك فيما حكاه الشيخ زروق [ت: 899هـ] في "شرحه على المقدمة القرطبية" (ص: 241، ط. دار ابن حزم).
 
- وشهاب الدين القسطلاني [ت: 923هـ] في "المواهب اللدنية بالمنح المحمدية" (ص: 90)؛ إذ يقول: [فرحم اللهُ امرأً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعيادًا] اهـ.
 
- ومفتي مكة المكرمة قطب الدين النهروالي [ت: 990هـ] في "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام" (ص: 196)؛ حيث يقول: [وكيف لا يفرح المؤمنون بليلة ظهر فيها أشرف الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف لا يجعلونه عيدًا من أكبر أعيادهم] اهـ.
 
- والعلَّامة عبد الملك بن حسين العصامي المكي [ت: 1111هـ] في "سمط النجوم العوالي" (4/ 496، ط. دار الكتب العلمية)؛ بقوله: [ساروا إلى مصر فدخلوها ليلة عيد المولد] اهـ.
 
-وقال العلَّامة محمد بن سيدي جعفر الكتاني [ت: 1345هـ] في "اليُمن والإسعاد بمولد خير العباد" (ص: 16، ط. المكتبة الشرقية): [ثم ليلتا المولد الشريف المكرم والمعراج النبوي المعظم: يظهر أنهما خير ليالي الدنيا بلا تردد ولا ثنيا؛ لما ظهر ووجد فيهما مما لم يكن ظهوره ولا وجوده في غيرهما، وكذا اليوم الذي يسفران عنه: أفضل الأيام كما ينبغي الجزم به في هذا المقام، وإذا كانا هكذا؛ فهما جديران باتخاذ أمثالهما من بعدهما عيدًا من الأعياد، وموسمًا من مواسم الخير والاجتهاد؛ فتُحترم وتُعظَّم، ويُتلى فيها كتاب الله المُعَظَّم، ويُعمَل في محجتها ما يدل على الفرح والسرور بفضيلتها، والشكر له تعالى ما أنعم به في نظيرتها] اهـ.
 
- وقال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي [ت: 1354هـ] في "كوثر المعاني الدراري" (1/ 72) مؤكدًا هذه التسمية: [ما زال المسلمون يُعظِّمون المولد الشريف، جاعلين له عيدًا أعظم مِن كل عيد، وهو حقيقٌ بذلك وجدير] اهـ.
 
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ احتفال المسلمين بالمولد النبوي الشريف في كل عام، وإقامة الولائم، وصناعة الحلوى، والتزاور فيما بينهم إيذانًا باحتفالهم وابتهاجهم كما يفعلون في الأعياد، بل وإطلاق اسم "عيد المولد النبوي" على هذا اليوم؛ كل هذا مِن الأمور المشروعة المندوب إليها بالاتفاق.
 
 
 
 
 
 
 
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة