غادة جابر

البَتول والحُب الطَّهور

الأربعاء، 09 أغسطس 2023 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت نشأتى فى أسرة متوسطة، لا تعرف الحرمان ولا الترف ولا التشدد ولا التسيب، كان الاعتدال سعادة ننعم بها وتشعرنى دائماً بالرضا منذ طفولتى، ولا أنسى أبداً تصوف أبى هذا الرجل الذى علمنى حب الدين والتاريخ والسياسة والسلوك الطيب، لا أنسى التزامه التام بإقامة الصلاة فى وقتها واستيقاظه فى كل فجر للصلاة حتى يوم رحيله، علمنى أن الله غفور رحيم، وأن المُفلس من يتعدى على الآخر، كما علمنا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا، وذكر صلى الله عليه وسلم الدواوين الثلاثة، منها "ديوان لا يتركه الله" وهو" ظلم العباد بعضهم بعضا"، فالإسلام دين السلام والاعتدال والمحبة واحترام الآخر.

 

لم أنسى جارتنا المسيحية الرقيقة أُم بولا، هكذا كانت تُلقب بين الجيران، لأن ابنها الصغير الأول اسمه بولا، كُنت طفلة عندما اعتدتُ أن تأتى أم بولا الشابة الرقيقة إلى بيتنا من وقت لآخر للجلوس مع أمى، وتحدثها عن أمور كثيرة فى حياتها، العملية والحياتية، فكانت أمى تكبُرها بعدة سنوات، كنتُ أرى وقتها أن أم بولا  تسعد بصحبة أمى وتستمع إلى نصائحها وخبرتها فى الحياة، رغم أنها كانت تعمل موظفة بإحدى الهيئات الحكومية وأمى كانت ربة منزل، رأيتُ صورة لسيدة جميلة كانت تضعها أم بولا أو الأبلة وفاء على أحد جدران منزلها عندما كنت أتردد عليه من وقت لآخر لأقوم بمهمة تبادل أو تسليم وتسلم الأكلات والمقتنيات المختلفة بينها وبين أمى لتوطيد الود والصداقة الدائمة، كانت صورة السيدة الجميلة هى صورة سيدة الطُهر البتول "العذراء مريم"، فى كل مرة كنتُ أرى الصورة أتذكر حديث أبى عن السيدة مريم بكل الحب والتقدير والروعة، بل كان دائم الاستشهاد بها فى أحاديثه المفعمة بسحر الحقيقة، إذ يردد والعذراء، مكث حب العذراء مريم فى قلبى منذ طفولتى لما رأيته من إجماع على حبها من المسلم والمسيحى. 

 

ومع بدء صيام العذراء مريم فى مصر للكنيسة الأرثوذكسية، الذى بدأ فى 7 أغسطس وينتهى فى 22 أغسطس من نفس الشهر، باحتفال كبير وبهجة "عيد العذراء" تقديساً للسيدة العذراء الطاهرة، فالصوم له قدسيته الخاصة لاقترانه باسم السيدة العذراء كاملة الطهر، وتقيم الكنيسة طوال فترة الصيام نهضات روحية وتعرف باسم "نهضة العذراء" قداسات يومية وأمسيات روحية تشمل تماجيد وترانيم ومدائح فى السيدة العذراء، مكانة السيدة العذراء مقدسة عند المصريين بل والعالم أجمع، وتحمل رمزية خاصة لدى المسلم والمسيحى، والمحبة لمريم البتول خلقت حالة روحانية إيمانية، وكانت سبباً لخلق حالة من الحفاوة لدى المصريين باَل البيت، فهى سيدة نساء العالمين، وكرمها القرآن الكريم وبين أنها الطاهرة، لقوله تعالى "وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ" "آل عمران: 42" وشاء الله أن تكون مثالاً يحتذى به لكل نساء العالمين، وارتباط المصريين الوجدانى بالسيدة مريم العذراء يؤكد تدين الشعب المصرى، وأن جناحى مصر المسيحية والإسلام يتفقان فى المشاعر الدينية، والنص هو المسيطر على وجداننا، وتعلمنا التسامح واحترام التنوع، فهى إرادة الله، فخورة بمصريتى.  










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة