يتجلى الفن كلما تعمق وغاص في أدق تفاصيلنا وتجاربنا الإنسانية وساعدنا في وصف ما نشعر به بعد كل تجربة مرت بينا، فما بالك لو أعطانا روشتة للتعافي وخريطة للمتاهة ومفتاح للخروج.
نجاح وتصدر أغنية رياح الحياة للمطرب حمزة نمرة مؤشرات البحث أو الترند بعد نزولها بعدة ساعات يعكس ما أقول في المقدمة، حمزة نمرة لم يُخِب ظن معجبيه ومحبيه في اختيار ما يعبر عنهم من مواضيع وكلمات، فحمزة انتقي له لون فني مختلف وشكل جديد في كل شيء من أول ظهوره وطريقة غنائه "البوب" فلا تستطيع تصنيفه على أنه مطرب عاطفي أو شعبي.. إلخ وموسيقاه خليط ما بين الأنماط الشرقية والغربية، كما أنه يقوم بالغناء والتلحين والإنتاج لمعظم أغانيه علاوة على اختيار كلمات ومواضيع تناقش قضايا اجتماعية وإنسانية مرت على معظمنا ووصف ما تعكسه علينا من مشاعر.
فرح، ألم، أمل، يأس والأغنية من ألحان حمزة، أما كلمات رياح الحياة، فهي للشاعر العميق محمود فاروق الذي استطاع استخدام اللغة العامية بشكل بسيط ومباشر وصف بها تجاربنا ومشاعرنا المحلقة والتي باتت حبيسة بعد أن حطمت أجنحتها رياح الحياة، وكيف نستطيع النهوض والتحليق مجددا مطلع الأغنية يعطي إيحاء بأنه رِتم غربي كلاسيك، بعد ثوان تكتشف أنه رتم شرقي أصيل (مقسوم) تختفي منه بعض العناصر، كما أن دخول الرتم من صوت مكتوم إلى صوت مفتوح يشعر المستمع بنبضات القلب وكأنها نبضات قلب حمزة التي ترشدك لدفء صوته وإحساسه.
اختيار الجيتار وطريقة عزف حمزة تشعرك بأنه هاو يدندن مع ذاته في تجربة شخصية صادقة، وهي في الحقيقة كذلك، ولكنها تخص أحد أصدقاء الشاعر وليس حمزة، ومع دخول باقي الآلات تفتقد وتلاحظ عدم وجود الطبلة، على الرغم من أنها عنصر أساسي في تكوين التقليدي للمقسوم دون الوقوع في خطأ التكوين العام للرتم.
تعود هذه الأفكار الجديدة والجريئة في التوزيع للموزع الموهوب كريم عبد الوهاب فقد ضم الكلمات واللحن بتوزيعه وأفكاره ووضعها في برواز أنيق لنستمتع بلحن انسيابي مختلف وتصاعدي مريح، تصوير وإخراج الأغنية مريح للعين وبسيط يوصل حالة العزلة والتقوقع داخل تجاربنا حياتنا وفي نفس الوقت تبخر هذه التجارب في صورة تبخر كلمات تظهر وتختفي بجانب المطرب لتبقي في النهاية الدروس والحكم التي تعيننا على مواجهة رياح الحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة