احمد عرفه

الحق في الهواء

الإثنين، 14 أغسطس 2023 03:20 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رعب وهلع شديدين عاشهما "ياسين" الذي استيقظ صباحا استعدادا للذهاب إلى عمله لجد ألسنة اللهب الناتجة من الحرائق قد أحاطت ببلدة توجة غرب ولاية بجاية، تلك البلدة التي يعيش فيها هو وأسرته، نتيجة لاقترابها من الغابات، لحظة لا يمكن أن ينساها هذا الرجل وزوجته وأطفاله الاثنين من هول الموقف الذي يتعرضون له للمرة الأولى، يحاولون الهروب من تلك الحرائق، يصرخون من الخوف أن يتعرضون لأذى أو يخسرون أحد أفراد الأسرة بسبب هذه الكارثة، ينظر الأب لأبنائه وهم يبكون ويحاول تهدئتهم دون جدوى، ثم يستطيعون بمساعدة سلطات الحماية المدنية الفرار، ويجد نفسه هو أسرته ضمن آلاف من السكان ضمن من سيتم إجلائهم من البلدة بسبب أن الحرائق التهمت العديد من المنازل وقتلت العشرات سواء من العسكريين أو المدنيين، يجد نفسه مضطرا لمغادرة المكان الذي عاش فيه لسنوات وسيذهب لمصير لا يعرفه هو أسرته بسبب حرائق الغابات التي ضربت بلاده نتيجة التغيرات المناخية، ثم يعلم أن أحد جيرانه وهم عائلة مكونة من 6 أشخاص تتكون من أب وأم و4 أولاد من بينهم رضيع، قتلوا خلال محاولتهم الفرار على متن مركبتهم عندما حاصرتهم النيران.
 
 
إن كانت القصة السابقة من تأليف كاتب هذه السطور عدا مقتل عائلة مكونة من 6 أفراد، ولكنه واقع عاشته العديد من الأسر الجزائرية في يوليو الماضي بسبب حرائق الغابات التي ضربت عدة ولايات جزائرية، هذا واقع ليس فقط في الجزائر بل أيضا في دول أوروبية وأخرى من مختلف قارات العالم، فلدينا الآن واقع أليم متمثل في حرائق هاواى التي صنفها الكثير من الخبراء بأنها أصبحت الأكثر دموية فى الولايات المتحدة منذ أكثر من 100 عام، ووصل عدد الضحايا حتى كتابة هذه السطور إلى 93 قتيلا، وسبب ذلك الحادث الصعب هو الجفاف الذي ساء في هاواي خلال الأسبوع الماضي، تسبب في انتشار الحرائق، حيث ارتفعت ظروف الجفاف الشديدة في مقاطعة ماوي إلى 16 % من 5 % الأسبوع الماضي التي تزامنت مع إعصار دورا، الذي يعد من الفئة 4 مع رياح مستدامة مما ساعد في انتشار تلك الحرائق، كل هذا نتيجة تلك التغيرات المناخية التي أصبحت كابوسا تعيشه العديد من دول العالم ولم يسلم منه أحد.
 
 
 
تخيل معى وأنت في أي مكان في العالم معرض لتلك التغيرات المناخية، أنك الآن أصبحت مهددا بأن تترك ليس فقط منزلك بل المنطقة التي عشت وتربيت بها ولديك ذكريات الطفولة والشباب معها، لتنتقل لمكان أخر آمن، أو أن تفقد أقارب وأعزاء لديك أو تفقد أفراد من أسرتك بل حياتك أنت أصبحت في خطر، قد تستيقظ لتجد هيئة الأرصاد الجوية التي تتبع بلدك تخبرك بأن المنطقة "كذا" ستتعرض لفيضان أو عاصفة أو حرائق أو ارتفاع شديد في درجات الحرارة أو ثلوج كثيفة تشهدها بلادك لأول مرة، وغيرها من الكوارث التي نطلق عليها أنها طبيعية، ولكنها في الحقيقة هي من فعل أيدي البشر، إنها ببساطة التغيرات المناخية، التي أظهرت وجهها القبيح للكرة الأرضية، وأصبحت أشد مما توقعها الكثير من الخبراء، لم تعد تضرب مناطق بعينها في العالم بل أصبحت تهدد العالم أجمع.
 
منذ صغرى وأنا أسمع مصطلحات من قبل الحق في الصحة، الحق في الغذاء، الحق في التعليم، الحق في المسكن اللائق، وغيرها من أنواع الحقوق المختلفة، ولكن المصطلح الأهم الآن الذي يرفض نفسه بقوة على الساحة العالمية هو "الحق في الهواء"، نعم كما تسمع هو الحق في الهواء، أبسط الحقوق وأهمها قد تجد نفسك محروما منه في يوما ما، بفعل ما يسميه الخبراء والمتخصصين "التغيرات المناخية"، أو "ظاهرة الاحتباس الحراري"، وغيرها من المصطلحات التي قد لا يفهمها بعض المواطنين العاديين غير المتخصصين أو لا يعيرون لها اهتماما، ولكن كى تعرف حجم الكارثة فعليك أن تتخيل بأن يوما ما قد تكون محروما من الهواء النظيف، والمناخ المعتدل الذي يمكنك من العيش بسلام مع أسرتك، أن تكون دائما قلقا ومتوترا من المستقبل، ترى ماذا سيحدث غدا؟ هل المدينة التي أعيش فيها قد تتعرض لحرائق إذا كانت قريبة من الغابات؟ أم تتعرض لعاصفة شديدة لم تشهدها البلاد قبل ذلك وتؤدى لعشرات الوفيات؟ أم فيضانات ضخمة كما شهدتها العديد من المدن حول العالم؟ هل سأضطر لمغادرة منزلى لأننى أعيش في منطقة معرضة لتشهد تداعيات التغيرات المناخية؟ ماذا عن مستقبل المدن الساحلية التي قد تغرق بسبب ارتفاع منسوب البحار بفعل ارتفاع درجات الحرارة؟
 
كل هذه تساؤلات بمجرد أن تفكر فيها ستعيش حالة توتر صعبة، خاصة أن حل الأمر ليس بيدك بل بيد العالم أجمع، حتى البلدان التي قد لا تشهد كوارث بسبب التغيرات المناخية، فإنها ستشهد تغير حاد في حالة الطقس سواء في الشتاء أو الصيف، فالارتفاع الكبير في درجات الحرارة التي شهدها العالم هذا الصيف، يشكل خطر كبير للغاية على كبار السن والرضع والأطفال، وقد يصيبهم بضربة شمس ويهدد حياتهم، قد تجد نفسك مضطرا لعدم النزول من المنزل لأن لديك أطفال لا يستطيعون الذهاب معك في ظل درجات الحرارة المرتفعة، بجانب الانخفاض الشديد في درجات الحرارة في الشتاء والمرتبطة بانتشار العديد من الأمراض والأوبئة، كل هذا بخلاف التأثير على الأراضي الزراعية وعدم القدرة على زراعة محاصيل استراتيجية بعينها لعدم قدرتها على التأقلم مع تلك التغيرات المناخية ولتطلبها ظروف طقس معينة، وبالتالي تأثير مباشر على الأمن الغذائي في العدي دمن دول العالم، تخيل معى حجم الكارثة، يومك الطبيعى لن تستطيع أن تعيشه كما كنت من قبل فهل هذا لا يتطلب منا وقفة جادة !
 
قبل أن أطالبك عزيزى القارئ بوقفة جادة تجاه تلك الأزمة العالمية، تعالى لأخذك إلى وقائع وأحداث مرعبة شهدها العالم بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، ففي 8 أغسطس 2023 خرجت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لتؤكد أن متوسط درجة الحرارة العالمية لشهر يوليو 2023 بلغ أعلى مستوى تم تسجيله على الإطلاق، وأكد خبراء في ذات البيان أنه كان الأكثر احترارا منذ 120 ألف سنة على الأقل، وخلال المؤتمر الصحفى تقول سامانثا بورغيس، نائبة مدير خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للمفوضية الأوروبية إنه تم تأكيد أن متوسط درجة الحرارة العالمية لشهر يوليو 2023 كان الأعلى على الإطلاق بالنسبة لأي شهر، حيث يُقدر أنه كانت حوالي 1.5 درجة مئوية أكثر دفئاً من المتوسط في الفترة من 1815 إلى 1900.
 
هذه التصريحات تؤكد بما لا يدع مجالا لشك بأن العالم اقترب أكثر من حاجز 1,5 درجة مئوية وهي الدرجة التى وضعتها اتفاقية باريس للمناخ 2015، كمعدل حرج لدرجات الحرارة، وها نحن نشهد هذا الوضع الحرج الآن، ونشهد معها تفاقم ظاهرة النينو 2023 والذي تكون فيه درجات حرارة سطح البحر في أعلى مستوياتها على الإطلاق، وظاهرة النينو عزيزى القارئ هي ظاهرة حصرية لمجموعة مياه المحيط الدافئة التي تمتد من أمريكا الجنوبية إلى آسيا وبالتحديد بالمحيط الهادي تؤدي إلى طفرات مناخية قوية، وبحسب ما قدره خبراء فإن ظاهرة النينو لعام 2023 تعيق الاقتصاد العالمي وتتسبب في خسائر تصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2029.
 
التغيرات المناخية لا تفرق بين دول متقدمة وأخرى نامية، بل تضرب الجميع، فأوروبا على سبيل المثال شهدت كوارث في صيف هذا العام، ففي منتصف يوليو 2023 ، لقى العشرات مصرعهم فى إيطاليا واليونان مع استمرار الحرائق التى خرجت عن السيطرة، لتعلن معها الحكومة الإيطالية الطوارئ فى 20 مدينة فى البلاد بعد وفاة 5 أشخاص بسبب حرائق وهبوب رياح قوية، وكذلك إصابة أكثر من 200 شخص فى بالريمو بحالة من الاختناق نتيجة الدخان الناتج عن الحرائق، لتجتاح النيران، مطار باليرمو، ليغلق المطار لأسباب أمنية، حيث أدت الشمس الحارقة إلى انصهار الأسفلت.
 
لم يتوقف الأمر عند إيطاليا إلى هذا الحد، بل إن الرياح القوية مع ارتفاع درجات الحرارة تسببت في اندلاع حرائق الغابات فى جزيرة صقلية الإيطالية، وأجبرت النيران السكان والسائحين على الإخلاء خاصة مع تعرض الجزيرة لـ 650 حريقًا.
 
لم يختلف الأمر في اليونان كثيرا، حيث اضطرت السلطات هناك لرحلات الإجلاء من جزيرة رودس بسبب أزمة الحرائق التي طالت الجزيرة كما طالت جزيرتى كورفو وإيبويا، وتخطت درجة الحرارة الـ 44 درجة مئوية.
 
تعالى معى عزيزى القارئ لنذهب إلى سلوفينيا، والتي شهدت هي الأخر في مطلع شهر أغسطس الجاري فيضانات غير المسبوقة تسببت في سقوط 6 قتلى، لتتدخل عدد من الدول الأوروبية لمساعدة البلاد في مواجهة هذه الكارثة، والتي نتجت من سقوط أمطار غزيرة أدت لفيضانات عارمة، وتحدثت السلطات عن خسائر تجاوزت النصف مليار يورو، بينما النرويج التي شهدت في 9 أغسطس الجارى أيضا فيضانات في جنوب البلاد بسبب ظروف الطقس تسببت في حدوث انهيارات أرضية، وإجلاء المئات من المواطنين، حيث شهدت 16 انهيارا أرضيا، وستة فيضانات و12 حادثة تضرر جراء الطبيعة وبالتحديد في شمال العاصمة أوسلو، فيما تمكن رجال الإنقاذ من نقل أكثر من 600 شخص إلى مواقع آمنة.
 
الأمر لم يتوقف في أوروبا عند الصيف فقط، ففي الشتاء الماضي، ووفقا لتقرير المركز الدولي للرصد البيئي الإيطالي، كان شتاء 2022 الأكثر سخونة على مر تاريخ سجلات الأرصاد الجوية بأوروبا، بسبب قلة تساقط الثلوج وتغير أنماط سقوط الأمطار بسبب ارتفاع معدلات درجة الحرارة بنسب متفاوتة بين دول أوروبا، مما تسبب في خسائر فادحة بالأنهار الجليدية في منطقة الألب، بجانب حدوث ذوبان حطم الرقم القياسي حيث شهدت جبال الألب ثلوجا أقل بنسبة 63 % من المعتاد، وكانت فرنسا صاحبة الحصة الأكبر من الأضرار المناخية القادمة بعدما سجلت الشتاء الأكثر سخونة وجفافا منذ حوالى 50 عاما، مما تسبب في جفاف بحيرة مونتبل والتي جفت بنسبة تجاوزت 80%.
 
وكذلك نشرت مجلة "نيتشر ميدسين" دراسة لعلماء المعهد الفرنسي لأبحاث الصحة ومعهد برشلونة للصحة العالمية، أكدوا أن القارة الأوروبية ستعرف في المتوسط أكثر من 68000 حالة وفاة كل صيف بحلول العام 2030، وأكثر من 94000 بحلول العام 2040، في حال عدم وضع تدابير لمواجهة مشكلة ارتفاع درجات الحرارة، مؤكدين تسجيل أكثر من 60 ألف حالة وفاة إلى درجات الحرارة المرتفعة التي شهدتها أوروبا في صيف 2022.
 
الشقيقة الجزائر كانت من أكثر الدول العربية التي تضررت من أزمة التغيرات المناخية، خاصة في يوليو 2023، بعدما وصلت حصيلة حرائق الغابات هناك إلى 34 قتيلا، بينهم 10 من عناصر الجيش، حيث قُتل العسكريون في ولاية بجاية شرق العاصمة بعد تسبب قوة الرياح في تغيير اتجاه النيران بشكل عشوائي تجاه موقع العسكريين.
 
سأخذك عزيزى القارئ إلى مكان أخر في اقصى شرق العالم، الصين التي شهدت أيضا في 9 أغسطس فيضان مفاجئ على طول نهر لونجشى فى مقاطعة سيتشوان جنوب غربى الصين تسبب في مقتل 7 أشخاص لقي 7 أشخاص مصرعهم، الأربعاء، في منطقة جبلية في سيتشوان جراء فيضانات ضربت جنوب غرب، وذلك بعد أيام قليلة من أمطار غزيرة وقعت في شمال الصين تسببت في سقوط 10 قتلى في الأقل، وفقدان 18 آخرين بالعاصمة لبكين.
 
اليابان لم تسلم هي الأخرى من أزمات التغيرات المناخية، ففي 9 أغسطس الجارى، تم إلغاء حوالى 350 رحلة جوية في اليابان بسبب إعصار "خانون" الذي ضربشرق جزيرة كيوشو، بعدما تجاوزت سرعة الرياح في منطقة الإعصار مستويات 30 إلى 40 مترا في الثانية، واستمر لأكثر من أسبوع مما تسبب في أمطار غزيرة في جزيرتي أوكيناوا وكيوشو وأضرار بالغة.
 
إذا انتقلنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد في ولاية ألاسكا، سنجد مدينة جونو التي شهدت فيضانات جليدية في مطلع أغسطس الجاري أيضا ناتجة عن انفجار سد جليدي، والتي تسببت في تدمير منزل، وسط مساعي من السلطات بالولاية لإجلاء السكان في بعض الشوارع، بينما ولاية جورجيا الأمريكية شهدت هي الأخرى عواصف رعدية قوية في 8 أغسطس الجارى تسببت في مقتل شخصين، وإلغاء أكثر من 500 رحلة جوية من مطار هارتسفيلد الدولي في أتلانتا عاصمة الولاية الأمريكية،  بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء عن مناطق عديدة في المدينة، بعد تعرض المنطقة لعدة عواصف رعدية.
 
بتصفح بسيط للموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة، ستشاهد ما يفزعك من ضخامة الكوارث التي يشهدها العالم بسبب التغيرات المناخية، حيث تؤكد المنظمة عبر موقعها أن هناك زيادة في الكوارث الناجمة عن الفيضانات التي سببها التغير المناخي، بنسبة 134 % في الفترة ما بين عامي 2000 و2023، كما عانى أكثر من 828 مليون شخص من الجوع في عام 2021.
 
وخلال الموقع الرسمي أيضا تؤكد الأمم المتحدة، أن أكثر من مليوني حالة وفاة و4.3 تريليون دولار من الخسائر الاقتصادية، بسبب الظواهر المناخية المتطرفة الناتجة عن ظاهرة الاحتباس العالمي من صنع الإنسان على مدى نصف قرن، كما أن الأخطار المرتبطة بالطقس والمناخ والمياه تسببت بوقوع ما يقرب من 12 ألف كارثة بين عامي 1970 و2021، والبلدان النامية الأكثر تضررا، والتى تكبدت 90 % من الوفيات و60 % من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التغيرات المناخية.
 
في 8 يوليو 2023 نشر موقع CNN العربية، دراسة تؤكد ارتفاع متوسط درجة الحرارة اليومية على كوكب الأرض إلى مستويات غير مسبوقة في السجلات الحديثة التي تحتفظ بها وكالتان للمناخ في الولايات المتحدة وأوروبا، وهى درجة الحرارة الأكثر دفئا التي شهدها الكوكب منذ فترة لا تقل عن 100,000 عام.
 
 
هل بعد كل هذه الكوارث والأحداث المؤسفة، والأرقام المرعبة لا زلت لا تستوعب حجم الأزمة عزيزى القارئ؟ هل ترى أن الهواء في كوكب الأرض أصبح في خطر مع استمرار تزايد مستويات ثاني أكسيد الكربون وتخضم الانبعاثات الحرارية الناتجة عن الأنشطة الصناعية التي تستخدم الوقود الأحفورى؟ هل أزيدك من الشعر بيتا بأن مساهمة انبعاثات الغازات الدفيئة لـ 10 دول فقط تتجاوز ثلثي الانبعاثات العالمية بنسبة 68 % وهم الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والهند، وروسيا، واليابان، والبرازيل، وإندونسيا، وكندا، وإيران، وهي دول شهدت شعوبها كوارث وضحايا بسبب ظاهرة التغيرات المناخية، وتمثل كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، نسبة 40 % من إجمالي الانبعاثات العالمية المسببة للتغيرات المناخية، وهما دولتان تعرضا لكوارث كما ذكرنا في السطور السابقة خلال هذا الشهر بسبب أنشطتهم الصناعية المستخدمة للوقود الأحفورى.
 
إذا ماذا ينتظر شعوب العالم ! هل سنظل ننتظر استيعاب قادة الدول الصناعية الكبرى لحجم الأزمة ليتعطفون علينا بإجراءات حازمة وحاسمة وخطط واضحة للتصدى للظاهرة الأخطر على الكرة الأرضية؟ وماذا إذا لم يتحركون وظلت تصريحاتهم مجرد وعود زائفة؟ هل سننتظر حتى ينهار كوكب الأرض بمن فيه من كائنات خاصة مع تحذيرات من العديد من خبراء البيئة بأن الكرة الأرضية قد لا تكون صالحة للحياة في عام 2050 حال استمرار تلك الانبعاثات الحرارية بنفس المعدل دون تقليل المسببات لكل الانبعاثات وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة !
 
قضية التغيرات المناخية التي بدأ النقاش العالمى فيها منذ سبعينيات القرن الماضي، ثم بدأت تأخذ اهتمام منظمات دولية في تسعينيات القرن الماضي، منذ ذلك الوقت ولم تتعد تصريحات زعماء قادة العالم سوى الوعود فقط دون موقف حاسم وجاد حتى وصلنا إلى ما وصلنا له من تداعيات لتلك الأزمة الخطيرة، وبالتالي التعويل على هؤلاء القادة لم يعد أمرا مجديا، بل أصبح هناك ضرورة لوقفة من شعوب العالم لإجبار الدول الصناعية الكبرى على حلول عملية لإنقاذ هذا الكوكب.
 
في هذا المقال لا يمكن أن نسرد وقائع تلك الظاهرة الخطيرة دون أن نضع حلولا عملية ذكرها العديد من خبراء البيئة العالميين، فالبعض يتحدث عن ضرورة وضع حد لدعم صناعة الوقود الأحفوري، والبعض الأخر يشير إلى التدرج في عملية الاستغناء عن هذا الوقود، وآخرون يؤكدون ضرورة تحويل منظمات التنمية والتمويل الدولية إلى محركات للعمل المناخي كي يتسنى للدول والشعوب الأكثر تأثرا الحصول على تمويل في قطاع المناخ، بجانب ضرورة أن تفى الدول الصناعية الكبرى بوعود تمويل الدول النامية من أجل التكيف المناخى وفقا لما ذكرته بنود اتفاقية باريس للمناخ، ومنظمات عالمية تؤكد ضرورة زيادة الاعتماد على الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة والمستدامة، والتوسع في زراعة الأشجار، وغيرها من المقترحات والرؤى الجيدة والتي سيكون لها تأثير كبير في الحفاظ على كوكب الأرض ولكن ما هو الضمان لتنفيذ هذه الرؤى.
 
الأمر يحتاج لضغط شعوب الدول المستخدمة للوقود الأحفورى بشكل كبير والمتسببة في التغيرات المناخية حتى تعدل عن تلك السياسة الخاطئة في الصناعة، لماذا لا يكون هناك عقوبات دولية على الدول التي لا تلتزم بما تقره قمم المناخ للدول التي لم تلتزم بتعهدات مواجهة التغيرات المناخية؟ لماذا لا يوجد إلزام للدول الصناعية الكبرى بضرورة توفير تمويل كافى للدول النامية للتكيف المناخى لأن الأمر لم يعد رفاهية كما يعتقد البعض؟ لماذا لا تنظم شعوب الدول الكبرى تحركات ووسائل ضغط على حكوماتهم لوضع حد للاعتماد المتزايد على الطاقة التي تتسبب في الانبعاثات الحرارية وأن تلتزم باستراتيجية تضمن زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة؟ هل ننتظر حتى نصل للتاريخ الذي حدده خبراء البيئة وهو 2050 لنستيقظ ونجد الأرض لم تعد صالحة للحياة؟ هل لدينا كوكب أخر يمكننا الذهاب له حال عدم قدرتنا على العيش في الأرض؟ إذا لم يتحرك المجتمع الدولى الآن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فالسنوات المقبلة ستكون الأصعب على البشرية وستزداد صعوبتها سنة تلو الأخرى طالما ظلت الدول المتسببة في الانبعاثات الحرارية في سياساتها الصناعية دون أدنى اعتبارها لشعوبها ولشعوب دول العالم أجمع.
 
 
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة