عادل السنهورى

8 سنوات على حفر قناة السويس الجديدة

الخميس، 10 أغسطس 2023 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يوم 6 أغسطس من عام 2015 كان يوما من الأيام التي لا تنسى في تاريخ الشعب المصري، فقد عاشت مصر يوما من أيامها القومية المجيدة. في مثل هذا اليوم كان افتتاح قناة السويس الجديدة بإرادة وعزيمة وعزم المصريين وتم حفرها "من أموالنا.. بأيد عمالنا".
أعتبر هذا اليوم من أهم اللحظات التاريخية التي كنت مشاركا فيها وشاهدا عليها، وكنت فخورا بهذه اللحظة التي لا تتكرر كثيرا في حياة وتاريخ الأمم.. شاهدت كل الوجوه من الشخصيات العامة ومن الأصدقاء بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية...الفرحة الغامرة والسعادة والانبهار يعلو الوجوه، ومشاعر الفخر والعزة والكرامة الوطنية تسكن القلوب والوجدان.. لحظة لن ينساها المصريون.
 
8 سنوات مرت على قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي في أغسطس 2014 بإنشاء قناة سويس جديدة، ودعوة المصريين للاكتتاب وشراء شهادات استثمار خاصة بالقناة لجمع ما يقرب من 60 مليار جنيه.. المشهد لم يصدقه كثيرون في الداخل والخارج.. فأوضاع البلاد الأمنية والاقتصادية والسياسية لم تكن على ما يرام، والضغوط الدولية على مصر بعد ثورة 30 يونيو مستمرة وعلاقاتنا الدولية ليست في أفضل حالتها.
في ظل هذه الظروف الصعبة والأوضاع المرتبكة داخليا وخارجيا، يفاجئ الرئيس الجديد الذي لم يكد يمر على توليه الحكم شهران فقط، يفاجئ الجميع بقرار شجاع وجرىء، في استعادة لمشهد تاريخي مهيب كانت قناة السويس هي الأصل والقضية فيه وهو قرار الزعيم جمال عبد الناصر بتأميم القناة والذي وصفه بعض الساسة في مصر وخارجها في مذكراتهم بأنه "نوع من الجنون" .. لكن الفيصل في المشهدين هنا كان الرهان على عظمة الشعب المصري وصموده واصطفافه الوطني خلف قيادته وعدم خذلانها والتخلي عنها.. فكان النصر حليف مصر.
منذ 8 سنوات أبهر الشعب المصري العالم وتجلى في أبهى صوره الوطنية المصرية الضاربة في جذور التاريخ القديم والحديث، خرج الشعب لشراء شهادات الاستثمار وكان الخروج رسالة مدهشة ومبهرة للعالم بأن مصر لن تسقطها دعاوى الغدر والخيانة، ولن تركع أمام جيش الظلام والإرهاب.. هي الصورة الجديدة بأدوات جديدة لمشهد 56 
لم تصل الرسالة لحلف الشر والإرهاب ومن وراءهم، وهاجموا مشروع مصر القومي في حفر قناة جديدة بكل أدوات الكذب والشائعات، لنشر مشاعر الإحباط وفقدان الثقة لدى طوائف الشعب المصري، ولا ننسى مفردات الهجوم الساخرة من حفر القناة.
يوم 7 أغسطس 2014 يبدأ العمل الجاد والحفر الجاف بالمشروع، ويشارك فيها 44 ألف مواطن مصري بسواعدهم العفية، بمصاحبة 4500 معدة، و84 شركة، وصوت حليم يصدح "وادي احنا بنينا.. من أموالنا بأيد عمالنا". واستطاعوا إنهاء الحفر الجاف بنسبة 100% خلال 9 شهور، عن طريق استخراج حوالي 250 مليون متر مكعب من الرمال.
 
وأمام حضور غير مسبوق من قادة العالم العربي والأوروبي والأفريقي وبحضور آلاف المصريين يدشن القائد عبد الفتاح السيسي القناة الجديدة بطول 74 كيلومترا،
بعد 8 سنوات نقرأ المشهد لندرك أن الرؤية الاستراتيجية للقيادة السياسية المصرية كانت صائبة رغم الهجوم وبث الأكاذيب والإحباط. 
الرؤية الاستراتيجية المبكرة وفي ظل أوضاع لم تكن تتيح أو تسمح بالقرارات الشجاعة، أثبتت صوابها وضرورتها، وأن التأخير فيها كانت عواقبه غير محمودة على مصر وقناتها.
 
هنا نقرأ المشهد بعد هذه السنوات من افتتاح القناة الجديدة.. وماذا كان الهدف والرؤية من حفرها..؟
الآن ندرك أن الهدف من وراء القرار الشجاع كان إنقاذ قناة السويس كممر ملاحي عالمي استراتيجي من محاولات إنهاء دورها، وتقليل أهميتها الاستراتيجية على خريطة التجارة العالمية، بعد الإعلان المتكرر عن مشروعات نقل وقنوات ملاحية بديلة في المنطقة وخارجها لغلق صفحة قناة السويس. 
 
القناة الجديدة أنقذت أهم إنجاز وطني مصري في الـ150 عاما الأخيرة في تاريخ مصر، وهو قناة السويس، التي حفرها المصريون بأيديهم، وروها بدمائهم، وضحوا من أجلها بأرواحهم، ثم بعد 87 عاما دافعوا وقاوموا وناضلوا للدفاع عن تأميمها وعودتها إلى ملكية الوطن الأم.. ولم ينس أعداء الأمس واليوم الضربة المصرية، فأرادوا إجهاض الحلم بنزع أهم مزاياها التنافسية كممر بحري استراتيجي في العالم يربط بين الشرق والغرب، فبدأت مؤامرات الليل في البحث والدراسة والتخطيط لحفر قنوات بديلة أو إنشاء طرق نقل أخرى لسحب البساط من تحت أقدام القناة المصرية.
 
جاء القرار والتنفيذ في أقل من عام ليجهض ويحطم كل هذه المؤامرات والمحاولات لانتزاع الدور والأهمية من قناة السويس، بل ولم تكتف مصر بالحفر فقط، وإنما بالبدء في عمليات التحديث والتطوير للممر التاريخي القديم من الشمال إلى الجنوب، ودعم هيئة قناة السويس بكل أدوات وآليات التوسعة والإنقاذ والإرشاد، فسلم الجميع بمشروع مصر ورؤيتها الاستراتيجية، وبالأهمية الدولية للقناة والدور الذي تلعبه لحركة التجارة الملاحية الدولية والتي تستحوذ منها على نحو 14% .. وتعزيز التجارة البحرية ودور مصر كممر بحري رئيسي بين الشرق والغرب.
 
اقتصاديا... استهدف القرار ضرورة مواكبة واستيعاب نمو حركة التجارة العالمية المتزايدة والتطور مع صناعة الناقلات الملاحية العملاقة ذات الأعماق الكبيرة وهو ما تحقق عقب تدشين القناة الجديدة وجاءت الأرقام خير دليل واثبات على صحة وصواب الرؤية الاستراتيجية المصرية في 2014 ، فالقناة حققت أعلى عائدات سنوية في تاريخها خلال العام المالي 2021/2022 والتي بلغت 7 مليارات دولار، والعام الجاري بلغت الإيرادات 9.4 مليار دولار، وساهمت في زيادة القدرة الاستيعابية للقناة ورفع تصنيفها وتعظيم القدرات التنافسية، وتفادي أي تحديات ملاحية طارئة، واختصار زمن عبور السفن من 18 إلى 11 ساعة، وتوفير الكثير من نفقات التشغيل والمرور لأصحاب هذه السفن والناقلات، وتحقيق أعلى معدلات الأمان الملاحي.
 
إذن ساهمت القناة الجديدة في تعزيز الاقتصاد المصري وتحسين أداء الموازنة العامة، خاصة مع اتجاه الدولة إلى عملية تحسين البنية التحتية المحيطة بقناة السويس الجديدة، بما في ذلك إنشاء مناطق اقتصادية خاصة وموانئ جديدة، والمساهمة في زيادة حركة التجارة وتسهيل حركة البضائع العابرة للحدود.
 
حفر القناة الجديدة صاحبه الإعلان عن مشروع قومي آخر هو محور تنمية قناة السويس، وإنشاء المنطقة الاقتصادية للقناة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتعزيز قطاعات عديدة مثل النقل واللوجستيات والتصنيع، ما جعلها محور للتجارة واللوجستيات بسبب موقعها الاستراتيجي، وقد أتاح ذلك لمصر فرصا لتوسيع دورها في سلاسل التوريد العالمية وزيادة حجم تجارتها. علاوة على إنشاء العديد من الصناعات المختلفة خاصة مع تقديم هذه المناطق حوافز وتسهيلات لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، في قطاعات التصنيع والطاقة واللوجستيات ما أدى إلى زيادة الأنشطة الصناعية وخلق فرص العمل.
 
القناة أصبحت قاطرة وشريان الحياة الجديدة في تلك المنطقة والاقتصاد المصري وتحسن مؤشراته، وحركة التجارة الدولية وتوطيد العلاقات الدولية من خلال القناة التي ساهمت في ازدياد وتوسيع أفاق الاستثمارات الضخمة بين جميع الدول
تتحدث الأرقام وتصمت الأراجيف والشائعات، فمنذ افتتاح القناة في أغسطس 2015 وحتى الآن عبرت المجرى الملاحي للقناة حوالي 135 ألف سفينة بزيادة قدرها 10 آلاف سفينة عما كانت عليه قبل الافتتاح، كما بلغ إجمالي الحمولات العابرة للقناة 8 مليار و200 مليون طن بزيادة قدرها 2 مليار طن عما كانت عليه، وحققت القناة منذ افتتاحها إيرادات هي الأعلى في تاريخها قدرت بـ41 مليار و700 مليون دولار بزيادة قدرها 7 مليار دولار عما كانت عليه، ما يعكس وبصورة غير قابلة للجدل الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع القومي لمصر.
 
ولولا الأزمات العالمية في السنوات الـ4 الأخيرة مثل جائحة كورونا ثم الركود الاقتصادي والأزمة الروسية الأوكرانية لتضاعفت إيرادات القناة وحققت أرقاما قياسية غير مسبوقة.. ومع ذلك فما تحققه القناة الأن وفي ظل هذه التحديات يعتبره خبراء الاقتصاد والملاحة إنجازا عير مسبوق أيضا.
 
عاشت القناة لمصر وعاش المصريون للقناة.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة