خالد دومة يكتب: وقال البحر

الخميس، 27 يوليو 2023 11:24 م
خالد دومة يكتب: وقال البحر خالد دومة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان مساء صفت نسائمه ضوء خافت تحيط بنا شجرتان عظيمتان كان البحر أمامنا حزين خائف يترقب ونحن واقفان مشدوهين إليه.
 
قالت: ليت البحر يبتلعنا، نغوص فيه، حتى نمتزج، فنصير شيء واحد، أنا أريد أن أسكنك، أسكن بداخلك، فلا أفارقك إلى الأبد. قلت لها: إني أخاف البحر، أهابه، قالت: وأنا أيضا أخافه، أخاف أشياء كثيرة، ولكني عندما أكون معك، لا أخاف الأهوال، لدي القدرة أن أواجه الأخطار لأجلك، لأني معك، قلت لها: إني ألمح خوفا في عينيك، وشفتاك ترتعشان، ووهن كبير، يجتاحك حين نكون معا، نسترق بعض أعمارنا من الحياة، التي أهملتنا، وأعطت لنا ظهرها ساخرة بنا، مستهزاة بقلوبنا، ...أنني فقط أخاف من فوات اللحظات، أخاف من لحظة الرحيل، لحظة الوداع، إنك تستل روحي مني، أهيم على وجهي، فاقدة الهوية، الوعي، فاقدة رحلة دمي في الأوردة، كأن ماء يصير في عروقي، إحساس مزعج أن أبقى بلا هوية، تربطني بمن حولي، كـأنها متوقفة عليك، وصارت كلها لا تعرف سواك، .. أنت لا تدري كم أتعذب، أموت الساعات التي أعيشها دونك، منذ أن أغادرك، وحتى ألتقي بك، فيدور الزمن دورته في سرعة خاطفة، حركة الشمس تزداد، الأفلاك تسابق الزمن، تمر الساعات القليلة لحظات، نسمات تفر، تلامس وجهي في دعة، أنت لا تدرك، كيف أصبح؟ ..كل يوم في طريق إلى البيت أتلاشى، أبحث عني، في خطواتي، في زوايا الشوارع، في عيون البائسين، في أهات المحرومين، لكن لا أجدني، لا أقابلني، مصادفة، ولو قابلتني فأنا أدرك أنني لن أعرفني، سأبدو غريبة عن كل شيء، قد يطول البحث. كادت أن تنهار قدميها الصغيرتين، إنها تترنح بعينيها، كان حاديثنا متقطع متنوع، نتأمل أكثر مما نتكلم، يأخذنا الخيال، ونحن واقفان نضحك، من فرط السعادة، دون أن نسمع ما نقول، أو نعرف ما يقع على آذاننا، لكننا نعلم أننا سعداء، وأن العالم بين يدينا، وأننا أسعد أهل الأرض، لكنا سرعان ما نفيق على الواقع، حين يصفعنا، إن الخوف المنبعث من البحر، يقترب منا على مهل، يذكرنا بمأساتنا. ودعنا البحر، ومشت أمامي، كانت تتهادى كفراشة، أعيتني وقع أقدامها، كانت تطير، جسدها المتوازن، لا زيادة ولا نقصان، كل شيء في مكانه المقدر له، في موقعه الصحيح، نشيد ملهم، قُل إن أردت له وصفا دقيقا، لحنا يبعث على النقائض، الحب الشديد، والخوف الشديد، كانت كلما ودعتني، قالت لي أن أحترس عليها، في غيابها، كانت تلقي بنفسها معي، تودعني حين تودع نفسها، وألمح دمعة قابعة خلف الأهداب، تخشى أن تظهر لي، أو تخاف، كان الضعف هو حارسها الأمين في حضوري، لا تتماسك ولو قليلا، في سلامها لي، تضع كل قوتها وأنوثتها رهن أشارتي، وتهمس أفعل بهما ما تشاء، أعبث، ألهو، كن رفيق، أو أقسو، أنا راضية بكل ما تقدمه يداك، ولكن رفقا بقلبي، فلا تضن بقليل من عطف، بقليل من حب، يشد أذري، ويشاركني أثقال ما فرضه علي، كي أبقى، كي أظل، وأظل، تركتها ترحل، ودعت خطواتها، ولكن دائما ما نترك وراء جرائمنا، ما ينم على مرورنا من هنا، رغم أننا أكثر حرصا على عدم ترك دليل يكشف عما يسكن في قلوبنا، لكن أحيانا نسأم، من الظلام، نشتاق إلى النور، ولو للحظات، أتطلع إلى وجهه ساعة، ويتطلع إلى عيني، قال لي: لا بد أن نتوقع يوما قد يجيء، أن نبتعد، وألا أحرقتنا وأحرقت ثيابنا، ظواهرنا وبواطننا، أن نحافظ على ما تبقى للأخرين من دوننا، أنه لم يترك لي من نفسي سوى الفتات، الذي أهبه للأخرين. 








الموضوعات المتعلقة

خالد دومة يكتب: إنها لم تمت

الجمعة، 21 يوليو 2023 02:00 م

خالد دومة يكتب: الغيرة القاتلة

الأربعاء، 19 يوليو 2023 12:00 م

خالد دومة يكتب: العُزلة المباركة

الثلاثاء، 11 يوليو 2023 02:00 م

خالد دومة يكتب: النزوح الأخير

الأربعاء، 05 يوليو 2023 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة