سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 24 يوليو 1798.. نابليون بونابرت يدخل القاهرة لأول مرة والمدينة يسكنها ثلاثمائة نفس وتعانى من القذارة والفقر والكلاب الشرسة

الإثنين، 24 يوليو 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 24 يوليو 1798.. نابليون بونابرت يدخل القاهرة لأول مرة والمدينة يسكنها ثلاثمائة نفس وتعانى من القذارة والفقر والكلاب الشرسة نابليون بونابرت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتصر الفرنسيون بقيادة نابليون بونابرت، على قوات المماليك بقيادة مراد بك، ومعهم بعض المصريين فى موقعة «الأهرام» أو «إمبابة» يوم 21 يوليو 1798، وانتقل «نابليون» من معسكره بالجيزة وعبر النيل ودخل القاهرة للمرة الأولى فى 24 يوليو، مثل هذا اليوم، 1798 مصحوبًا بضباطه وأركان حربه، ونزل بقصر محمد بك الألفى بالأزبكية، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من موسوعته «تاريخ الحركة القومية، وتطور نظام الحكم فى مصر».
 
كيف كانت القاهرة بأحوالها الاجتماعية والاقتصادية وقت أن نزلها «بونابرت» أول مرة؟ وكيف كانت المعاملة فى بادئ الأمر بين الفرنسيين والمصريين؟
 
يذكر «الجبرتى» فى الجزء الخامس من موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»: «عدت الفرنساوية إلى بر مصر، وسكن بونابرت ببيت محمد بك الألفى بالأزبكية، ولم يدخل المدينة إلا عدد قليل منهم، ومشوا فى الأسواق من غير سلاح، ولا تعد، بل صاروا يضاحكون الناس ويشترون ما يحتاجون إليه بأغلى ثمن، فيأخذ أحدهم الدجاجة ويعطى صاحبها فى ثمنها ريال فرنسى، ويأخذ البيضة بنصف فضة قياسًا على أسعار بلادهم وأثمان بضائعهم، فلما رأى منهم العامة ذلك أنسوا بهم واطمأنوا لهم، وخرجوا إليهم بالكعك وأنواع الفطير والخبز والبيض والدجاج، وأنواع المأكولات وغير ذلك مثل السكر والصابون والدخان والبن، وصاروا يبيعون لهم بما أحبوا من الأسعار، وفتحوا غالب الأسوقة من حوانيت وقهاوى».
 
فى كتاب «بونابرت فى مصر» ترجمة «فؤاد أندراوس، يقدم مؤلفه «ج. كرستوفر هيرولد» إجابة شافية على السؤالين السابقين، معتمدًا على الوثائق الفرنسية التى كتبها «بونابرت» وضباط وجنود ورجال الحملة الفرنسية، يذكر أن «بونابرت» كتب إلى حكومته يوم وصل إلى مدينة القاهرة الأسطورية، يقول: إن القاهرة التى يسكنها أكثر من ثلاثمائة ألف نفس تضم أقبح ما تضم من مدينة غوغاء»، ويعلق «هيرولد»: «لم يكونوا أقبح، فهم على الأقل أكثر الناس تعدد ألوان، إذ هم يتفاوتون من النوبيين السود إلى الجراكسة ناصعى البياض، وكان المصرى العادى، أيا كان لونه، يعلو مقدار قامة على الفرنسى العادى، ويرتدى ثيابًا أزهى من ثيابه، وله سحنة تنذر بقطع الرقاب سواء عبثت أو ابتسمت، مع أنها قد تخفى نفسًا غاية فى الرقة واللطف».
 
يضيف «هيرولد»: «علىّ أن أبرز ملامح القاهرة يومئذ، كان انعدام وسائل الراحة التى كانت يفترض وجودها، أقل الفرنسيين تنعما، يقول رئيس الصيارفة بيروس: إن المدينة غير جديرة بسمعتها العظيمة، فهى قذرة، رديئة المبانى، تملؤها الكلاب البشعة، أما الميجر ديتروا فيصف هذه القذارة فى عبارات بليغة مسهبة ويقول متسائلًا: ماذا تجد عند دخولك القاهرة؟ شوارع ضيقة قذرة غير مرصوفة، وبيوتًا مظلمة متداعية، وأبنية عامة تبدو كأنها السجون، وحوانيت أشبه بمرابط الخيل، وجوًا عبقًا بعطر التراب والقمامة، وعميانًا، وعورًا، ورجالًا ملتحين، وأشخاصًا يرتدون أسمالًا، محشورين فى الشوارع أو قاعدين يدخنون قصباتهم كالقدرة أمام مدخل كهفوهم، ونساء قليلات، منكرات الصورة، مقززات، يخفين وجوههن العجفاء وراء خرقة نتنة ويبدين صدورهن المتهدلة من أرديتهن الممزقة، وأطفالًا صفر الوجوه رقاق الأجساد ينتشر الصديد على جلدهم وينهشهم الذباب، ورائحة كريهة منبعثة من الأوساخ داخل البيوت ومن التراب فى الهواء، ومن قلى الطعام بزيت ردىء فى الأسواق عديمة التهوية».
 
يضيف: «فإذا فرغت من التفرج على معالم المدينة عدت إلى منزلك فوجدته خلوا من كل أسباب الراحة، ووجدت الذباب والبعوض وضروبا لا تحصى من الحشرات فى انتظارك لتتسلط عليك أثناء الليل، فتنفق ساعات الراحة وأنت تسبح فى عرقك وقد نال منك الإعياء، تهرش وتنتشر البثور فى جلدك، وتنهض فى الصباح وقد أخذ منك السقم كل مأخذ، وغشى بصرك وجاشت نفسك، وفسد طعم فمك، وغطت جسدك الدمامل أوالقروح على الأصح، ويبدأ يوم جديد هو صورة من الأمس».
 
 لم تكن الشوارع قذرة غير مرصوفة فحسب، بل كان المرور فيها عسيرًا نهارًا، والظلام يغشاها ليلًا، وما كان أى شخص ذو مكانة ليركب فى شوارعها دون جماعة من العدائين المسلحين بالشوم يخلون أمامه الطريق بضرب المارة كيفما اتفق، أما فى الليل فيخفره حملة المشاعل، أما مرافق الصحة وقواعد حفظ الصحة فمجهولة، وكانت قطعان الكلاب الشرسة المسعورة فى كثير من الأحيان تجوب الشوارع دون أن يمنعها أحد، فلما سمم الفرنسيون آلافًا منها ذات ليلة كان حدثًا، وكذلك عند المرسوم الفرنسى بتحريم دفن الموتى فى الشوارع والميادين العامة ولو كانوا من الأولياء، وكان العمى المتسبب عن الرمد الحبيبى أكثر انتشارًا، أما نسبة الوفيات فى الأطفال فمذهلة، وكانت البيوت، حتى بيوت الأغنياء، تعوزها أسباب الراحة الأساسية رغم كثرة البذخ».






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة