مفهوم الشخصية من أهم المفاهيم التي ينظر إليها علم النفس باعتبارها تنظيم دينامي له قدر كبير من الثبات في الإدراك والانفعال والمعرفة والدافعية والاستجابة للمواقف، بالتالي فإن تحول الشخصية يعني انقلاب الأفعال إلى ضدها.
في مسلسل: تحت الوصاية نلاحظ أن الشخصيات الدرامية جاءت دالة على المستوى الفكري والعقائدي والأخلاقي الذي سعى كتاب العمل: خالد وشيرين دياب من أجل إيصاله إلى المشاهدين من خلال الخطاب البصري المباشر أولًا، والخطاب النفسي غير المباشر ثانيًا.
تبدأ أولى حلقات المسلسل بموت: عادل زوج: حنان ووالد أطفالها: ياسين، وفرح، وتنتهي الحلقة الأخيرة بارتفاع الكاميرا لتمثال العدالة على محكمة الإسكندرية، وينتهي المسلسل ككل بسجن: حنان التي حاولت إنقاذ مركب الصيد التي تركها زوجها لتنفق على أطفالها وتوفر لهم الاحتياجات الأساسية والحياة الكريمة، تلك الاحتياجات التي لم يوفرها الجد بحكم وصايته على أطفال إبنه المتوفي، والتي سلبها أيضًا: صالح عم الأطفال، ولنا هنا وقفة مع دلالة الأسماء؛ فموت: عادل دال على موت العدل، وكأن الكاتب مهد للمتلقي ذلك عبر آلية"الاستباق"، وإسم: صالح جاء عكس مدلوله تمامًا، وربما جاء اختياره من باب التهكم.
تبدأ كل حلقة من حلقات المسلسل بمشهد"استرجاعي" من الذاكرة عن سوء معاملة العم: صالح، وعن رغبة الجد: عطية في أن يترك الطفل: ياسين تعليمه ويعمل معه في الورشة، وعن معاناة الأم: حنان في العمل من أجل الإنفاق على أطفالها بعد وفاة الزوج.
تم تصوير مشاهد المسلسل في محافظة: الإسكندرية وعزبة البرج بمحافظة: دمياط تناسب تصميم واختيار ملابس البحرية مع أجواء العمل في مركب الصيد، وتناسب أداء الفنانين مع طبيعة الشخصيات دون مبالغات، تناسبت أيضًا ملابس المرأة المعذبة: حنان مع طبيعة الشخصية المقهورة.
ارتكز المسلسل على عدد من الرسائل ذات المدلولات الهامة:
أولًا: وجود عدد كبير من الحالات المشابهة لحالة الأم التي مات زوجها وتركها هى وأطفالها تحت وصاية الجد أو العم
ثانيًا: تسليط الضوء على النماذج النسائية التي تتسم بالجدعنة مثل شخصية: منى خطيبة: صالح التي ظلت متمسكة به في أحلك الظروف، وشخصية: دلال التي مات زوجها أيضًا وعملت على التاكسي الذي تركه وأعلنت تضامنها مع الشخصيات النسائية من خلال توصيلهن، وشخصية السيدة صاحبة المطعم التي سمحت لــ حنان بتحويله إلى مطعم مأكولات بحرية، وشخصية: سناء شقيقة: حنان التي لم تتركها وكانت داعمة ومسانده لها من أول حلقات المسلسل
ثالثًا: جرس انذار بخصوص طلاب كلية الحاسبات والمعلومات وقدرتهم على تزوير الوثائق والمستندات الرسمية مثل بطاقة الرقم القومي
رابعًا: جرس انذار بخصوص العقل الجمعي ودلالة ذلك تجلت في انصياع رجال البحرية للمعلم: سيد عندما قال لهم" المركب نجسة" فصعدوا وأشعلوا النيران فيها، وأيضًا عندما منع: حنان من بيع السمك في المزاد، وعندما منع مصنع الثلج من البيع لها في أول الحلقات، ربما أرشدنا ذلك لخطورة شيوع سلوكيات السمسرة والبحث عن الكسب السريع.
خامسًا: جرس إنذار بخصوص نظرة الرجال للمرأة التي قد تدفعها ظروفها المجتمعية للعمل في المهن الشاقة.
سادسًا: جرس إنذار بخصوص ما يخضع له أطفال الأمهات المعيلة من ضغوط نفسية تخالف ما يُقره قانون حماية الطفل التي تستتبع دورًا رئيسيًا من الأم المعيلة أو الوصي عليهم بعد وفاة الأب
تحولات الشخصيات الدرامية:
الدراما فعل يحتوي على الصراع، فإذا كان"التشخيص بالفعل" هو جوهر الدراما؛ فإن"التشخيص بالفكر" هو عنصر الكشف عن أفكار الشخصيات ورؤيتها للعالم من خلال مواجهتها، هذا وللسياق المجتمعي دائمًا دوره الهام في تفسير تحولات الشخصيات الدرامية داخل العمل الفني؛ هذا ما أبرزه لنا مخرج العمل: محمد شاكر خضير من خلال تسليط الضوء على دور المرأة المعيلة؛ فالزوجة التي مات زوجها تحولت من الاستسلام لسلطة ووصاية الجد والعم وفقًا للمادة(16) من قانون الولاية على المال رقم 119 لسنة 1952م، إلى المقاومة والسعي لإنقاذ أطفالها من العوز، والوقوع في فخ التسرب من التعليم؛ لأن الجد والعم في سياق العمل الدرامي قاموا بمخالفة ما أقره القانون فى المادة(36) بتكليف الوصي برعاية أموال الصغير وبذل العناية اللازمة لحمايتها، وإن كانت أحداث المسلسل لم تخبر المشاهد عن عدم مبادرة الأم بتقديم ما يثبت وقوع الضرر على طفلها عندما عمل مع الجد الوصي في الورشة، خاصة أن الأحداث تخبرنا عن إجراء عملية جراحية للطفل، وفي هذا اغفال لما أقره القانون وفقًا للمادة(27) بعزل الوصى إذا أساء الإدارة أو أهمل فيها بتعريض مصلحة القاصر للخطر.
فإذا اعتبرنا أن أهم متطلبات الرؤى الحديثة القائمة على ثقافة الإنسان وتأثره بالسياق المجتمعي السائد هى التمرد أولًا، وتجاوز الثوابت في آليات الكتابة والإخراج الفني ثانيًا، يبقى أجمل ما في حلقات المسلسل هو تحولات شخصيات الرجال؛ من ذلك تحول شخصية الأستاذ: زكريا من الصرامة والحدة إلى اللطف واللين، وتحول شخصيات البحرية: عيد الذي ترك تعاطي البرشام أثناء السرحة، و: حمدي الذي تغيرت نظرته لصورة المرأة، و: شنهابي الذي تخلص من عادة السرقة، ومع نهاية الحلقة الأخيرة من حلقات المسلسل لاحظنا أيضًا تحول شخصية: صالح عم الأطفال من الرغبة في الانتقام إلى الإحساس بالندم.