محمد حبوشه

مصر.. تجربة رائدة نحو التحول للاقتصاد الأخضر

الجمعة، 02 يونيو 2023 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في عرضها لقضية الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر أعجبني جدا تقديم الدكتورة هالة السعيد تجربة مصر كأحد أهم القضايا الإنمائية التي تتبناها حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، وذلك بالتصدي للقضايا البيئية والتركيز على مشروعات التحسين البيئي والالتزام بالتطبيق الدقيق لمعايير الاستدامة البيئية في كل المشروعات والقطاعات، حيث تتجلى جهود الدولة باستضافتها لقمة المناخ (COP 27)بشرم الشيخ عام 2022 وما خلصت إليه من توصيات.
 
 وفي هذا الصدد، تأتي خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر لتعكس حرص القيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، على رصد كافة مشروعات ومبادرات جهات الإسناد المختلفة ذات التأثير البيئي والداعمة للنمو الأخضر المستدام، مع استهداف رفع نسبة الاستثمارات الموجهة للاقتصاد الأخضر من مستواها الراهن من 30% إلى نحو 40% من إجمالي الاستثمارات العامة في عام الخطة 2023/2024 وصولا إلى 50 %  بحلول عام 2024/2025.
 
أشارت وزيرة التخطيط والمتابعة والاصلاح الاداري الدكتورة هالة السعيد، إلى استهداف خطة العام المالي الجديد 2023/2024، استكمال المرحلة الثانية لمشروع إنشاء الخريطة التفاعلية لمخاطر وتهديدات آثار التغيّرات المناخية على مصر، والتوسع في شبكة رصد شبكة الانبعاثات الصناعية بإضافة 13 نقطة رصد، وكذلك تنفيذ 12 رحلة حقليّة لرصد نوعية المياه في البحر المتوسط والبحر الأحمر والبحيرات المصري. 
 
وتتضمن الخطة أيضا - حسبما أوضحت السعيد - إطلاق المبادرات الرامية لتعزيز الوعي البيئي، ومنها "جميلة يا مصر، واتحضر للأخضر"، والتوجه لزراعة 1.5 مليون شجرة في ظل المبادرة الرئاسية ( 100 مليون شجرة)، وعددت هالة السعيد، أبرز المشروعات صديقة البيئة التي تتضمنها الخطة والمنتشرة في مختلف القطاعات الاقتصادية، والرامية للتخفيف من هذه التأثيرات المناخية، وفي مقدمتها مشروعات وزارة النقل "مترو الأنفاق و المونوريل القطار الكهربائي السريع والأتوبيس الترددي"، ومشروعات توليد الكهرباء باستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة.
 
فضلا عن ذلك هنالك مشروعات منظومة المخلفات الصلبة والإدارة المستدامة للملوثات العضوية وإنشاء وتطوير المجازر الآلية لوزارات البيئة والزراعة والتنمية المحلية، ومحطات رصد ملوثات الهواء والمياه والأغذية ومجمعات ومحارق النفايات الطبية الخطرة لوزارة الصحة والسكان، ومشروعات تصنيع الهيدروجين الأخضر والسيارات الكهربائية و مكونات محطات الطاقة الشمسية لوزارة الصناعة ومشروعات الفندق "البيئي" لوزارة السياحة.
 
ولفتت "السعيد"، أيضا إلى تعدد المشروعات الرامية للتكيف مع التغيرات المناخية، نذكر منها على سبيل المثال - مشروعات وزارتي الزراعة والموارد المائية والري في مجال الزراعة العضوية والزراعة المحمية والتراكيب المحصولية المقاومة للإجهادات البيئية ومشروعات تأهيل وتبطين الترع وتغطية الترع والمصارف، وبرامج تنمية وتنويع المصادر المائية، وكذلك مشروعات تحلية مياه البحر بسواحل مصر وجنوب سيناء والبحر الأحمر بطاقات تتراوح ما بين 30 ألف و130 ألف متر مكعب يوم، ومحطات المُعالجة الثلاثية للصرف الصحي بمطروح وغيرها من المشروعات التي تقوم بها وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة.
 
وكما هو معروف فإنه منذ صدور قانون الطاقة المتجددة رقم 203 لعام 2014، بدأت الحكومة نشر الحوافز لدخول القطاع الخاص في مجال الطاقة المتجددة ليدعم استراتيجية التحول الأخضر في البلاد، ونتيجة لهذه الجهود ظهرت العديد من المبادرات حيث تم تأسيس شركة (كرم سولار)، أول شركة قطاع خاص متخصصة في إنتاج الطاقة الشمسية في مصر، تحصل على ترخيص من الجهات المعنية، بما يمكن مصر من تبوء موقعها كواحدة من الدول الرائدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال الطاقة المتجددة.
وتسعى مصر نحو التحول إلى مركز إقليمى لصناعة "السيارات الكهربائية" على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، فى ضوء مواكبة التطور التكنولوجى والاتجاهات العالمية فى صناعة السيارات الكهربائية، وبالأخص مع توقعات نمو سوق السيارات الكهربائية عالمياً، بالإضافة إلى الفوائد الاجتماعية والبيئية والاقتصادية الناتجة من استخدامها. ودعمت الحكومة توطين صناعة السيارات الكهربائية فى مصر، وذلك عن طريق تقديم الدعم اللازم للاستثمار فى هذا المجال، ومواكبة التوجّهات العالمية الحالية للعزوف عن التلوث والتحول إلى بيئة نظيفة، وذلك من خلال استخدام سيارات كهربائية خالية من الانبعاثات الضارة، وتقليل الاعتماد على المحروقات التقليدية.
 
جدير بالذكر أنه ظلت التنمية المستدامة الهدف الرئيسي للمجتمع الدولي منذ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في عام 1992، ومن بين التزامات عديدة، دعا المؤتمر الحكومات إلى وضع استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة، تتضمن تدابير السياسات العامة المبينة في إعلان ريو وجدول أعمال القرن 21، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها حكومات عديدة في جميع أنحاء العالم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات، والتعاون الدولي لدعم الحكومات الوطنية لا تزال هناك مخاوف بشأن التطورات الاقتصادية والبيئية العالمية في العديد من البلدان، وقد زادت من حدة هذه المخاوف الأزمات العالمية الأخيرة الطويلة الأمد في مجالات الطاقة والغذاء والمالية، وأبرزتها التحذيرات المستمرة من العلماء على الصعيد العالمي بأن المجتمع يتجاوز عدداً من حدود تحمل الكوكب أو الحدود الإيكولوجية.
 
ويعد الاقتصاد الأخضر بمثابة طوق النجاة لجميع دول العالم من أجل التصدي للتحديات الكبيرة التي تواجه مجال البيئة العالمي، ومن هذا المنطلق تولي مصر الاقتصاد الأخضر أهمية كبرى، من خلال تنفيذ مئات المشروعات في هذا المجال، وبدأت في التوجه نحو الاهتمام بهذا النوع من الاقتصاد كأحد السبل المهمة والرئيسة في خطط التنمية الشاملة التي تجري على أرض الوطن، وذلك من خلال تنفيذ العديد من المشروعات التي تتناسب مع الأولويات الاقتصادية والبيئية للدولة.
 
ولهذا أولت الدولة المصرية اهتماما كبيرا بحماية البيئة ومواردها الطبيعية وتخفيف الضغوط عليها، لأن حماية البيئة والموارد الطبيعية أصبحت بمثابة حماية للحياة على سطح الأرض، وذلك لتأمين حق الأجيال القادمة فى تلك الموارد لجنى ثمار التنمية، وأيضا من أجل الحفاظ على الصحة العامة، وفى إطار الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية من آثار المخالفات البيئية التي تؤدى إلى الاضرار بالموارد الطبيعية، تبذل الدولة جهودًا كبيرة للتصدي لتلك المخالفات، لتحقيق الهدف القومي الذي تسعى لتحقيقه وهو التنمية المستدامة، ويعد الاقتصاد الأخضر أحد أهم آليات تحقيق التنمية المستدامة، إذ يمكن أن ينطوي على فرص عديدة ومتنوعة، منها إيجاد فرص عمل والإسهام بشكل كبير في الحد من الفقر، وتشجيع الابتكار، وإنشاء أسواق جديدة.
 
خلاصة القول، إن عملية التحول من الاقتصاد البني إلى الاقتصاد الأخضر ليست مستحيلة، ولكن ليست بالسرعة التي يعتقدها البعض، وربما الإنجاز الرئيسي والمهم الذي تحقق في هذا المجال الحيوي هو أن العالم نجح بالفعل في وضع أسس البنية التحتية التي ستمهد الطريق مستقبلًا نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر ونشر ثقافة التحول الأخضر. فالاقتصاد الأخضر هو بمثابة طوق النجاه للدول لمواجهة التحديات البيئية المزايدة، والحفاظ على الرفاهية التي تحققت بفعل سنوات التنمية الاقتصادية الماضية، وكانت مصر نموذجًا أفريقيا في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال العديد من المشروعات الكبيرة خلال السنوات الماضية، ولازال الكثير ينتظرها خلال السنوات المقبلة، وما زالت الجهود تتوالى نحو النهوض بمفهوم وتنفيذ الاقتصاد الأخضر على أرض الواقع، حتى تتمكن كل دولة من تحقيق خطة التنمية المستهدفة لها من خلال استغلال الطاقات المتجددة على أراضيها والحد من المخاطر التي كادت تكون سببًا في دمار الكوكب.
 
وإن كان العالم يعمل الآن على استكشاف ما يدور في الفضاء الخارجي، مُستغلا التطور العلمي المذهل الذي توصل إليه، ويحاول معرفة ما إذا كانت توجد حياة على الكواكب الأخرى بمجموعتنا الشمسية، فإنه يجب ألا تمنعنا هذه الجهود من الحفاظ على حياتنا وكوكبنا الذي وُهِبْناه؛ حيث لا يخفى على أحد أن الممارسات غير السليمة من القطع الجائر للغابات، وانبعاثات الغازات الضارة، وغيرها من الأفعال، تتسبب في تسريع وتيرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، الأمر الذي ينعكسُ سَلبًا على كافة مناحي حياتنا ويتسبب في التأثير على الموارد المائية وتوافرها، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتهديد جهود التنمية، وهنا لا فرق بين دولة متقدمة وأخرى نامية، فالكل سيتأثر حتى وإن كان التأثير متفاوتا بين دولة وأخرى.
 
في هذا السياق، تحاول مصر تقييم حدود فعالية الإجراءات التي تم تنفيذها فيما يخص التخفيف من حدة الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، ثم مناقشة أبرز جهود الدولة المصرية لتحفيز العمل المناخي، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر والشامل، من أجل ضمان مستقبل مستدام يدعم قدرتها على مواجهة الصدمات المستقبلية، ويجعلها عضوا فاعلا في مواجهة التغيرات المناخية. ونظرا لارتباط العمل المناخي بالتنمية، فإنه لابد وأن نبرز أهمية رئاسة مصر لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP-27، الذي عقده في نوفمبر 2022 في شرم الشيخ، من أجل دفع التعهدات المناخية العالمية نحو التنفيذ، ومحاولة تتويج الجهود المصرية المبذولة على مدار السنوات الماضية للتحول إلى الاقتصاد الأخضر المتوافق مع البيئة، كما تلقي المقالة الضوء على أهمية التعاون متعدد الأطراف، والعمل المشترك بين الأطراف ذات الصلة من أجل تعزيز العمل المناخي، وفي إطار دعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، والاستعدادات الحكومية لمؤتمر المناخ في شرم الشيخ COP27، تأتي أهمية الجهود التي تضطلع بها وزارة التعاون الدولي في هذا الشأن. 
 
وفي هذا الصدد قدمت الدولة على إحداث حركة تنموية غير مسبوقة بشبكات النقل السريع والداخلي في كافة أقاليم البلاد، ولقد كان أكبرها مشروع القطار السريع الرابط بين مدينتي السخنة والعلمين والذي يعمل بالطاقة الكهربائية وغير ملوث للبيئة تمامًا، ويختصر زمن الرحلة بين الوجهتين بنسية 60%، مما يحفز الركاب على عدم استقلال المركبات العادية مثل السيارات الشخصية والحافلات والتي تمثل أحد أكبر ملوثات البيئة من وسائل النقل البري.
 
وتعمل الدولة حاليا على تشييد عدد من خطوط المنورويل لتسهيل الربط بين العاصمة ومناطق العاصمة الإدارية الجديدة ومدن أكتوبر، حيث من المنتظر أن تساهم تلك الخطوط في تخفيف الضغط عن المحاور المرورية المعتادة والمؤدية إلى شرق وغرب القاهرة، وستساهم في تقليل الانبعاثات الناتجة عن حركة التنقل في هاتين الوجهتين إلى حدود لم تكن مسبوقة من قبل. 
تطوير مترو الإنفاق كان هو الآخر بمثابة مشروع تنموي أخضر داخل العاصمة القاهرة، والتي يتركز فيها الآن قرابة 25 مليون مواطن مصري، أي ما يقارب ربع تعداد الشعب المصري، حيث تعمل الدولة الآن على إكمال المرحلتين الثالثة والرابعة من مشروع الخط الثالث لمترو القاهرة الكبرى، بالإضافة إلى تطوير الوحدات المتحركة والمعدات الفنية للخطين الأول والثاني، وهو ما يعزز من تنافسية خدمات مترو الأنفاق أمام وسائل النقل الأخرى التقليدية والملوثة للبيئة بالقاهرة.
 
ختاما؛ في ظل إدراك الدولة المصرية لمدى أهمية العمل المناخي وارتباطه الوثيق بالتنمية، فإن الرئاسة المصرية لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP-27، كانت فرصة جيدة من أجل دفع التعهدات المناخية العالمية نحو التنفيذ، وتسليط الضوء على الوضع في قارة أفريقيا التي تعد في أمس الحاجة لدعم المجتمع الدولي لتنفيذ خطط العمل المناخي، وحمايتها من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وزيادة الاستثمارات الخضراء في البنية التحتية، من أجل الوصول لتحول أخضر عادل يراعي فوارق وإمكانيات الدول.
 
 
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة