عندما تقع على مسامعك كلمة "دار المسنين" تتذكر وقتها تلك المشاهد القاتمة التى صورتها بعض الأعمال الدرامية عن هذا المكان. تخبرك نفسك بأنه مكان موحش لا يجوز العيش به، أيضا تتبادر إلى ذهنك صورة أخرى عن نزلاء هذا المكان، أظن أنهم تعساء وأن جميعهم يعيشون آلاما وحزنا وأياما حزينة، سرعان ما ينتهى حديثك مع النفس حول "دار المسنين" عندما تشعر بالانزعاج، ولكن فى تلك الجولة ظهر لنا جانب آخر من حياة نزلاء دار المسنين، جانب مشرق يحمل الكثير من المعانى، جولة نفذها "اليوم السابع" داخل إحدى دور المسنين فى دمياط نكتشف خلالها روايات وحكايات نزلاء الدار.
"عم عبده".. قصة تجسد معنى الوفاء
بأنشودة اعتاد ترديدها رفقة زملائه أثناء حرب أكتوبر بدأ عم "عبده" حديثه لنا، ليستكمل الحديث قائلا: "أعيش هنا داخل الدار منذ فترة، لم أشعر قط بوحدة أو أن شيئا ينقصنى، أقضى يومى رفقة زملائى، جميعهم ينتظرون رواياتى عن انتصار أكتوبر العظيم".
واستكمل الحديث بضحكة معهودة قائلا: "سافرت دولا عديدة، كان لى مصنعا للملابس الجاهزة، سنوات وسنوات قضيتها فى العمل حتى فارقتنى شريكة الحياة لأقرر اعتزال كل شىء".
حاول الاستمرار فى رسم البسمة على وجهه غير أن ملامحه قد تبدلت قليلا ليعود الحديث مجددا قائلا: "منذ 15 عاما فارقتنى زوجتى، هنا توقف كل شىء فقط أعيش على الذكرى، أحمل صورتها على هاتفى لأقضى معظم أوقاتى معها كما تعودت أنا وكما اعتادت هي".
واختتم عم عبده قائلا: "قررت دخول دار للمسنين باحثا عن وقت أقضية مع ذكرى زوجتى، أرى أبنائى وأحفادى بشكل مستمر ولكنى فضلت هذا المكان ربما أجد وقتا كافيا أقضية مع ذكريات زوجتى، حياتى هنا تسير بشكل طبيعى ليس هناك ما يقلقنى، لم أشعر قط أننى داخل دار للمسنين الرفاق هنا جميعهم جيدون".
"الست سيدة" كروان المدينة
انتقلنا إلى حجرة أخرى، جذبتنا بعذوبة صوتها، كانت قد بدأت فى أنشودة للست أم كلثوم، الجميع ينصت فى صمت وتركيز حتى انتهت الست "سيدة" من الغناء لتتلقى تحية حارة من قبل المتواجدين.
بدأت الست "سيدة" أو كروان المدينة حديثها لنا قائلة: "قضيت سبع سنوات داخل دار المسنين فى دمياط، أطلقوا علىّ لقب كروان المدنية، أشعر بنفسية جيدة عندما يطلب منى أحدهم الغناء".
واستمرت فى الحديث قائلة: "فقدت نجلى والذى لقى مصرعه قبل دخولى الدار، تأثرت كثيرا بهذا الأمر ولكن هنا كان عوض الله لى، جئت لاكتشاف اصدقاء جدد وفقنى الله فى هذا ومرت ايامى على خير".
واختتمت حديثها قائلة: "الآن أنا كروان المدينة، اعتادت إلقاء البهجة والمرح فى أى مكان أتواجد به، وتظل هوايتى المفضلة الاستماع إلى السيدة أم كلثوم مع اغانيها اقضى الكثير من الوقت".
"الحاجة سلمى": أتيت إلى الدار هربا من الوحدة
فى زاوية أخرى كانت تجلس برفقة أصدقائها، كان هناك حرص شديد منها على الحديث معنا، تجاذبنا أطراف الحديث سويا وبعد لحظات قليلة بدأت الحاجة سلمى فى سرد قصتها لتقول: "سكنت الدار بحثا عن الونس، جئت هنا هربا من الوحدة، وأنا الآن قد وفقت فى مطلبى أحد كل شىء كما توقعت".
واستمرت فى الحديث لتقول: "أبنائى كانوا رافضين تلك الفكرة بشدة، حاولوا مرارا وتكرارا عودتى إلى المنزل مجددا، لكنى هنا أشعر بارتياح شديد، بدأت توا حياة جديدة رفقة أصدقاء جدد".
واستكملت الحديث قائلة: "أبنائى الآن يقومون بزيارتى بشكل مستمر، أمر جيد أن تسكن مكانا لا تشعر فيه بالغربة، هنا كل شىء متاح وجميع ما نطلب موجود، والأهم أننى وجدت الونس والونيس".
وتقول سعاد العواد مدير دار المسنين بدمياط إن الدار تمتلك كافة المقومات التى يحتاج إليها أى نزيل، مشيرة إلى أن الدار الآن تقدم خدماتها لأكثر من 20 نزيلا.
وأضافت مدير دار المسنين بدمياط أن هناك شروطا تم وضعها لاستقبال النزلاء أبرزها عدم إصابة النزيل بأى أمراض معدية، حفاظا على صحة باقى النزلاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة