فى العام 1937 كان "العقيد" شارل ديجول يقف امام رئيس الوزراء الفرنسى ليون بلوم، للاستماع إلى شرحه عن مميزات "دبابة" جديدة، وما أن وضع بلوم تصميم الدبابة امامه وبدأ يشرح مواصفاتها القتالية، حتى رنَّ الهاتف، وتكرر رنينه مرات ومرات عدة، وفى كل مرة كان رئيس الوزراء يرد على المتصل، ثم يغلق السماعة، ويعود إلى ديجول ليسأله: "أين توقفنا؟".
عندما أصبح "الجنرال" شارل ديجول رئيساً للجمهورية الفرنسية الخامسة (8 يناير 1959)، كان من بين أوائل القرارات التى اصدرها التالي: (يمنع على أى كان الاتصال هاتفياً برئيس الدولة فى أى حال من الأحوال، ويسمح بذلك لرئيس الوزراء فقط فى الحالات الطارئة).
وكان على مكتب ديجول هاتفان، لم يُسمع لهما صوت طوال السنوات العشر، التى قضاها فى الإليزيه… "العربية. نت".
إنه "كراهية الهاتف" الذى كان بسيطا فى ذاك الوقت، ومقتصرًا على "الإزعاج"، و"تشتيت الذهن"، ليتحول فى الوقت الراهن مع وسائل الاتصال الاجتماعى إلى "رعب"، و"سموم رقمية" قاتلة… للكبار والصغار.
فى الولايات المتحدة الامريكية، اقترحت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى من الحزبين، بما فى ذلك السناتور الجمهورى توم كوتون، والسناتور الديمقراطى كريس مورفى مشروع قانون يحظر جميع الأطفال الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا من استخدام وسائل التواصل الاجتماعى.
ووفقا لـ"سكاى نيوز عربية"، قال أعضاء مجلس الشيوخ الأربعة الذين اقترحوا التشريع ومن بينهم السناتور كاتى بريت، والسناتور برين شاتز إنهم يعتقدون أنهم "يمثلون ملايين الآباء الأمريكيين الذين يشعرون بقلق بالغ من أن وسائل التواصل الاجتماعى غير مفيدة إلى حد كبير فيما يمكنها تقديمه لأطفالها".
ويدعو مشروع القانون الخاص بهم، الذى يحمل عنوان "قانون حماية الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي"، إلى حد أدنى للدخول إلى وسائل التواصل لا يقل عن 13 عامًا للمستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعى، كما يدعو إلى موافقة الوالدين والتحقق من العمر للمستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.
وأقر كوتون، وهو أحد أكثر المحافظين صخباً فى الحزب الجمهورى، بوجود إجماع كبير من الحزبين على السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعى، وهو ما يتجلى فى اجتماعه مع أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الآخرين.
وقال: "هذه قضية توحد الآباء فى جميع أنحاء البلاد بغض النظر عن آرائهم السياسية فى الأمور الأخرى".وتم دفع مشاريع قوانين أخرى تستهدف وسائل التواصل الاجتماعى مؤخرًا من قبل فرق من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين.
ويهدف مشروع قانون اقترحه السناتور إد ماركى، والسناتور بيل كاسيدى إلى "توسيع حماية خصوصية الأطفال عبر الإنترنت، ومنع الشركات من جمع البيانات الشخصية من المراهقين الأصغر سنًا وحظر الإعلانات الموجهة للأطفال والمراهقين"… وفقًا لـ "فوكس نيوز".
كما أن السناتور الجمهورية مارشا بلاكبيرن، والسناتور الديمقراطى ريتشارد بلومنتال، وهما مشرعان مختلفان من حيث وجهات النظر السياسية، اقترحا مشروع قانون لوسائل الإعلام الاجتماعية تحت مسمى "منصات أكثر أمانًا وشفافية حسب التصميم" فى العام الماضى وأعادا تقديمه إلى مجلس الشيوخ هذا الأسبوع.
وبحسب "فوكس نيوز"، فإن مشروع القانون الخاص بهما "سيجبر الشركات على منح القصر خيار تعطيل ميزات وخوارزميات المنتج المسببة للإدمان وتمكين إعدادات أمان الأطفال بشكل افتراضي".
إلى ذلك، كشفت أبحاث علمية أن التخلص من ما سمته "السموم الرقمية" قد يساعد فى تحسين الصحة العقلية لكنه قد يؤدى إلى الشعور بالقلق والاكتئاب.
وينصح الأطباء بأنه من الضرورى أخذ استراحة من منصات التواصل الاجتماعى أو "سوشال ميديا ديتوكس"… فما هى مخاطر استخدام هذه المنصات يوميا وكيف يمكن للشخص أخذ استراحة منها؟ وهل يمكننا بالفعل أخذ استراحة من منصات التواصل الاجتماعى التى باتت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية؟
أسئلة تصعب الإجابة عنها فى ظل الدور الذى تلعبه منصات التواصل فهى تجعلنا من أكثر الاجيال ترابطا، ووسيلة لاكتشاف المواهب ولمتابعة الأخبار والتلصص على حياة المشاهير.
يقول الخبراء أن الأشخاص الذين يقضون أكثر من 3 ساعات يوميا على وسائل التواصل الاجتماعى معرضون للإصابة بالقلق والاكتئاب، وينصحون بأخذ استراحة منها أو ما يسمى "بالسوشال ميديا ديتوكس".
تتمثل الخطوة الأولى فى التخلص من السموم فى وسائل التواصل الاجتماعى، وتحديدا ما الذى يدفع الأفراد لاستخدامها بشكل مفرط.. أمر يرى الخبراء أنه ضرورى كى يتمكنوا من تطوير خطة رئيسية لتقليل حجم الإغراء فى تلك المنصات.
وينصح الخبراء أيضا باعتماد روتين يومى، يكون مليئا بالنشاطات التى لا تتطلب استخدام الهاتف.
إضافة إلى ذلك، يُنصح بمسح تطبيقات التواصل الاجتماعى مؤقتا للسماح للشخص بقضاء وقت أكبر متصل بالحياة من حوله، والبحث عن أشياء بديلة عن السوشيال ميديا.
وفى هذا الاطار، يعتقد الخبراء أن مسح تطبيقات التواصل مؤقتا، له فوائد عديدة بهدف فك التعلق أو ارتباط الفرد بتلك المنصات.
وتقول الباحثة فى علوم الوعى والتنمية النفسية، سها الخمايسة فى حديث مع صباح سكاى نيوز عربية: أن "السموم الرقمية" اسم دقيق يصف مواقع التواصل الاجتماعى إذا كنا نستخدمها فى طريق الخطأ، داعية إلى مراقبة الوقت بالنسبة للذين ليس لديهم محتوى يدمنونه على المنصات، بحث لا يبدأون نهارهم أوينهونه وهم ينظرون إلى شاشات هواتفهم.
واضافت "سواء كنت صانع محتوى أو غير ذلك لا تقضى أكثر من ساعة.. إذا أعجبك موضوع.. ابدأ البحث عنه بالطريقة الصحيحة، وإذا كان لديك هدف لتطوير مهارتك، ابدأ بمتابعة الأشخاص الذين يحققون نتائج رائعة، لأنك بمجرد أن تتواصل مع شخص فأنت خلقت حقل طاقى سيؤثر عليك بوعى أو بدون وعى.
وفى هذا السياق أستدعى شركات التكنولوجيا إلى البيت الأبيض نهاية الأسبوع الماضى، وأُبلغوا بضرورة حماية الجمهور من مخاطر الذكاء الاصطناعى.
وأخبر ساندر بيتشاى من غوغل، وساتيا نادالا من ميكروسوفت، وسام ألتمان من أوبن إى آى، بأن عليهم واجب "أخلاقي" لحماية المجتمع.
وأوضح البيت الأبيض أنه قد ينظّم القطاع بشكل أكبر.
وقد استحوذت منتجات الذكاء الاصطناعى التى تم إطلاقها مؤخرا مثل "تشات جى بى تي" و"بارد" على مخيلة الجمهور، فهى توفر للمستخدمين العاديين فرصة للتفاعل مع ما يُعرف بـ "الذكاء الاصطناعى التوليدي"، والذى يمكنه تلخيص المعلومات من مصادر متعددة فى غضون ثوان، وتصحيح رموز الكمبيوتر، وكتابة العروض التقديمية، وحتى الشعر، وهذا يبدو معقولا كما لو كان من صنع الإنسان.
وأثار طرحها جدلا متجددا حول دور الذكاء الاصطناعى فى المجتمع، من خلال تقديم توضيح ملموس للمخاطر والمكافآت المحتملة للتكنولوجيا الجديدة.
وقد أُخبر المسؤولون التنفيذيون فى مجال التكنولوجيا أن الأمر متروك للشركات "لضمان سلامة وأمن منتجاتها"، وتم تحذيرهم من أن الإدارة منفتحة على تقديم لوائح وتشريعات الجديدة لتغطية الذكاء الاصطناعى.
وقال ألتمان، الرئيس التنفيذى لأوبن إى آى، الشركة التى تقف وراء "تشات جى بى تي"، للصحفيين إنه فى ما يتعلق بالتنظيم، كان الرؤساء التنفيذيون "على نحو مفاجئ يفكرون بالطريقة نفسها فيما يتعلق بما يجب أن يحدث".
وقالت نائبة الرئيس الأمريكى كامالا هاريس فى بيان عقب الاجتماع أن التكنولوجيا الجديدة يمكن أن تشكل خطرا على السلامة والخصوصية والحقوق المدنية، على الرغم من أن لديها أيضا القدرة على تحسين الحياة.
واعتبرت أن القطاع الخاص يتحمل "مسؤولية أخلاقية ومعنوية وقانونية لضمان سلامة وأمن منتجاته".
وأعلن البيت الأبيض عن استثمار بقيمة 140 مليون دولار، من مؤسسة العلوم الوطنية لإطلاق سبعة معاهد بحثية جديدة للذكاء الاصطناعى.
وكانت الدعوات إلى تنظيم الذكاء الاصطناعى الناشئ بشكل أفضل تأتى كثيفة وسريعة، من قبل كل من السياسيين وقادة التكنولوجيا.
وفى وقت سابق من هذا الأسبوع، استقال "عراب" الذكاء الاصطناعى، جيفرى هينتون، من وظيفته فى جوجل قائلا إنه نادم الآن على عمله.
وقال لبى بى سى أن بعض مخاطر روبوتات الدردشة الذكية "مخيفة للغاية".
فى مارس الماضى دعت رسالة موقعة من إيلون ماسك ومؤسس شركة أبل ستيف وزنياك إلى وقف إطلاق هذه التقنية.
من جهتها، أوضحت رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان، وجهات نظرها حول كيف ولماذا يجب تنظيم الذكاء الاصطناعى.
ثمة مخاوف من أن الذكاء الاصطناعى يمكن أن يحل محل وظائف الأشخاص بسرعة، بالإضافة إلى مخاوف من أن برامج الدردشة مثل "تشات جى بى تي" و"بارد" يمكن أن تكون غير دقيقة وتؤدى إلى نشر معلومات مضللة.
وهناك أيضا مخاوف من أن الذكاء الاصطناعى التوليدى قد ينتهك قانون حقوق النشر، واستنساخ الصوت يمكن أن يؤدى إلى تفاقم الاحتيال، إذ يمكن أن تنشر مقاطع الفيديو التى تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعى أخبارا كاذبة.
وعلى الرغم من ذلك، رد المدافعون مثل بيل جيتس على الدعوات إلى "إيقاف" الذكاء الاصطناعى قائلين أن مثل هذه الخطوة لن "تحل التحديات" فى المستقبل.
واضاف جيتس إنه سيكون من الأفضل التركيز على أفضل السبل لاستخدام التطورات فى الذكاء الاصطناعى.
ويعتقد آخرون أن هناك خطرا يتمثل فى الإفراط فى التنظيم، الأمر الذى من شأنه أن يمنح ميزة استراتيجية لشركات التكنولوجيا فى الصين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة