سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 21 مايو 1908.. أول لقاء بين المحرر الصحفى عباس العقاد ابن التاسعة عشرة ووزير المعارف سعد زغلول باشا

الأحد، 21 مايو 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 21 مايو 1908.. أول لقاء بين المحرر الصحفى عباس العقاد ابن التاسعة عشرة ووزير المعارف سعد زغلول باشا عباس محمود العقاد
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الوقت صباح الخميس 21 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1908، حين دخل عباس محمود العقاد، مكتب سعد زغلول، وزير المعارف فى ديون الوزارة، بدرب الجماميز بالقاهرة، فى أول لقاء بينهما، حسب تأكيد «العقاد» فى كتابه «سعد زغلول.. سيرة وتحية».
 
كان «العقاد» يعمل محررا بصحيفة «الدستور» وقتئذ، ويؤكد فى مذكراته أنها كانت زميلة جريدة «اللواء» لسان حال الحزب الوطنى بزعامة مصطفى كامل الذى كان يوالى الحملة ضد سعد، وينتقد سياسته فى وزارة المعارف أشد انتقاد، ويعترف العقاد: «كنت فى التاسعة عشرة، أى فى سن الجيل الناشئ الذى استولى عليه «اللواء»، وجعله من قرائه وجنده ومصدقى مدحه وهجائه، ولكنى كنت أعجب بسعد وأرجو لمصر خيرا كثيرا على يديه».
 
يذكر «العقاد» أنه مما كان يقال فى الحملة ضد سعد اتهامه بأنه «ينقاد على غير بصيرة لأوامر الموظفين الإنجليز فى الوزارة»، ويؤكد «العقاد»: «لما اشتدت الحملة على «سعد» وشاعت شيوعها بين قرائها، أخذتنى حمية الشباب، ورأيت من الحق على أن أدفعها عنه، وأمهد لإظهار الحقيقة بما فى وسعى، فلم أجد أفضل من حديث مع الباشا، مدعوما بالوثائق والبراهين التى تدفع اللبس، وترفع الغشاوة عن نظر السواد».
 
كانت لسعد صورة فى خيال «العقاد» قبل لقائهما، يذكرها قائلا: «لم أكن رأيت الرجل قبل ذلك، ولا نظرت إلى صورة له، لأن الصحف اليومية لم تكن تعودت نشر صورة المشاهير الرجال فى تلك الأيام، وكل ما كنت أعرفه عن شخصه هو ما سمعت عن عدله فى القضاء، ووصل أثر من آثاره إلى بلدتى أسوان فى قضية من القضايا انشق لها البلد قسمين ووضح فيها الحق لكل ذى عينين، وما سمعت عن مبادئه الحرة إبان الثورة العرابية، وهو بعد فى مقتبل الشباب، وعن ملازمته الشيخ محمد عبده وجمال الدين الأفغانى، ووفائه لهذين الإمامين الكبيرين».
 
يكشف «العقاد» الفرق بين خياله والواقع الذى وجده، قائلا: «العجيب أن الصورة الجسمانية لم تخطئ الظن فى الكثير من هيئته وسمته، إلا أننى كنت أتخيله ملتحيا وهو لم يكن كذلك، ولا أحسبه أرسل لحيته فى ماضى حياته، وأحسبنى تخيلت ذلك لأننى استبعدت أن يتتلمذ لجمال الدين ومحمد عبده، ولا يرسل لحيته كما كانا يرسلانها، وهو من الأزهريين».
 
يضيف: «لما دخلت المكتب استقبلنى واقفا، وأشار إلى كرسى أمامه فجلس وجلست، وسألنى: أعرفت الشيخ محمد عبده؟ قلت: نعم، قرأت رسائله وتفسيراته وترجمه حياته، قال: هل رأيته؟ قلت: رأيته مرتين، قال: أين؟ أفى الأزهر؟ قلت: لا، بل فى أسوان، قدمنى إليه أستاذى فناقشنى فى علومى المدرسية وبعض الآراء العامة ثم سمعت منه بشرى طيبة، قال: ماذا سمعت منه؟ قلت: إنه التفت إلى الأستاذ وقال وهو يربت على كتفى: ما أجدر هذا أن يكون كاتبا بعد، ثم أوصانى ألا أقنع من العلم بوظيفة الحكومة، فتبسم الباشا وقال: أرى أن نبوءة الإمام تتحقق، واستطرد إلى كلام عن الشيخ يثنى عليه ويحمد مناقبه».
 
انتقل الحديث إلى موضوعات شتى، ويعترف العقاد بأن «الباشا» نبهه إلى مواضع لا يجب أن تذاع فى الصحف، ومنها «أنه أثنى على مصطفى كامل ووصفه بالجد والإخلاص، ولكنه أنكر الضجة التى قامت بعده، ووصفها بأنها «كفورة القازوزة لا تلبث أن تعلو حتى تهبط»، وقوله «إنه يلقى مشقة فى تغيير عادات الموظفين الأجانب والوطنيين على السواء، فالأجانب تعودوا أن يستأثروا بكل شىء، والوطنيون تعودوا أن يسلموا فى كل شىء، وربما منحهم السلطة وهم يتهيبون استعمالها ويرجعون بها إلى الأجانب عن رغبة وطواعية».
 
يكشف العقاد عن الأثر الذى تركه سعد فيه بعد هذه المقابلة، قائلا: «خرجت من عنده وأنا أشعر أننى كنت أمام رجل مفتوح النفس، كبير العزيمة، يحب الإنصاف للناس ويحب الإنصاف لنفسه كذلك، وخرجت ذلك اليوم وفى نفسى صوة وافية للمصلح الذى كنت أعجب به على غير رؤية، فعرفت سعدا رجلا مهيب الطلعة قوى العارضة، فصيح العبارة يملأ الناظرين والسامعين ثقة وتوكيدا ويشعرهم بقدرته ويشعر هو بتلك القدرة، هو فى عمله وكلامه شئ متسق منسجم كامل، تقبله جملة أو تدعه جملة ولا تحس عنده بنشوز أو تردد، وقد كان عندما قابلته المرة الأولى يمشى إلى الخمسين من عمره، ولكننى لو سهوت عن العيان لحظة لحسبته فى عشرة الثلاثين».
 
مرت الأيام، وانتقل سعد من وضع سياسى إلى آخر وحتى عام 1924 لم يلتق بالعقاد إلا مرتين، وبعدها توالت الاتصالات بينهما اتصالا لا يقطعها إلا السفر أو المرض، ويؤكد «العقاد»: «ما تغيرت الصورة الأولى إلا بما أضاءها من وهج الحركة الوطنية، وكان آخر لقاء فى مسجد وصيف قبيل وفاة سعد بأيام»، توفى سعد يوم 23 أغسطس 1927. 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة