سره الباتع لـ يوسف إدريس.. الجزء الواحد العشرون

الأربعاء، 19 أبريل 2023 10:00 ص
سره الباتع لـ يوسف إدريس.. الجزء الواحد العشرون مسلسل سره الباتع
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

سره الباتع.. قصة للكاتب الكبير يوسف إدريس، تحولت إلى مسلسل للمخرج خالد يوسف بعد مرور 65 عامًا على صدورها ضمن مسلسلات رمضان 2023، وتزامنًا مع عرض مسلسل سره الباتع، ينشر "اليوم السابع" قصة "سره الباتع" التى نشرت لأول مرة عام 1958 ضمن مجموعة قصصية بعنوان "حادثة شرف".

سره الباتع لـ يوسف إدريس.. الجزء الواحد والعشرون
 

وأدركتُ أنَّ ما تحت قبة الضريح ليس هو المهم، المهم هو الأجساد الخشنة الغليظة الملتفَّة حول الضريح، المهم هو النداء الواحد الصادر عن عشرات الآلاف من الأفواه الواسِعة الجائعة، المهم هو الوجه الآخَر للوحش الخرافي الذي خلع قلوب جنودنا بضربةٍ واحدةٍ من يدِه، المهم هو ما تُفْرِزه هذه الجموع ويتصاعَد منها ويتجمَّع ويتداخَل ويتبلْوَر ويختلط بأضواء المشاعل وأنوار الشوارع وقرعات الدفوف واهتزازات الأجسام!

لقد وقفتُ مشدوهًا، يا صديقي، وكأنِّي أرى هذا المزيج الهلامي المعلَّق بين الأرض والسماء، كأني أرى الإرادة المتجمِّعة، كأني أرى كل ما لدى الناس من حب وقد ضمَّتْه صرخة واحدة، كأنَّ تلك الأجساد الخشنة الملوَّثة بالطين والتراب تُفْرِز مادة أكثر سموًّا من الأجساد الحية، أكثر سموًّا من الحياة، خلاصة الحياة، جماع كل ما هو قادرٌ فيها وقاهرٌ، وجماع كل ما لا يمكن مقاومته، القوة العليا الخارِقة، سر الحياة!

وضريح حامد كان هو البؤرة التي تتجمَّع حولَها الإرادات وتلتقي، بؤرة تركز الإرادة في الخلود وتسوِّيها لتُصْبِح إكسيرًا سحريًّا قادرًا على تحقيق الخلود، ماذا أقول؟! لقد وقفتُ خاشِعًا واجفًا أُراقِب الجموع وهي تُفْرِز الإيمان وتشترك في خلقِه لتعود تؤمن به، ويتصاعد النداء الواحد من القلب الواحد فيُصبِح حين يلتقي بغيره مادةً سامية حيةً تعود تنسكب في كل قلب، تطهِّره وتقوِّيه وتغذِّي فيه رُوح البقاء!

لقد أحسسْتُ يا صديقي، أني أواجِه القوَى الخارِقة، حقيقةً أحسستُ بهذا، أحسستُ به إلى درجة كادتْ تدفَعُني لأن أسجُدَ لها وأطلب المغفرة، أحسستُ بالإكسير ينسكب في قلبي والنور الموسيقي الراجِف يملأ صدري ويمتزج بحنايَايَ فأحسُّ لأول مرة في حياتي بعظمة الحياة وروعة أن نكون بشرًا وآدميين نمتلك هذه القدرة المعجزة، قدرتنا على أن نتجمَّع ليَصدُرَ عن تجمُّعنا ما هو أسمى من حياة كلٍّ منَّا!

لن تُدْرِكَ ما أعني يا روان! مُحالٌ أن تُدْرِكَه من غير أن تَراه وتحسَّه، ومشكلتي أني رأيتُه وأحسستُه!

أنا أكتب لك خطابي هذا من حجرة في القلعة، ومن خلال النافذة ألْمَح جنودنا يقومون بطوابير الصباح وينظفون البنادق ويستمعون إلى الأوامر ويتسلَّمون الذخيرة الجديدة ويزيِّتون المدافع، وها هو البروجي يعزف نوبة الجنرال، وإنِّي أرثِي لجنودنا وجنرالهم، ما فائدة البنادق والرصاص؟! ألكَيْ تُخْضِع هؤلاء الناس بقتْل بعضهم؟! وما فائدة القتل في قوم يُحيُون قتلاهم وموتاهم؟! في قوم يخلقون من الميت الواحد مئات الأحياء، ويخلقون لكل حيٍّ بعد هذا آلاف الأولاد؟!










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة