أحمد التايب

فى رثاء أمى.. آه ثم آه ثم آه من وجع الفراق

الأحد، 16 أبريل 2023 01:58 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إلى أمى -رحمها الله- إلى النور الذى أضاء حياتنا، وإلى من أحنت قامتها لتعدل قامتنا، فما أكتبه اليوم ما هو إلا حنين يتبعه أنين لفراقك يا غالية، أعلم أنك تسمعين ندائي بحضور روحك أمام عينىّ، فكنتِ وما زلتِ طمأنينتى وسكينتى وسر ضحكتى، وما يلهمنى الصبر على فراقك يا أمى أنكِ استبدلت دارًا هى خير من دارنا، فلم لا؟ وأنتِ من التقيتِ ربك وأنت صائمة مُحتسبة، ومعاناتكِ من المرضِ لم تستغرق سويعات قليلة، وسِتر ربكِ كان يشملك منذ أن قرر الإخوة نقلك إلى المستشفى قبل صلاة المغرب بدقائق معدودات، ثم مكوثك في المستشفى بين كشف ونقلكِ إلى سرير عناية مركزة خلال دقائق معدودات، ثم عودتك إلى سرير بيتك مستورة في بطانيتك التي طلبتيها بفمك وإحساسك قبل دخولك المستشفى، ولم لا؟ وأنت في حضرة صُحبة أجمل من صحبتنا وبين يدي من لا يُظلم عنده أحد.

يا أماه.. لو ظللت أسجل عشقى لكِ لن تسعنى مقالات ولا كتب، لأنكِ أجمل حكاية ستظل بداخلى وسأظل أرويها أبدؤها دوما أمى تقول: ...، وسيظل لسانى يلهج بالدعاء لكِ كما كنتِ تدعو لنا قبل مطلع الفجر حتى شروق الشمس لا تكلين ولا تملين، وسيظل قلبى متوهجا بكِ وبسيرتكِ العطرة وبحبك للناس وبحب الناس لكِ.

يا أماه.. كم كانت حياتكِ مُفعمة بالكفاح والنجاح وقصص تُروى بفخر واعتزاز، وذكرى ستظل باقية بطيبتها وخلقها وإخلاصها، فأسبوع مرّ يا أماه وأنا أهرب من نفسى، وأخاف أن أواجهها كى لا أثبّت حقيقة ثابتة وهى أن الموت حق.

يا أماه.. نعم الموت حق لكن حتى الآن لا أتقبل فكرة أنكِ لستِ بيننا، وأنكِ لن تكوني في استقبالى حين العودة إلى مسقط رأسى، وأن أدخر إليكِ كمًّا من الأحاديث وحكايات قلبي لأحكيها لكِ وأنا مُستلقٍ على حجركِ الطاهر، ويديكِ تطبطب على رأسى وجسدى، ولسانى يتدفق بحكايات ولمعان عينيكِ وخفقات قلبك تحنو عليّ وتفرح بما أحكى ولسان حالك يدعو لى بالحفظ والستر.

يا أماه.. راهنتُ طوال عمرى أنك قوية صابرة صامدة، وأنك قادرة على هزيمة الانكسارات ومواجهة الصدمات التي مرت في حياتك بدءا من موت أبى – زوجك – وشقيقى – د صلاح وأ/ صالح وزوجته التى كانت بمثابة ابنتك، وحفيدك محمد شعبان، فأنتِ التي كنتِ تقوينا بابتسامتك النقية وعزيمة تحملك، وتصنّعك للضحكة في وجوهنا، فدائما كنتِ المنتصرة الوحيدة وسط الهموم، ولم تثنيكِ هموم غربتنا ولم تُحاصرك أوجاعك التي كانت تطال قلبك وتتعاقب عليه كتعاقب الليل والنهار.. فلم أعهدك إلا قوية ولم أتذكر لحظة ضعف واحدة، وها أنا أحاول أن أكون على عهدك بأن أبقى قويا صابرا شجاعا محتسبا.

يا أماه.. كلنا إلى نهاية محتومة لكن الفقد أصعب لغة ننطقها، فحروفها تنخر في القلب قبل البدن تأكله شيئًا فشيئًا ولا يبقى مكانها إلا الوجع، ومع ذلك تقبلي يا أمى مني هذا الرثاء والبوح الهزيل لأنني لا أزال تحت وطأة الفقد.

يا أماه.. أنا فى حضرتك كنت أشعر أنني ما زلت صغيرا، أسعد بنداء صوتك الممزوج بالحب والحنان والرحمة، حتى بعد أن مرّت الأيام والسنين وتقاطعت مع كل الناس وكل الثقافات وتواجدت في كل الأماكن ومع كل الطبقات والمستويات، لكن في حضرتك يا أمي أعود طفلا صغيرا فلا مصارحة بتعب أو مرض حتى لا تقلقي عليّ وتدوم الطمأنينة في قلبك والبسمة على وجهك، لكن ما العمل أمام إرادة الله؟

 يا أماه.. آه عليَّ من بعد رحيلك، كيف أفعل عندما اشتاق إلى حضنك ودفء قلبك ونصائحك؟.. وآه من الوجع عندما يحل يوم الجمعة لأسمع صوتك وتسمعي صوتى، فأنتِ من برمجتِ وقتى لمحادثتك أنتِ وإخوتى بعد صلاة الجمعة، مهما كان موقعى في مصر أو خارجها، لأطمئن عليكِ وعلى إخوتى وأهلى، وتطمئنين عليَّ وعلى أخى وأولادنا وأهلنا في القاهرة.

يا أماه.. لمن أنظر الآن وأنا من كنت أنظر لوجهكِ الذى رُسمت عليه علامات الكفاح والنجاح، فآه من الوجع، فأنا من كنت كل مرة أحاول أن أقترب منكِ وأُقبل يديكِ وجبينكِ لأعبر عن حبى لكنى كنت أفشل أمام عطفكِ وحنانكِ، فأنتِ من كنتِ تكرهين الضعف، وتحرصين على بث الطاقة الإيجابية داخلنا حتى وأنتِ قليلة الحيلة، لكن كلماتك ومشاعرك وحكمتك أسلحة قوتك وأدوات محبتك، فأنتِ من تعودت طوال حياتك أن تعطى لا تأخذى حتى من أبنائك وبناتك، وتنشرى المحبة والرحمة على الجميع طفلا كان أو شابا أو شيخا، فصورة تجمُّعِ الأطفال حولك في مدخل بيتكِ ويديكِ تقسّم التمرة عليهم وقلبك يرفرف على رؤوسهم بالمحبة لا تترك مخيلتى، وكذلك لجوء أهلك وأحبابك يشتكون لكِ قسوة الحياة ومشاغلها وأنتِ تبثين فيهم وفيهن طاقات الصبر والتحمل وروح الحياة والمحبة.

فآه ثم آه ثم آه يا أماه من وجع الفراق، لكن ما يُعزينا فيكِ يا غالية أنكِ رحلتِ وأنتِ صائمة محتسبة في أيام رمضان المباركة بعد صيامك 17 يوما، ونحن نعلم أن مَن ختم عمره بصيام يوم دخل الجنة مع السابقين الأولين، أو من غير سابق عذاب، لقول الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "من خُتم له بصيام يوم دخل الجنة" وقوله: "مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّة"، فرحمك الله وغفر لك أنتِ وأبى وشقيقى وزوجة أخى وابن أخى، وجعل قبركم روضة من رياض الجنة.. وأسكنكِ الله يا أمى الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين.. اللهم آمين.

مقال ورثاء كنت لا أتمناه لكنها الأقدار يا أمى .. ابنك أحمد التايب أو كما كنت تحب أن تنادينى "يا أبو حميد" .. رحمك الله تعالى، وأسكنك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والأبرار وجعل قبرك روضة من رياض الجنة.. اللهم أمين 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة