عادل السنهورى يكتب: دراويش الست.. حكايات وطرائف المعجبين والعشاق الذين خطفوا الأنظار فى حفلات كوكب الشرق.. دموع ميرى ميشيل و"سعيد الطحان.. المهووس بالست" الأبرز.. وتفاصيل ليلة سقوط أم كلثوم فى حفلة باريس

السبت، 04 فبراير 2023 03:53 م
عادل السنهورى يكتب: دراويش الست.. حكايات وطرائف المعجبين والعشاق الذين خطفوا الأنظار فى حفلات كوكب الشرق.. دموع ميرى ميشيل و"سعيد الطحان.. المهووس بالست" الأبرز.. وتفاصيل ليلة سقوط أم كلثوم فى حفلة باريس عادل السنهورى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حكايات وطرائف المعجبين بأم كلثوم، أثناء حفلاتها الشهرية فى مصر والدول العربية وبعض العواصم الغربية، تجاوزت وفاقت حدود التخيل والتصور والعقل إلى الهوس والافتنان بفنها وصوتها وحضورها إلى درجة لا يتخيلها عقل.. ربما تكون درجة الجنون والدروشة.. إنهم دراويش الست..!
عندما تشاهد أو تستمع إلى حفلة أو أغنية للست، سوف تلتقط أذناك أو تطالع عيناك أصواتا وشخوصا عاشقين لها، يتجاوبون معها بلغة العيون والجسد والصوت أحيانا بجمل ما زالت تحتفظ بها أسماعنا وخلدها التاريخ مثل «عظمة على عظمة يا ست» «من تانى يا ست، لا بعدك ولا قبلك والله».
هى حكايات ما زالت ترصدها الذاكرة الفنية لدراويش الست ومعجبيها وعشاق فنها وسحرها، من جمهور الزمن الجميل حتى بعد مرور 48 عاما على رحيلها، الذى يوافق 3 فبراير 2023.

دموع ميرى ميشيل

قد لا يعرف الكثيرون حكاية هذه السيدة التى تظهر فى حفلات الست المسجلة تليفزيونيا، والتى خطفت الأنظار أحيانا من أم كلثوم فى الحفلات التى واظبت على حضورها. 
 
متعة أن تشاهد التفاعل والتجاوب بين الست وجمهورها إلى جانب متعة الغناء بالطبع، عندما تتنقل الكاميرا بين الحاضرين وتتجول بينهم، لتنقل الصورة التى كان عليها المجتمع المصرى من رقى وتحضر، رجال ونساء، هوانم وأفنديات، الكل بالملابس الرسمية، البدل والفساتين الشيك، يستمعون فى صمت وهم فى محراب الفن، سيدة الغناء، وتنطلق أصواتهم بالأهات عندما تصل الست إلى ذروة العظمة وقمة التعبير إلى قمة السلطنة والاستمتاع، بين الفن والمتعة والهيام والإعجاب نقع أسرى الحنين إلى زمن الست وهى تغنى: «وعايزنا نرجع زى زمان قول للزمان ارجع يا زمان».
 
هذا ما جسدته تلك السيدة، هانم من هوانم حفلات الست التى كانت تتفاعل معها وتتسلطن على صوتها وتبلغ بها النشوة إلى حد البكاء والاختباء بوجهها فى منديلها الصغير الأبيض، اسمها ميرى ميشيل، الهانم الشيك التى ضبطتها حركة الكاميرا وهى تبكى فى أغنية هو صحيح الهوى غلاب، ورصدت قصتها السيدة رنا الجميعى على صفحتها. 
 
فى حفلة أم كلثوم الشهيرة التى تُغنى فيها «هو صحيح الهوى غلّاب»، كانت تجلس سيدة ضمن الجُمهور، وعلى وجهها يظهر التأثر الشديد، تُغمض عينيها كما لو أنها تتخيل حبيبها، تُغنّى أم كلثوم ذلك المقطع «يا قلبى آه»، فيما تمسح السيدة وجهها بالمنديل الذى ينتفض بالمشاعر والأحاسيس، ظلّت تلك السيدة التى ظهرت فى الدقيقة الـ33 أيقونة الحفل، وضمن أشهر المعجبين فى تاريخ أم كلثوم. 
 
اعتادت ميرى ميشيل على حضور حفلات أم كلثوم، فى الخميس الأول من كل شهر، لم يكن يعيقها أى شىء فى سبيل ذلك، كما قال حفيدها الممثل تامر رؤوف: «كانت تعتبر حضورها الحفل لحظات الاستجمام الخاصة بها»، حيث كانت تنهى عملها كمترجمة فى إحدى شركات وسط البلد، ثم تعدو نحو منزلها الواقع فى شارع قصر النيل، حيث تتأنق بارتداء أبهى الفساتين، وبعدها يصطحبها زوجها الطبيب شفيق السندى، ويتمشّيان سويا حتى الوصول إلى دار سينما الأوبرا، التى لم تبعد كثيرا عن منزلهما أيضا. 
 
ميرى- السورية الأصل- جاءت برفقة عائلتها إلى مصر فى فترة الثلاثينيات، قادمين من الشام، وقد تعرّفت على زوجها بعد ذلك فى فترة الأربعينيات، حينها جاءها الهوى من غير مواعيد، وكان شفيق يكبرها باثنى عشر عاما. كان شخصا بسيطا طيبا ويجلها ويحترمها، تزوجا الاثنان، حيث بدآ فى إنشاء أسرتهما الصغيرة، كان أولها الابن رؤوف المولود عام 1947، وخلال السنوات التالية أنجبت ميرى ولدا وفتاة.
 
وفيما كانت الحياة تسير فى هدوء «وكل مادا حلاوتها تزيد»، فميرى لم تحسب أنه «فى يوم ح ياخدنى بعيد»، فحينا يذهب الزوجان بمفردهما حفلة أم كلثوم، وأحيانا أخرى برفقة الصغار، فلم تحسب للزمن مواطن غدره، غير أنه وقع، ففى عام 1956 رحل الزوج والرفيق شفيق فى سن صغير، كانت حينها تبلغ ميرى ثمانية وعشرين عاما، وتحملت مسؤولية تربية ثلاثة أطفال وحدها، ولم يعزّها سوى حضور حفلات أم كلثوم.
 
هكذا عاشت ميرى بين جنة ونار، وظل عزاؤها فى حضور حفلات الست، تفرح بالقرب منها، وتستمتع بصوتها البديع، وقد قابلتها وجلست معها، كما يقول تامر، فلم تكن تعتبرها مجرد مطربة فحسب، بل كصديقة أيضا، خاصة أن الست وميرى كانا فى سن قريبة من بعضهما البعض.
 
بعد سنوات من فاجعة رحيل شفيق زوجها، رحلت أم كلثوم نفسها، عام 1975، وكأن ميرى لم تتحمّل ذلك القدر من الحزن، وزاد أسى ميرى هانم، التى لم تقدر على الصبر أكثر من ذلك، حيث خانها قلبها عصر يوم فى عام 1979.
 
فى ذلك اليوم انتظرها أبناؤها أمام سينما مترو، حيث اتفقوا على مشاهدة فيلم «لا تبكى يا حبيب العمر» سويا، غير أن ميرى لم تأتِ، فقد أحسّت بالتعب أثناء عملها، فأخذتها زميلاتها لتُجرى رسم قلب، لكن الموت أدركها سريعا دون تعب فى عمر الواحدة وخمسين، راحلة فى هدوء صادم للأحبّة «وازاى يا ترى.. أهو ده اللى جرى»

سعيد الطحان.. المهووس بالست

فى ستينيات القرن العشرين، جاء المصور الأمريكى المعروف «هوارد سو شورك» إلى القاهرة فى مهمة خاصة، وهى التقاط صور خاصة لجمهور أم كلثوم، فكيف يستطيع المصور المحترف وسط هذا الزحام الفظيع أن يصطاد بكاميرته لقطات معبرة، وما أن وقعت عيناه على هذا الرجل الجالس فى ركن من المسرح وكأنه فى صلاة خاصة حتى أدرك أنه أمام صيد ثمين، ولم يكن الرجل سوى واحد من عشاق أم كلثوم ومهووسيها الكبار، هذا الرجل هو صاحب أشهر عبارة فى حفلات أم كلثوم، التى ضارت مثلا بعد ذلك وخلدها التاريخ الشعبى، وهى عبارة «عظمة على عظمة يا ست» وهو الذى تسبب فى بكائها، وترددت بعض الروايات أنها تسببت فى إفلاسه.
 
هو الحاج سعيد الطحان الطنطاوى، واحد من أكبر أعيان محافظة الغربية، ومن أكبر التجار، فهو صاحب مصانع منتجات حيوانية ومطاحن، وتنوعت أعماله بين زراعة القطن والأرز، وأكبر تجار القطن، ولديه عدة مزارع ومطاحن فى مدينة طنطا، وصوفوه بأنه مجنون أم كلثوم، فقد كان دائم الحضور فى حفلات كوكب الشرق أم كلثوم، كانت أول حفلة يحضرها لأم كلثوم عام 1935 وكان ما زال شابا، وفى إحدى الحفلات كانت تشدوا كعادتها، فغنت «غنيلى شوى شوى» أصيب سعيد بالجنون وظل يردد «عظمة على عظمة يا ست» .
 
عرف عن سعيد الطحان هوسه الشديد بأم كلثوم، كان يسافر خلفها أينما ذهبت، فسافر وراءها إلى باريس وليبيا والكويت وعمان، أطلق العارفون بالحاج سعيد عدة ألقاب عليه منها «مجنون سوما، متيَّم كوكب الشرق، مهووس أم كلثوم، مجنون أم كلثوم»، وكان يقول إنه يشعر بأنه يجلس فى الصالة بمفرده، وأن أم كلثوم تغنى له وحده.
 
 داعبته فى إحدى حفلاتها، فعندما غنت سيرة الحب رد قائلا «تانى والنبى يا ست أنا جايلك من طنطا»، فأشارت إليه من على المسرح وقالت: «ياما عيون شاغلونى لكن ولا شغلونى إلا عيونك أنت دول بس اللى خذونى وفى حبك أمرونى»، فأغمى على الحاج سعيد الطحان، ونزلت أم كلثوم من على المسرح للاطمئنان عليه .
 
حينما سئل الحاج سعيد عن سر الحب والتعلق الشديد بكوكب الشرق أجاب قائلا: «ده كلامها زى الشهد، زى الأكل وحياتك كده.. أنا بحس إنها بتغنيلى لوحدى.. أنا كنت بحس إنى فى الصالة لوحدى ».
 
لم يكن هوس الحاج سعيد بالست عاديا، بل وصل لدرجة الجنون التى جعلته يترك أمواله تسرق دون أن يشعر، ففى إحدى المرات كان يحمل شيكا بمبلغ 30 جنيها مصريا، وهو من المبالغ الكبيرة آنذاك، وأثناء سيره بالطريق استمع لصوت كوكب الشرق يأتى من إحدى المقاهى الشعبية، ليوقف السيارة بمنتصف الطريق ويتبع صوت الراديو حتى يصل إليه، ويسقط منه الشيك ويسرق وتحفظ سيارته التى اقتادتها الشرطة للحجز، لأنه تركها بمنتصف الطريق وذهب.
 
وفى إحدى المرات، فقد حقيبة كبيرة من المال أثناء استعجاله لحضور حفل كوكب الشرق فسرقت منه شنطة الأموال، ومن بين المواقف الأخرى، تمت سرقة الحاج سعيد نظرا لاستعجاله دخول حفل كوكب الشرق دون أن يلتفت للمال.

المعجب الذى تحول لمتعهد حفلات الست

فى أحد الأعداد النادرة من مجلة الكواكب، الصادرة بتاريخ 7 يناير عام 1958، نشرت المجلة موضوعا تحت عنوان «المعجبون فنون»، ذكرت فيه بعض المواقف للمعجبين بأم كلثوم وبعضهم كان يذهب وراءها أينما كانت، ويحرص على حضور حفلاتها فى أى مكان داخل مصر أو خارجها.
ذكرت المجلة أن من بين هؤلاء المعجبين، معجبا من بورسعيد غريب الأطوار، يلاحقها فى كل حفلة ويسافر وراءها إلى أى بلد تغنى فيه، مهما كان عناء السفر وتكاليفه، وكان يحمل صورها وكل ما يكتب عنها فى الصحف والمجلات، ولا يتحدث إلا عنها، حتى أطلق عليه المقربون منه «مجنون أم كلثوم».
وأشارت المجلة إلى أن هذا المعجب كان يعانى من عاهة فى ذراعه، وحرص بسببها على ألا يظهر أمام أم كلثوم، وفقد بسبب إعجابه وسفرياته وراء أم كلثوم الثروة التى ورثها عن والده، حتى سمعت عنه وعرفت حكايته ومدى تعلقه بها، فأرسلت لمقابلته وشملته بعطفها ومودتها، وكانت تصطحبه مع أفراد فرقتها فى رحلاتها الغنائية، وأخيرا قررت كوكب الشرق أن يكون هذا المعجب متعهد حفلاتها «أحمد الجمل».

المعلم حسن

كما كان من بين معجبى الست معجب اسمه المعلم حسن، صاحب محل مأكولات فى باب الحديد- ميدان رمسيس- لم تفوته حفلة من حفلات أم كلثوم حتى الحفلات الخاصة، فكان يبذل كل جهده لحضورها بجلبابه الصوف ليجلس فى الصفوف الأولى ويصيح كلما غنت مقطعا.
كانت أم كلثوم تعرف حسن وتستقبله أحيانا بين الوصلات ضمن من تستقبلهم من خاصة المعجبين، وأحيانا تلحظه بنظرة أو كلمة فيقذف طربوشه فى الهواء، وفى إحدى الحفلات لم تجده أم كلثوم فسألت عنه، وأخبروها بأنه مريض فذهبت لزيارته.

الحاج حافظ عبدالعال: «يا ست ياللى قبلك ولا بعدك»

يستعرض كتاب صدر حديثا منذ شهور قليلة باسم «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى»، للكاتب كريم جمال، عن دار «تنمية»، طرائف تفاصيل الحفلات، حيث يتابع صيحات أشهر مشجعى أم كلثوم فى تاريخها، وهو الحاج حافظ عبدالعال، الذى ظل يتابعها منذ عام 1939، مثل صيحته فى إحدى الحفلات «يا ست ياللى لا قبلك ولا بعدك»، وصيحته فى حفلة أخرى «يا سلام يا أستاذة.. أستاذ جامعى والله»، وقوله فى حفلة دمنهور «الست جعلت الدمنهورى ينطق الراء»، فى إشارة إلى ميل أبناء محافظة دمنهور المصرية إلى عدم نطق الحرف الأخير أثناء الكلام.

ليلة سقوط الست فى حفلة باريس

فى يوم الأربعاء، 15 نوفمبر 1967م، أُقيمت إحدى أشهر حفلات كوكب الشرق أم كلثوم على مسرح  أولمبيا فى العاصمة الفرنسية باريس، وكان الهدف من هذا الحفل هو دعم المجهود الحربى بعد نكسة 5 يونيو، وقد وصلت أرباحه إلى 212 ألف جنيه إسترلينى، وحضره الرئيس الفرنسى الأسبق شارل ديجول والملك الأردنى الراحل الحسين بن طلال، الذى تصادف وجوده فى باريس، و13 سفيرا عربيا، من بينهم ممثل جامعة الدول العربية فى باريس، كما حضرت على الصعيد الشعبى أعداد غفيرة من الجالية العربية بفرنسا، ومن الجاليات العربية فى أوروبا، و500 يهودى شرقى، وفاجأت الحفلة الفنانة فاتن حمامة، التى قالت لأم كلثوم بمجرد رؤيتها «كنت مشتاقة بشكل جنونى لزيارة القاهرة، فلما رأيتك أحسست أن أغنياتك نقلت القاهرة إلى باريس».
 
وفى الثلث الأخير من أغنية الأطلال الشهيرة وأثناء غنائها مقطع «هل رأى الحب سكارى مثلنا»، قام أحد المعجبين المخمورين بالصعود على خشبة المسرح، وحاول تقبيل قدم الست وهى مندمجة فى الغناء حتى تفاجأت به وحاولت إبعاده.
 
سقطت أم كلثوم بجانب هذا الشاب حتى كادت أن تصطدم رأسها بالأرض، حتى أبعده رجال الأمن، وفورا قامت أم كلثوم من الأرض وأكملت الغناء.
 
سريعا تداركت «الست» الأمر بسرعة بديهة وذكاء وأعادت كوبليه هل رأى الحب سكارى، وأشارت بيدها إلى الشاب الذى حاول تقبيل قدمها، فزال التوتر وضحك الجمهور وانطلق يصفق بقوة ويهتف لها بحرارة أشد انبهارا بما فعلته، لتجاوز الواقعة سريعا دون إرباك الجمهور أو حتى أخذ قسط من الراحة قبل العودة للغناء مجددا. 
 
فاروق إبراهيم مصور المشاهير والرؤساء هو من التقط صورة سقوط أم كلثوم على المسرح، أثناء محاولة أحد المعجبين تقبيل قدمها، وقام بنشرها، وهو ما أثار غضب أم كلثوم من المصور، فكانت لم ترغب فى نشر صورة مثل هذه دون علمها، فسببت أزمة بينه وبين أم كلثوم.
 
درويش-الطحان1
 
3
 

5
 

6
 

8
 

p.6

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة