مع مرور 80 يومًا على الحرب الإسرائيلية الدائرة على قطاع غزة، ارتفعت الأصوات في الداخل الإسرائيليى تطالب بوقف اطلاق الناربعد تكبد الخسائر المادية والبشرية، واتضاح الصورة لدى الكثيرين بأن الأمر ليس إلا في مصلحة نتنياهو الذى يحاول الإبقاء على منصبه وإنقاذ مستقبله السياسي.
وقال بيني جانتس، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي :"تكبدنا ثمنا باهظا ومؤلما وصعبا"، حيث تتزايد الخسائر البشرية الإسرائيلية يوما بعد يوم، ففي تل أبيب، يعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي يوميًا مقتل عسكريين، وإصابة آخرين .
وتمكنت الفصائل الفلسطينية من تدمير أكثر من 200 آلية إسرائيلية خلال الأسبوعين الماضيين غالبيتهم في شمال وجنوب غزة، وذلك في ظل محاولات جيش الاحتلال الإسرائيلي التقدم بريا في عدة محاور مختلفة بشمال وشرق وغرب وجنوب غزة.
وبشأن الخسائر المادية يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي مع تصعيد الحرب في غزة، تكاليف بـ 600 مليون دولار أسبوعيا بسبب نقص القوى العاملة، بحسب البنك المركزى الإسرائيلي.
ومع دخول الحرب شهرها الثالث، بدأ الاقتصاد الإسرائيلي يشهد حالة اهتزاز في جميع القطاعات، ويتكبد تكاليف باهظة تبلغ 600 مليون دولار أسبوعيا، بحسب بنك إسرائيل المركزي.
وهذه التكاليف ناجمة عن إغلاق العديد من المدارس، وإجلاء نحو 144 ألف عامل من المناطق القريبة من الحدود مع غزة ولبنان، إضافة إلى استدعاء حوالي 350 ألف جندي احتياطي في الجيش الإسرائيلي للخدمة، ما يمثل 8% من القوى العاملة.
كما ألغت إسرائيل تصاريح العمل لآلاف العمال الفلسطينيين ما أدى إلى تباطؤ قطاع البناء الذي يعاني الآن من نقص حاد في العمالة، وتسعى حاليا إلى استبدال ما يصل إلى 100 ألف عامل فلسطيني في قطاع البناء بعمال هنود، علما أن العمال الفلسطينيين يشكلون نحو 25% من الموارد البشرية في القطاع.
وكبدت الحرب في غزة إسرائيل عجزا في الموازنة بنحو 23 مليار شيكل، ما يعادل 6 مليارات دولار في أكتوبر، وهو ما يمثل ارتفاعا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.6% من 1.5% في سبتمبر.
وبحسب وزارة المالية الإسرائيلية، انخفضت الإيرادات بـ 15% على أساس سنوي الشهر الماضي بسبب التأجيلات الضريبية.
كما تراجع الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي الإسرائيلي بأكثر من 7 مليارات دولار في أكتوبر لدعم الشيكل.. وتواصل تل أبيب النزيف المادي والبشري.
فيما طالب مسئولون سابقون باستقالة نتنياهو واجراء انتخابات جديدة وهوما بدأ الشارع الإسرائيلي في المطالبة به مع إطالة أمد الحرب دون تحقيق الأهداف الكبرى التي أعلن عنها قادة الحرب في إسرائيل، فالأرقام غير المعلنة في الخسائر بالأفراد والمعدات والآليات مفزعة للشعب الاسرائيلي الذي ذاق لأول مرة في تاريخه مرارة النزوح والتهجير الاجباري الى الداخل الاسرائيلي من مناطق الشمال مع لبنان والجنوب مع قطاع غزة.
وعلى الصعيد الدولى، انقلبت صورة إسرائيل أمام شعوب العالم الذى أصبح ينظر اليها باعتبارها "دولة منبوذة" تنتمي إلى عالم عاش فيه البشر بشريعة الغاب دون اعتبار لأية معايير أخلاقية وانسانية، فالملايين في شوارع عواصم العالم تعكس رفضها لحرب الإبادة لجيش الاحتلال وتصدع المواقف السياسية الدولية يؤكد الرفض لهذه الحرب العبثية الوحشية التي لا أخلاق ولامواثيق فيها.
وعلي الصعيد الآخر بدأ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يطرح الأفكار والرؤى عن ماهية الترتيبات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية لإدارة الحكم في غزة وتحديد علاقتها بـ"إسرائيل"، لكن رؤيته ليست محل إجماع إسرائيلي داخلي في حكومة الحرب الإسرائيلية، بل ووجهت بمعارضة واسعة بين صناع قرارات الأمن القومي الإسرائيلي، وخصوصاً المؤسسة العسكرية والأمنية .
كما أن رؤية نتنياهو تصطدم بشكل أساسي مع الرؤية الأميركية لما تسميه الإدارة الأميركية "الترتيبات في غزة ما بعد حركة حماس"، والتي عبرت عن خطوطها العامة نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس بأن الولايات المتحدة الأميركية لا تقبل بتهجير الفلسطينيين ولا إعادة احتلال الجيش الإسرائيلي قطاع غزة وعدم اقتطاع أي مساحة جغرافية منه، وعودة السلطة الفلسطينية بدعم من قوة دولية تشارك فيها قوات من بعض الدول عربية للتأكد من نزع السلاح من المقاومة في غزة.
ورغم المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية المتعددة وتعقيدات المشهد السياسية والعسكرية، تتركز الإجابات كلها حول مصلحة بنيامين نتنياهو الشخصية، فسلوكه السياسي والإعلامي والعسكري منذ بداية الحرب يدور حول محور واحد ووحيد وهو كيف يمكن أن يحافظ على مستقبله السياسي وكرسي رئاسة الوزراء بعد انتهاء الحرب، ولا يتحمل مسؤولية الفشل الكارثي الذي حدث في السابع من أكتوبر، كما فعل باقي القادة السياسيين والعسكريين؟
ويدرك نتنياهو أن انتهاء الحرب يعني انتهاء حياته السياسية، وقد يكون مصيره السجن، وخصوصاً أن استطلاعات الرأي الإسرائيلية تشير بشكل واضح وقاطع إلى أن خصمه السياسي وشريكه في حكومة الحرب بني جانتس، زعيم المعسكر الرسمي، هو المرشح الأكبر لتشكيل أي حكومة إسرائيلي في حال الذهاب إلى انتخابات جديدة بعد الحرب، وخصوصاً أن جانتس هو الشخص الأكثر قرباً إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
لذلك، يسعى نتنياهو إلى تحصين علاقته بشركائه في المعسكر اليميني الديني المتطرف داخل الحكومة الحالية، من خلال ملامسة رؤيته العصب الحساس لدى الصهيونية الدينية، المتمثل في خطة تهجير الفلسطينيين، وخصوصاً من الضفة الغربية والقدس، وعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية، تمهيداً لضم كامل الضفة الغربية إلى "إسرائيل"، كما يحلم سموتريتش وإيتمار بن غفير وقادة المستوطنين في مجلس يوشع في الضفة الغربية، وبالتالي هم يتمسكون بنتنياهو كرئيس للوزراء، وخصوصاً أنه سمح لهم بتمرير الأموال الائتلافية لمستوطناتهم وجمهورهم الاستيطاني من خلال موازنة 2023 في وقت الحرب.
كما يسعى إلى استعادة وجمع أصوات اليمين الإسرائيلي حوله مجدداً كزعيم لا منازع له لليمين الإسرائيلي، من خلال استرجاع قضية مركزية قديمة جديدة في آن واحد لدى اليمين الإسرائيلي هي اتفاق أوسلو وحل الدولتين، وجعلها عنواناً لرؤيته بواسطة هجومه الهائل على السلطة الفلسطينية واتهامها "بالإرهاب"، رغم تمسك السلطة الكامل بقرارات الشرعية الدولية والرباعية، ناهيك بالتزامه الكامل بالتنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
ويريد نتنياهو أن يبدو أنه القائد الإسرائيلي القومي القوي الذي يستطيع أن يقول لا للإدارة الأميركية، الأمر الذي يلقى رغبة واسعة لدى جمهور واسع من الشارع الإسرائيلي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة