عصام محمد عبد القادر

التربية السياسية.. الماهية والمتطلبات

الأحد، 17 ديسمبر 2023 09:34 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عندما نستهدف إكساب الفرد المعارف الممزوجة بالمفاهيم والمصطلحات السياسية في صورتها الصحيحة، سواءً أكان هذا الأمر مخطط له، أم بصورة غير مقصودة من خلال مؤسسات رسمية وغير رسمية، أو عبر وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، أو بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي بتنوعاتها المختلفة؛ فإنه تنمو لدى هذا الفرد خبرات تتضمن قيمًا مجتمعية نبيلة ذات صبغة سياسية، ووجدان نقي تترجمها سلوكيات سياسية قويمة في مراحل حياته المختلفة، وهذا في مجمله يُعد تربية سياسية.

ومن خصائص المواطن الصالح إصراره وإقدامه في خدمة وطنه على الوجه الأكمل في ضوء ما يمتلكه من قدرات وخبرات نوعية، وهذا الأمر لا ينفك عن وعي صحيح قائم على تنشئة سياسية رسخت لديه الولاء والانتماء، وعضدت في وجدانه قيم المواطنة التي تحثه على تأدية الواجب الوطني بكل صوره، من مشاركة سياسية، أو عمل تطوعي، أو تأدية خدمة عسكرية، أو مواجهة الأفكار الهدامة وتصويب المغلوط منها، والعمل بدأب على نشر الفكر المعتدل القائم على الوسطية، أو تفنيد الشائعات بلغة المنطق استنادًا للشاهد والدليل من مصادرها الموثوقة، إلى غير ذلك من صور البناء التي يصعب حصرها.

وقد أضحت الحياة السياسية في مصر مليئة بالمشاهد والأحداث المتواترة؛ فلم تعد نمطية في مكونها ومكنونها؛ حيث إن ديمومتها نعيشها بوضوح في الاستحقاقات الانتخابية بكل أنماطها، وهذا ما يستوجب على مؤسسات الدولة بكاملها العمل المتصل والمتواصل على نشر الثقافة السياسية التي تسهم في تنمية الوعي السياسي لدى المواطنين بجميع طوائفهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم الحزبية وغير الحزبية.

والمشاركة السياسية لم تعد اختيارًا أو ترفًا، بل تمثل أحد أركان الحريات الرئيسة، والتي بواسطتها يتم اختيار من يمثل المواطن تمثيلًا حقيقيًا، ولندرك أن السياسات العامة بالدول لا تستكمل مسارها الديمقراطي الصحيح إلا بها؛ فاحترام الحقوق المدني لا تنفك عن الحقوق السياسية، والتي من المشاركة في جميع الاستحقاقات الانتخابية التي أقرها الدستور، وكفلت الدولة المصرية ضمانة تنفيذها في صورة نزيهة ومشرفة يشهد لها القاصي والداني؛ فعدم رصد مخالفات في الانتخابات الرئاسية السابقة دلالته حسن تنظيم وترتيب ووعي سياسي جماهيري، وحيادية تامة من الجميع؛ حيث الوقوف على مسافة واحدة من جميع المرشحين؛ ناهيك عن الالتزام الواضح من القائمين على الحملات الانتخابية.

وشوهد في الفترة الأخيرة صورة الوعي السياسي لدى فئة الشباب المصري، الذي شارك في الحياة السياسية وفي مسارها الديمقراطي المشروع بكل قوة؛ فكثير منه انتسب للأحزاب السياسية باعتبارها بوابة مهمة للتغير وتوصيل النبض الشعبي والوصول من خلالها لمواقع السلطة التنفيذية؛ بالإضافة إلى المشاركة في صنع القرار السياسي، وكثير من الشباب المصري العظيم شارك بتواجده في الانتخابات ليعبر عن رأيه ويشارك في رسم سياسة الدولة باختيار القائد، أو نواب الشعب الذين يحملون على عاتقهم مهام جسام، والحق أن مناخ الحريات في العمل السياسي وقوة تمثيل الشباب، ساهم في إقبالهم على المشاركة البناءة والإيجابية في الحياة السياسية المصري التي تزداد ازدهارًا يومًا بعد يوم.

ولندرك سويًا أن التربية السياسية يجب التوعية بها في المراحل الأولية للفرد؛ فكما نهتم بالتنشئة الاجتماعية ونعدل من سلوكياته منذ المهد، نحتاج بالتزامن أن نهتم بتنمية الوعي السياسي لديه؛ ليدرك حقوقه فيتمسك بها، ويعلم واجباته فيؤديها، ويتحمل مسئولية اختياراته، وبالطبع تتنامى المفاهيم لديه تدريجيًا من مرحلة لأخرى تالية؛ ليكتمل لديه الوعي السياسي ويسارع بالمشاركة في الحياة السياسية وفق تطلعاته واحتياجاته وآماله التي يستهدفها في طالع المستقبل القريب.

وهناك العديد من المتطلبات التي تحقق ماهية وأهداف التربية السياسية؛ حيث تبدأ من خلق تنشئة سياسية مقصودة تقدمها المؤسسة التعليمية بحرفية في كافة مراحلها بصورة مقصودة عبر أنشطتها ومناهجها يكتسبها الفرد بشكل وظيفي، كما للأسرة دور فاعل في التوعية والتنشئة السياسية؛ لتربي أبنائها على إيجابية المشاركة ودورهم الفاعل في بناء المجتمع والعمل على تماسكه ومعرفة الحقوق والواجبات ومطالعة ما يجري من أحداث متلاحقة على الساحتين المحلية والعالمية، وسعى المجتمعات المشروع كي تنال المكتسبات التي تنشدها.

وينبغي أن نعظم من دور المؤسسات المجتمعية ودورها في التربية السياسية وتأثيرها الفاعل في استقطاب فئة الشباب كي يشارك وينغمس في خدمة مجتمعه ويعبر عن رأيه وفق آليات مشروعة تضمن عدم انحرافه تجاه مسارات الهدم وتشويه الوعي والفكر غير القويم، وقد لوحظ ظهور كيانات شبابية فاعلة تحت مظلة مؤسسات الدولة ورعايتها، أبهرت الجميع في مشاركاتها المختلفة بشتى محافل الدولة الرسمية، وهذا الأمر يعضد ماهية الولاء والانتماء بصورة وظيفية لدى الشباب، ويجعلهم يشاركون بفعالية في العمل السياسي والمجتمعي على حد سواء.

 والشباب المصري في عصر الرقمنة يمتلك المقدرة في التعبير عن رأيه والتفكير بصورة إيجابية وناقدة لمجريات الأحداث؛ حيث بدت صور المناقشة والحوار فيما بينهم ومع من يكبرهم تتسق مع آداب وأسس متعارف عليها تؤدي إلى تحقيق الهدف منها؛ حيث يستمع جيدًا ويفكر مليًا؛ ليخرج أفضل ما لديه من أفكار بناءة يعبر بها عن رأيه، وهذا الأمر لا جدال أنه مكتسب من خلال المشاركة وصور التعاون وأنماط التوعية، ووضوح الرؤية التي تبنتها مؤسسات الدولة والقائمين على إدارتها تحت رعاية السياسة العامة للدولة المصرية التي اهتمت بتنمية ثروتها البشرية.

  وتجنبًا للإطالة نود الإشارة إلى أهمية زيادة فعالية الندوات التي تستهدف تنمية الوعي السياسي؛ كي يصبح مجتمعنا العظيم على جاهزية دائمة للمشاركة في الحياة السياسية؛ ليصبح المواطن المصري فعال في شتى مناحي الحياة وفي مقدمتها الحياة السياسية؛ حيث يفقه بصورة عميقة ما يدور حوله وما يحيط بالبلاد من تحديات ومخاطر اكتسبت للأسف صفة الديمومة.

حفظ الله شعبنا العظيم ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا السياسية أبدَ الدهر.

بقلم: أ.د/ عصام محمد عبد القادر

أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس

كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة